بحث

الكنائس الشرقيّة جماعات تعيش أبعد من الأيقونات والبخور ودخان الشموع

دوائر الكرسي الرسولي من الداخل: التاريخ، الأهداف، وكيف تعمل الهياكل التي تدعم خدمة البابا. مجمع الكنائس الشرقية في مقابلة مع عميده الكاردينال ليوناردو ساندري.

إنها ليست مسألة أيقونات ودخان شموع يرتفع فوق طقوس قديمة. غالبًا ما يكون جسد المسيح الجريح، لنقولها مع البابا فرنسيس، خلف عمل مجمع الكنائس الشرقية. إنَّ آفاق مسؤوليات الدائرة تشمل عالم الأرض المقدسة، الذي يشبك القداسة مع المأساة البشريّة الطويلة الأمد، وعالم الكنائس في الشتات، والتعايش الطبيعي في النسيج الكنسي للكهنة العازبين والمتزوجين والعديد من الخصائص الأخرى لفسيفساء يرتبط اليوم بالمصير العالمي لوباء لا يُظهر أية علامة على الحل. عالم، يشرح الكاردينال ليوناردو ساندري، عميد مجمع الكنائس الشرقية، تتجلى فيه الوحدة مع نائب المسيح في تنوعها.

تابع الكاردينال ساندري مجيبًا على سؤال حول الأسلوب الذي يعبّر من خلاله مجمع الكنائس الشرقية عن اهتمامه بجماعات الشرق المسيحي وقال أعتقد أنه من الجيد لنا أن نعود إلى الوراء إلى بضع لحظات قبل قداس بداية حبريّة البابا فرنسيس، عندما ذهب للصلاة عند مذبح الاعتراف في بازيليك القديس بطرس بالقرب من ذخائر الرسول وأراد أن يرافقه جميع البطاركة ورؤساء الأساقفة في الكنائس الشرقية الكاثوليكية، لكي يُظهر بشكل مرئي الوحدة العميقة داخل الكنيسة الكاثوليكية. إنَّ الكنيسة اللاتينية هي إحدى الكنائس القائمة بذاتها، والبابا كأسقف روما، على الرغم من كونه أسقفًا لاتينيًا، يمارس عنايته واهتمامه من خلال احترام ورعاية جميع الكنائس الكاثوليكية الشرقية، من الشرق الأوسط إلى أوروبا الشرقية، وصولاً إلى الهند، وجميع الجماعات التي ولدت من هذه الكنائس والمنتشرة في العديد من مناطق الشتات في القارة الأمريكية وكذلك في أوروبا وأستراليا.

أضاف عميد مجمع الكنائس الشرقيّة مجيبًا على سؤال حول أهميّة العناية بواقع الشتات وقال إنها إحدى علامات اهتمام الباباوات بالكنائس الشرقية من خلال مجمع الكنائس الشرقية. إن حقيقة أنّه وفي الأقاليم ذات الغالبية اللاتينية - كما هو الحال في أوروبا والولايات المتحدة على سبيل المثال - قد اختار الباباوات إقامة أبرشيات لرعاية المؤمنين الشرقيين الكاثوليك، تدل على أهميتهم وعلى احترام عميق لهويتهم وتقاليدهم. وعندما يذهبون في العالم ويشكلون جماعات منظمة ذات تناسق معين، يعترف الكرسي الرسولي بإمكانية استمرارهم في المضيِّ قدمًا وفقًا لتقليدهم الخاص وخصوصياتهم الليتورجية والتنظيمية والروحية، التي تنص على تعيين الأساقفة وإقامة أبرشيات لكي يتمكنوا من الاستمرار في عيش انتمائهم للرب في الكنيسة الكاثوليكية من خلال هذا الوجه الفريد لكنيستهم الأصلية. كذلك يشكّل الاهتمام بالمؤمنين الشرقيين فيما يسمى بالشتات أيضًا طريقة خاصة لعيش تلك العناية بواقع المهاجرين واللاجئين العزيزة جدًا على قلب البابا فرنسيس. فالشرقيون في الشتات هم أبناء هؤلاء السكان الذين هاجروا من أوطانهم، هربًا من الحرب والعنف أو لأسباب اقتصادية، وأنشأوا جماعات لمواصلة عيش إيمانهم في ارتباط مع وطنهم ومع كنيستهم الخاصة. إن اهتمام البابا فرنسيس بواقع الهجرة يتحقق أيضًا من خلال دائرتنا، في الرعاية الرعوية لهؤلاء المؤمنين المهاجرين أينما وصلوا في الماضي واليوم وأينما سيصلون أيضًا في المستقبل. هذا الأمر لا يعني بالطبع تفضيل عملية إفراغ المسيحيين، على سبيل المثال من الشرق الأوسط، والذي ربما يهم بعض القوى الدولية القوية، لكنه يرى البابا فرنسيس في الصفوف الأمامية للمطالبة بحق المسيحيين في البقاء في أرضهم، وفي عيش إيمانهم وإعلانه.

