بحث

Mons Vincenzo Paglia Mons Vincenzo Paglia 

المطران باليا: هناك حاجة ملحّة للحوار لنعيد التفكير في مرحلة ما بعد فيروس الكورونا

بالنسبة للمطران فينشنزو باليا رئيس الأكاديمية الحبرية للحياة، لقد شكّل الوباء صفعة كبيرة لكن يمكنها أن تكون مفيدة.

يقدّم الكتاب "Curare la vita: etica e tecnologie" الذي نشر حديثًا أعمال منتدى الأكاديمية الحبرية للحياة الذي عقد عام ٢٠١٧ تحت عنوان "مرافقة الحياة: مسؤوليات جديدة في عصر التكنولوجيا"، ويتمحور الكتاب حول مبدأ "الأخلاق الحيوية العالمية" وضرورة إيجاد أجوبة أخلاقية إزاء أسئلة جديدة تتعلّق بالولادة والحياة والموت في عالم معولم وذات تقنية عالية. وللمناسبة أجرى موقع فاتيكان نيوز مقابلة مع المطران فينشنزو باليا رئيس الأكاديمية الحبرية للحياة تحدّث فيها عن لأخلاق الحيوية العالمية في الإطار الحالي لوباء فيروس الكورونا.

قال المطران فينشنزو باليا في تلك المناسبة، واجهت الأكاديمية الحبرية للحياة للمرة الأولى التحديات الكبيرة الجديدة التي ظهرت من التغيير التاريخي الذي نعيشه، كما وصفه البابا فرنسيس. ففي محور ذلك اللقاء عام ٢٠١٧، كان هناك في الواقع موضوع العولمة مع تحدياتها الهائلة من جهة، والتطور السريع للتكنولوجيا من جهة أخرى، ولا سيما ما يُعرف بـ "التقنيات المتقاربة" التي لها تأثير مباشر على حياة جميع الأشخاص والعائلة البشريّة بأسرها. لذلك إذا كان ما يسمى بـ "الأخلاق الحيوية" في الماضي، وهو مصطلح يعود تاريخه إلى السبعينيات، قد وجَّه تأمل الأكاديمية الحبرية للحياة، فقد شعرنا اليوم بالحاجة إلى إعادة فهم هذا المفهوم بطريقة أوسع وأعمق. لقد أدركنا أنه عندما نتحدث اليوم عن بداية الحياة ونهايتها، يجب أن نأخذ في عين الاعتبار جميع الأعمار، وبالتالي من الطفولة إلى المراهقة، ومن الشباب إلى النضوج. ومن ثمَّ هناك موضوع حياة المسنين، وموضوع نوعية الحياة التي ليست هي نفسها في جميع المجالات. كذلك موضوع العلاقة بين الكائنات البشرية والعلاقة مع البيئة أو حتى مع التكنولوجيا. وبالتالي مع منتدى عام ٢٠١٧، والذي استمر بعد ذلك بشكل مثالي مع المنتدى حول الأخلاق الروبوتيّة والمنتدى حول الذكاء الاصطناعي في السنوات التالية، قد تجاوزنا ما نسميه اليوم بالحدود العظيمة "الأخلاق الحيوية العالمية".

تابع رئيس الأكاديمية الحبرية للحياة مجيبًا على سؤال حول خطر التكنولوجيا بأن تسبب عمليّة لا أنسنة، تجرد الإنسان من الصفات الإنسانية وقال إن الخطر اليوم هو أكبر من الماضي. إن التطور الهائل لعلوم التكنولوجيا والتقنيات المتقاربة هو بالضبط ما يسمح لنا بالتدخل بطريقة جذرية في حياة الإنسان. وهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يحدث فيها ذلك. وهذا كلّه يضع في محور الشك والتساؤل مصطلح "طبيعي". ماذا تعني اليوم كلمة "طبيعي" عندما يمكن للتكنولوجيا الحيوية أن تتدخل في الجينوم البشري وكذلك في كل من الولادة والموت، وإنما أيضًا في الحياة العادية. لنفكر في جميع المشاكل المتأتّية من استخدام الذكاء الاصطناعي، مثل خطر ما يسمى بـ "رأسمالية المراقبة" المرتبطة بالبيع والشراء عبر الإنترنت لبياناتنا الشخصية. إزاء هذه التطورات الهائلة في التكنولوجيا، نرى للأسف تطورًا ضعيفًا للأخلاقيات والإنسانية، وبهذا المعنى، هناك حاجة ملحّة جدًّا لحوار بين العلم والتكنولوجيا والإنسانية، وإنما أيضًا مع الدين والمعتقدات. حوار ينبغي القيام به بعناية وقد حاولنا أن ننعشه أيضًا في مؤتمرنا الأخير الذي عُقد في شهر آذار مارس الماضي، والذي أظهر خلاله مديرو شركات التكنولوجيا الكبرى أنهم يشعرون بالحاجة إلى التوقيع على بيان أخلاقي لمساعدة التكنولوجيا لكي تكون أكثر إنسانية. لكي لا يتحول الإنسان إلى مجرد آلة ولكي يكون الشخص البشري على الدوام في محور الحياة، والسياسة، والاقتصاد، وبالتالي في محور التكنولوجيا أيضًا.

أضاف المطران فينشنزو باليا رئيس الأكاديمية الحبرية للحياة مجيبًا على سؤال حول إن كان الوباء الذي نعيشه يشكل إطارًا مثاليًّا لتطبيق منظار الأخلاق الحيوية العالمية وقال نعم أعتقد ذلك؛ وعلينا اليوم أن نلاحظ بمرارة أنه بالتحديد وبسبب الحماقة التي دمر بها الاقتصاد والسياسة الخليقة فقط من أجل إرضاء مصالحهما الخاصة، وقدما أنماط حياة مستحيلة، تمرَّد العالم ضد هذا الاستغلال غير العقلاني من قبل الإنسان. وبهذا المعنى، فإن الوباء هو مأساة، ولكنّه في الوقت عينه فرصة استثنائية لإعادة التفكير في التنمية والعلاقات والمعنى الحقيقي للحياة. وبالتالي يمكننا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نقول إن الهشاشة والضعف هما الحالة العادية لحياة كل فرد منا. يكفي أن نفكر أننا كنا قد وصلنا للحديث إلى ما بعد الإنسانية، وعن تحول الإنسان إلى كائن يملك قدرات جسدية ومعرفيّة جديدة، وربما حتى الخلود. بهذا المعنى، شكّل الوباء صفعة كبيرة، ولكن يمكنّها أن تكون مفيدة. يجب أن أقول إن هناك بوادر للتفكير وإعادة التفكير بهذا المعنى، والبابا فرانسيس، بشكل أو بآخر، هو الشخص الذي عرف كيف يترجم هذا الأمر بشكل متنبّه وعالمي. أعتقد أنه ليس الكنيسة فقط، وإنما جميع الوقائع الأخرى، كالعالم العلمي وعالم الاقتصاد والثقافة، جميع هذه الوقائع مدعوة لإعادة التفكير في عالم ما بعد فيروس الكورونا. وأي شخص يعتقد أن هذا الوباء كان مجرّد مرحلة فهو مخطئ، وبالتالي لا يمكننا ألا نغيِّر تنظيم المجتمع وألا نعيد التفكير في معنى الحياة إذا أردنا أن نتجنب الـ "كوفيد ٢٠" أو الـ "كوفيد ٢١" لأنه عندها سيكون ذلك مأساة كبيرة لكوكب الأرض. 

03 يوليو 2020, 11:23