بحث

2020.04.08 papa giovanni XXIII 2020.04.08 papa giovanni XXIII 

ستون سنة على اللقاء التاريخي بين البابا يوحنا الثالث والعشرين والبروفيسور جول إسحق

لمناسبة مرور ستين عاما على اللقاء التاريخي بين البابا يوحنا الثالث والعشرين والبروفيسور جول إسحق نشرت صحيفة أوسيرفاتوريه رومانو الفاتيكانية مقالا كتبه الحاخام أبراهام سكوركا مدير معهد العلاقات اليهودية – الكاثوليكية في جامعة القديس يوسف في فيلاديلفيا الأمريكية سلط فيه الضوء على اللقاء التاريخي الذي شكل بداية لمسيرة من الصداقة بين الكاثوليك واليهود.

اللقاء الذي عُقد في الثالث عشر من حزيران يونيو 1960 جاء بعد خمسة عشر عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية. وكان عالمٌ جديد قد بدأ يبصر النورَ من بين ما خلّفه الصراع من أنقاض ودمار. وقد أدرك البابا رونكالي أن الكنيسة الكاثوليكية مدعوة إلى التأقلم مع الواقع الجديد إذا ما شاءت أن تقدم إسهامها لصالح المحتاجين في العالم. فأعلن في تلك السنة عن نيته في الدعوة إلى انعقاد مجمع يضم أساقفة العالم كافة، فكان المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني.

وبدعوة من الفاتيكان أرسل الأساقفة واللاهوتيون آلاف المقترحات بشأن المواضيع التي يمكن أن يناقشها المجمع. ولم يتطرق أي مقترح إلى مسألة مناقشة المحرقة النازية وارتباطها بقرون من التعاليم المناهضة لليهودية، باستثناء النداء الذي أطلقه رئيس وأساتذة المعهد الحبري البيبلي في روما.

تابع الحاخام سكوركا مقاله لافتا إلى أن المؤرخ اليهودي، البروفيسور جول إسحق، كان معروفا جدا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية نظرا لكتبه حول التعليم الثانوي في فرنسا. وعلى الرغم من فقدانه لزوجته وابنته وصهره في مخيمات الاعتقال النازية لم يتحول إلى إنسان مرير. في العام 1947 أصدر كتابا سلط فيه الضوء على تعاليم الرب يسوع والتي تتعارض مع تعاليم مناهضة لليهودية كان ينشرها الكثير من المسيحيين. وأدرك أن معاداة السامية من قبل النازيين تملك جذورا وثنية، فصار مدافعا كبيرا عن الحوار بين اليهود والمسيحيين. وبعد أن أعلن البابا يوحنا الثالث والعشرون، بعيد انتخابه، عن نيته في الدعوة إلى عقد مجمع، طلب البروفيسور إسحق مقابلة مع البابا، ووجد فيه محاوراً متفهما.

عندما كان يوحنا الثالث والعشرون، أنجيلو رونكالي، سفيراً بابويا في تركيا، أصدر الآلاف من إفادات المعمودية المزيفة وتأشيرات الدخول لصالح اليهود البلغاريين، والرومانيين والسلوفاكيين والمجريين، فأنقذهم من الموت وسمح لهم بالانتقال من أوروبا إلى فلسطين. وفي أول يوم جمعة عظيمة احتفل به كبابا، قرر إزالة عبارة "أشرار" من صلاة الشفاعة لليهود.

بعدها كتب الحاخام سكوركا أنه في الثالث عشر من حزيران يونيو 1960 تم اللقاء بين يوحنا الثالث والعشرين والبروفيسور إسحق وقدم هذا الأخير للبابا ملفاً تضمن ملخصا عن بحوثه، وطلب أن تُشكل لجنة فرعية تنظر في التعاليم الكاثوليكية حول اليهود، في إطار التحضيرات للمجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. وروى أن البابا رونكالي فكّر بهذا الأمر منذ بداية الحوار. وبعد العطلة الصيفية كلّف البابا الكاردينال أغوستينو بيا بتشكيل اللجنة الفرعية، وقد مهد هذا الأمر الطريق أمام صدور الوثيقة المجمعية "في عصرنا" في الثامن من تشرين الأول أكتوبر من العام 1965.

وتعليقا على اللقاء مع البروفيسور إسحق، كتب السكرتير الشخصي للبابا رونكالي أن اللقاء ترك أثرا عميقا لدى هذا الأخير، مشيرا إلى أن يوحنا الثالث والعشرين لم يفكر حتى تلك اللحظة بالتطرق إلى المسألة اليهودية ومعاداة السامية. من هذا المنطلق شكل اللقاء بين الرجلين نقطة تحول كبير، وكان بداية لـ"مسيرة من الصداقة" كما يصفها اليوم البابا فرنسيس، باركت العلاقات بين اليهود والكاثوليك منذ تلك اللحظة، وعلى مدى السنوات الستين الماضية. 

مما لا شك فيه أن هذه المسيرة لم تخل من المشاكل والصعوبات والجدل، بيد أن الطرفين تعلما رويدا رويدا كيف يتحاوران مع بعضهما البعض، ونما بينهما حوار مثمر في العديد من مناطق العالم. وقد تعلم اليهود والكاثوليك كيف يثمّنون اختلافاتهم، وكيف يختبرون علاقتهم مع الله ولو بطرق مختلفة، وكيف يرون القداسة في تقاليدهم المختلفة ليقولوا لبعضهم البعض: لقد جئت إليك، كما يأتي الإنسان في محضر الله.

في ختام المقال الذي نشرته صحيفة أوسيرفاتوريه رومانو الفاتيكانية لمناسبة الذكرى السنوية الستين للقاء التاريخي بين البابا يوحنا الثالث والعشرين والبروفيسور اليهودي جول إسحق، كتب الحاخام أبراهام سكوركا: فيما نتذكر نقطة التحوّل في التاريخ والتي تمثلت في هذا اللقاء وفي الحوار بين الرجلين، نود أن نرفع الشكر لله، ونكرم ذكراهما عاملين على التعمق في هذا الحوار الذي أطلقاه لستة عقود خلت، ودفعه إلى الأمام.           

16 يونيو 2020, 12:34