بحث

بريميشيريو: حلم السلام يبدو يوتوبيا لكن التاريخ سيستسلم لهذه اليوتوبيا كما يعلمنا المكرّم لابيرا والبابا فرنسيس بريميشيريو: حلم السلام يبدو يوتوبيا لكن التاريخ سيستسلم لهذه اليوتوبيا كما يعلمنا المكرّم لابيرا والبابا فرنسيس 

بريميشيريو: حلم السلام يبدو يوتوبيا لكن التاريخ سيستسلم لهذه اليوتوبيا كما يعلمنا المكرّم لابيرا والبابا فرنسيس

أجرى مدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية أندريا تورنييلي مقابلة مع ماريو بريميشيريو عمدة فلورنسا الأسبق والرئيس السابق لمؤسسة جورجيو لابيرا، الذي تحدث عن الحرب الدائرة في أوكرانيا مسلطا الضوء على النداءات التي أطلقها البابا فرنسيس في هذا السياق وعلى أهمية السعي الدؤوب للتوصل إلى حلول تفاوضية.

بريميشيريو، الذي رافق المكرّم جورجيو لابيرا إلى هانوي مع بداية حرب فيتنام سعياً لفتح الباب أمام التفاوض، أكد في المقابلة أنه في العالم المعولم لا يمكن أن نفكر في ضمان أمننا من خلال مواجهة الآخرين، لأن الأمن ممكن فقط بواسطة التعاون مع الآخرين. استهل المسؤول الإيطالي حديثه متوقفا عند النداء الأخير الذي أطلقه البابا من أجل أوكرانيا، بعد تلاوته صلاة التبشير الملائكي يوم الأحد الفائت، وذكّر بأن فرنسيس شدد في تلك المناسبة على أن الحرب تقتل الحقيقة والحوار، ولا تولد سوى الوهم بإمكانية حل الخلافات الدولية بواسطة الآلة العسكرية. وقال بريميشيريو: لا بد أن ندرك اليوم أنه من المستحيل أن ينتهي الصراع الروسي الأوكراني بغالب ومغلوب، مشيرا إلى أن انتصارا محتملاً لروسيا يعني هزيمة الشرعية الدولية، وستترتب على هذا الأمر نتائج غير متوقعة. وشدد على أن طريق الحل الوحيدة تمر عبر التفاوض، بدءا من وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، يخضع لمراقبة دولية، ويضع حدا لأهوال الحرب.

وذكّر عمدة فلورنسا الأسبق بأن الكثير من المراقبين يرون أنه من المستحيل أن نبدأ بالحديث عن السلام في وقت ترفض فيه موسكو ذلك قبل أن تضم أجزاءً من الأراضي الأوكرانية، فيما ترفض كييف ذلك طالما تتواجد القوات الروسية على التراب الأوكراني. لكن واجب السياسة – مضى يقول – ولا سيما الدبلوماسية، يكمن في جعل ما هو مرجو ممكناً، والبحث بالتالي عن نقاط للتلاقي عندما يتنازل كل من الطرفين عن جزء من مطالبه الأساسية.

ردا على سؤال حول الدور الواجب أن تلعبه الدبلوماسية، خصوصا تلك الأوروبية، رأى بريميشيريو أن دبلوماسية الوساطة لا يمكنها أن تنحاز للدفاع عن طرف معين إلى أجل غير مسمى، وحذّر من مغبة النظر إلى هذا الصراع على أنه "حرب مقدسة" ضد "إمبراطورية الشر". وأضاف أن "السلامية السياسية" مدعوة إلى الانطلاق من واقع الأمور، مع اقتراح آفاق جديدة تسمح بتخطي هذا الواقع. بعدها لفت إلى أن ما يجري في أوكرانيا – شئنا أم أبينا – يعيدنا لعقود إلى الوراء، إلى سياسة المواجهة والقوة. وقال إن روسيا تحن إلى ماضيها كقوة عظمى على الساحة الدولية، وتنظر بريبة إلى كل تهديد على حدودها الغربية. واقترح إمكانية أن يُقام "حزام حيادي" يمتد من البلطيق إلى البحر الأسود، والالتزام بالمبادئ الأساسية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي ترتكز إلى سيادة الأراضي، وفي الوقت نفسه توفر حكما ذاتياً واسع النطاق في الأراضي التي تقطنها أقليات عرقية. ومن هذا المنطلق اعتبر أن عملية توسيع حلف شمال الأطلسي، أقله في الوقت الراهن، غير ملائمة، ودعا إلى تجميد طلب الانضمام الذي قدمته كل من السويد وفنلنديا.

بعدها لفت عمدة فلورنسا الأسبق إلى أنه في وقت تتبع فيه الولايات المتحدة والفدرالية الروسية سياسة عرض العضلات، أظهرت أوروبا غيابها عن الساحة الدولية، وهي غير قادرة على تبني سياسة خارجية موحدة، وأظهرت أنها ما تزال قارة الأوطان ولم تصبح قارة الشعوب، مع أنها في هذه المرحلة التاريخية المقررة كان بإمكانها – وقد لا يزال هذا ممكنا – أن تلعب دوراً مقررا في إنهاء الصراع وتحقيق السلام. 

هذا ثم سُئل بريميشيريو في الختام عن المستقبل الذي ينتظرنا بعد هذا الصراع الجديد في القارة الأوروبية، وشدد على أهمية ألا ينجر العالم وراء القناعة بأن الحروب أمر لا مفر منه، وقال إنه في العالم المعولم الذي نعيش فيه اليوم الأمن الوحيد الممكن تحقيقه هو الأمن "مع الآخرين" وليس "ضد الآخرين".  واعتبر أن ما ينقذنا هو أن ندرك مدى اعتمادنا على بعضنا البعض، وأن لدينا مصيراً مشتركا. وقال يبدو هذا الأمر حلماً يوتوبياً، لكن – كما كان يقول جورجيو لابيرا، وكما يعلمنا البابا فرنسيس – سيستسلم التاريخ في نهاية المطاف لهذه اليوتوبيا.

23 يوليو 2022, 11:29