تابع الكاردينال ليوناردو ساندري مجيبًا على سؤال حول حالات الطوارئ الأكثر خطورة في مناطق عمل مجمع الكنائس الشرقية وقال بمناسبة السينودس من أجل الشرق الأوسط الذي عُقد في عام ٢٠١٠، طالب العديد من أساقفة تلك البلاد بعدم استخدام مبدأ الأقلية، وإنما مبدأ الحضور، للإشارة إلى أن مبدأ الأقلية والأكثرية - مهما كان مفهوماً من الناحية الإحصائية - ليس هو المفتاح لقراءة وجودهم في الشرق الأوسط. لأنه في الواقع، هناك حديث عن وجود مسيحي مستمرٍّ في تلك الأراضي، ولكنّه كان دائمًا رمزًا عدديًا بالنسبة للغالبية العظمى من السكان، باستثناء القرون الأولى ... ولكنّه حضور يريد أن يستمرَّ في كونه شهادة. من المؤكد أن الجبهات التي يعيش فيها مؤمنونا الشرقيون هي مأساويّة بشكل خاص، فقد أكملنا الآن السنة العاشرة من الصراع السوري ولا يبدو أن هناك حل في الأفق. وتظهر هنا مواقف وحساسيات مختلفة، ولكن هناك يقين واحد أنَّ ملايين الأشخاص (ومعظمهم ينتمون إلى الشرائح الأضعف من السكان، مثل الشباب والأطفال والنساء والمسنين) قد حُرموا من بيت ومدرسة وأحيانًا من مكان للاستشفاء ومكان للنمو واللعب، ومكان يمكنهم أن يرجوا فيه ويعيشوا ويحبوا. لنفكر في ملايين النازحين في سوريا وملايين النازحين خارج سوريا في لبنان والأردن وكذلك في أوروبا أو في الولايات المتحدة... إن الجبهة السورية الجريحة لا تزال تنزف ويبدو أنها غير قادرة على الشفاء، بسبب الذين، ورغم قدرتهم، يقفون ساكنين إزاء صرخة الألم، كما أشار البابا فرنسيس بوضوح عدة مرات. كذلك لا يزال العراق - حيث من المقرر أن يقوم البابا بزيارة قريبة له من الخامس وحتى الثامن من شهر آذار مارس المقبل – مكانًا مطبوعًا بعدم استقرار كبير، وأرضًا لم تهدأ أيضًا بسبب العواقب الوخيمة لغزو ما يعرف بالدولة الإسلامية، ومن الصعب أن نفكّر أن من سافر إلى الخارج قد يتمكّن من العودة. ولكن لنفكر أيضًا في السؤال الكبير حول الحياة في لبنان، الذي دمرته في آب أغسطس من العام الماضي عواقب الانفجار الخطير في ميناء بيروت، والذي كان يعاني منذ شهور من عدم استقرار شديد، وأزمة اقتصادية عميقة مع الآلاف من الناس الذين يعيشون تحت عتبة الفقر. يبدو أن الوضع السياسي لهذا البلد يقوض وجود "البلد الرسالة" حيث كان يبدو أن التعايش بين المسيحيين والمؤمنين من مختلف المذاهب الإسلامية هو واقعًا جعل منه مكانًا متميزًا في جميع أنحاء الشرق الأوسط. قبل حرب العقود الماضية، كان لبنان يُعتبر سويسرا الشرق الأوسط لجماله وغناه، ولكن يمكننا أن نضيف أيضًا كمكان فريد للتعايش السلمي بين مختلف مكونات الشعب. لكننا لا نريد أن ننسى الحقائق الأخرى أيضًا، كالتحديات التي يواجهها المسيحيون في الهند اليوم، فضلاً عن التوترات المستمرة والمعاناة المترتبة على السكان في شرق أوكرانيا.

أضاف عميد مجمع الكنائس الشرقيّة مجيبًا على سؤال حول المساهمة الملموسة التي تقدّمها الدائرة لمواجهة مأساة النازحين، لاسيما في وقت تضاف فيه الصعوبات المتفشِّية إلى تلك التي يسببها فيروس الكورونا وقال إن مأساة فيروس الكورونا التي ضربت العالم بأسره تطلب منا مزيدًا من الاهتمام والرعاية لسكاننا هؤلاء. وبالتالي مع الحفاظ على كفاءات التعاون الدولي للحكومات وتلك الخاصة بالكوريا الرومانية (لمنظمات مثل هيئة كاريتاس الدوليّة أو الدائرة الفاتيكانية التي تُعنى بخدمة التنمية البشريّة المتكاملة)، فإن مجمع الكنائس الشرقية، وبعد أن أبلغ الأب الأقدس وحصل على موافقته، قد أنشأ صندوق طوارئ للكنائس الكاثوليكية الشرقية، يهدف صراحة في هذا الوقت إلى إدارة حالات الطوارئ المرتبطة بالوباء. تأتي الأموال المستخدمة من حملة التبرعات من أجل الأراضي المقدسة ومن متبرعين صغار جعلوا أنفسهم مستعدّين للمساعدة. كذلك خصص المجمع موارد بقيمة أكثر من سبعمائة ألف دولار، خصصت لشراء مواد صحية ووقائية (مثل أجهزة التنفس الاصطناعيّة) للقدس، وغزة، وسوريا، ولبنان، وإثيوبيا، وإريتريا، والعراق ... وبشكل خاص تمَّ وضع آليّة عمل سينودسيّة من خلال بعض وكالات هيئة رواكو المعنية بمساعدة الكنائس الشرقية التي وصلتها طلبات المساعدة بسبب حالة الطوارئ التي يسببها فيروس الكورونا من دوائر كنسية مختلفة في نطاق عمل المجمع الشرقي وتلقّت استجابات سريعة.

تابع الكاردينال ليوناردو ساندري مجيبًا على سؤال حول الأسلوب الذي يستثمر من خلاله مجمع الكنائس الشرقيّة في التنشئة وقال يدير مجمع الكنائس الشرقيّة ثماني معاهد في روما حيث يتم استضافة ما بين مائتين وثلاثمائة طالب سنويًّا، اعتمادًا على السنة، ويوفّر لهم المنح الدراسية التي تتضمّن مصاريف الحياة في المعهد، والرسوم الأكاديمية، والحياة الملموسة، وهذا الاستثمار في التنشئة يشبه حتماً الاستثمار في مستقبل وكذلك في حاضر الكنائس الشرقية لأنه من خلال تنشئة كهنة، وإكليريكيين ومكرّسين، وبعض المؤمنين العلمانيين المؤهلين في جامعات روما، لا تُضمن فقط تنشئة أكاديميّة ممتازة، وإنما يتمُّ ذلك تحت نظر خليفة بطرس، بالقرب من البابا، لكي يُنشَّأ هؤلاء الأشخاص أيضًا في الروح الكاثوليكية. واقع آخر هو المعهد البابوي الشرقي الذي يقوم، من خلال كلية القانون الكنسي والعلوم الكنسية الشرقية، بتنشئة العديد من الرعاة المستقبليين للكنائس الشرقية الكاثوليكية في العالم: ويتم تخصيص مليون يورو له من الميزانية السنوية.

وخلص الكاردينال ليوناردو ساندري، عميد مجمع الكنائس الشرقية مجيبًا على سؤال حول الأسلوب الذي يعضد من خلاله مجمع الكنائس الشرقيّة الكنائس المحليّة بشكل مباشر وقال موضوع آخر هي الإعانات العادية التي يضمنها المجمع كل عام للأبرشيات الموجودة في الإقليم بطريقة تضمن الحد الأدنى من نشاطات الحياة الكنسية لإعلان إنجيل المحبة، ومجموعها السنوي يتراوح حوالي أربعة ملايين يورو. كذلك كانت هناك بعض التدخلات ذات الطابع غير العادي فيما يتعلق بإعالة الكهنة في المناطق التي لا يمكن فيها توفير أي شكل آخر من أشكال القوت، كما يحدث على سبيل المثال في إيطاليا بآلية الـ "8 per mille"، والتي يتمُّ من خلالها توفير دعم استثنائي لكل ما يتعلق بحياة الكهنة في سوريا في عدة مناسبات لكي يتمكنوا من الاستمرار في ضمان شهادتهم إلى جانب السكان الذين يعانون.

 

26 فبراير 2021, 12:56