بحث

البابا فرنسيس: ليمنحنا الرب النعمة لكي نكتشف الرجاء مجدّدًا ونعلنه ونبنيه البابا فرنسيس: ليمنحنا الرب النعمة لكي نكتشف الرجاء مجدّدًا ونعلنه ونبنيه  (VATICAN MEDIA Divisione Foto)

البابا فرنسيس: ليمنحنا الرب النعمة لكي نكتشف الرجاء مجدّدًا ونعلنه ونبنيه

"إن الرجاء المسيحي يعضد مسيرة حياتنا حتى عندما تبدو متعرجًة ومتعبة؛ ويفتح أمامنا دروب مستقبل عندما يريد الاستسلام والتشاؤم أن يبقياننا سجناء؛ يجعلنا نرى الخير الممكن عندما يبدو أن الشر هو الذي يسيطر؛ ويبعث فينا السكينة عندما يثقِّل الفشلُ والخطيئة القلب؛ وهو يجعلنا نحلم ببشريّة جديدة ويجعلنا شجعان في بناء عالم أخوي ومسالم" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا صلاة الغروب بمناسبة عيد صعود الرب

بمناسبة عيد صعود الرب ترأس قداسة البابا فرنسيس عصر الخميس صلاة الغروب في بازيليك القديس بطرس تمّت في بدايتها قراءة مرسوم إعلان اليوبيل لعام ٢٠٢٥ وقد تخللت الصلاة أيضًا عظة للأب الأقدس جاء فيها بين أناشيد الفرح، صعد يسوع إلى السماء، حيث جلس عن يمين الآب. فهو - كما سمعنا للتو - قد ابتلع الموت لكي نصير ورثة للحياة الأبدية. إن صعود الرب ليس إذًا انفصالًا أو ابتعادًا عنا، بل هو تحقيق رسالته: لقد نزل يسوع إلينا لكي يصعدنا إلى الآب؛ نزل إلى أسفل لكي يرفعنا إلى علو؛ لقد نزل إلى أعماق الأرض لكي تتشرَّع السماء فوقنا. لقد دمر موتنا لكي نتمكن من أن ننال الحياة إلى الأبد.

تابع البابا فرنسيس يقول هذا هو أساس رجائنا: إنَّ المسيح الذي صعد إلى السماء يحمل إلى قلب الله بشريّتنا المحمَّلة بالانتظارات والأسئلة، "لكي يمنحنا الثقة الهادئة بأنه حيث يكون هو، الرأس والبكر، سنكون نحن أيضًا، أعضاؤه، متحدين في المجد عينه". أيها الإخوة والأخوات، هذا الرجاء المتجذر في المسيح المائت والقائم من بين الأموات، هو الذي نريد أن نحتفل به ونقبله ونعلنه للعالم أجمع في اليوبيل القادم الذي أصبح قريبًا. إنها ليست مسألة تفاؤل بشري بسيط أو انتظار سريع الزوال يرتبط ببعض الضمانات الأرضيّة، لا، إنها واقع تحقق في يسوع وتُعطى لنا أيضًا كل يوم، لكي نصبح واحدًا في عناق محبته. إن الرجاء المسيحي، يكتب القديس بطرس، هو "لميراث غير قابل للفساد والرجاسة والذبول". هو يعضد مسيرة حياتنا حتى عندما تبدو متعرجًة ومتعبة؛ ويفتح أمامنا دروب مستقبل عندما يريد الاستسلام والتشاؤم أن يبقياننا سجناء؛ يجعلنا نرى الخير الممكن عندما يبدو أن الشر هو الذي يسيطر؛ ويبعث فينا السكينة عندما يثقِّل الفشلُ والخطيئة القلب؛ وهو يجعلنا نحلم ببشريّة جديدة ويجعلنا شجعان في بناء عالم أخوي ومسالم، عندما يبدو أن الأمر لا يستحق عناء الالتزام.

أضاف الأب الأقدس يقول أيها الأعزاء، بينما نستعد، في سنة الصلاة، لليوبيل، لنرفع قلوبنا إلى المسيح، لكي نصبح مُنشدي رجاء في عالم مطبوع بالكثير من اليأس. بالتصرفات وبالكلمات وبالخيارات اليومية وبالصبر لكي نزرع القليل من الجمال واللطف أينما حللنا، نريد أن ننشد الرجاء، لكي يجعل لحنه أوتار البشرية تهتز ويوقظ في قلوبنا الفرح والشجاعة لمعانقة الحياة.

تابع الحبر الأعظم يقول في الواقع، نحن بحاجة للرجاء. ويحتاج له المجتمع الذي نعيش فيه، والذي غالبًا ما يكون منغمسًا في الحاضر فقط وغير قادر على التطلع إلى المستقبل؛ ويحتاج له عصرنا، الذي يجر نفسه أحيانًا بتعب في رمادية الفردية و"تدبير الأمور"؛ تحتاج له الخليقة الجريحة والمشوهة بسبب الأنانية البشرية؛ تحتاج له الشعوب والأمم، التي تواجه المستقبل محمّلة بالقلق والمخاوف، بينما يستمر الظلم بغطرسة، ويتم تهميش الفقراء، وتستمر الحروب في زرع الموت، ويبقى الأخيرون في أسفل القائمة، ويخاطر الحلم بعالم أخوي في أن يظهر كمجرّد سراب. يحتاج له الشباب، الذين هم غالبًا ما يكونون مشوشين ولكنهم يرغبون في أن يعيشوا الحياة بملئها؛ يحتاج له المسنون الذين لم تعد ثقافة الفعالية والإقصاء تحترمهم وتصغي إليهم؛ يحتاج له المرضى وجميع المتألِّمين في الجسد والروح، الذين يمكنهم أن يحصلوا على العزاء من خلال قربنا وعنايتنا. تحتاج الكنيسة أيضًا للرجاء، لكي وفيما تختبر ثقل التعب والهشاشة، لا تنسى أبدًا أنها عروس المسيح، المحبوبة بحب أبدي وأمين، المدعوة لكي تحافظ على نور الإنجيل، والمرسلة لكي تنقل للجميع النار التي حملها يسوع وأشعلها في العالم مرة واحدة وإلى الأبد.

أضاف الأب الأقدس يقول أيها الإخوة والأخوات، كل واحد منا يحتاج للرجاء: حياتنا المتعبة والجريحة أحيانًا، وقلوبنا المتعطشة للحقيقة والخير والجمال، وأحلامنا التي لا يمكن لأي ظلام أن يطفئها. كل شيء، في داخلنا وخارجنا، يطلب الرجاء ويبحث، حتى بدون أن نعرف، عن قرب الله. يقول رومانو غوارديني: يبدو لنا أن زمننا هو زمن البعد عن الله، الذي يمتلئ فيه العالم بالأشياء، فيما تغيب كلمة الرب. ولكن على الرغم من ذلك، هو يقول: "ولكن متى جاء الوقت - وسيأتي، بعد أن تعبُر الظلمة - الذي سيسأل فيه الإنسان الله: "يا رب، أين كنت حينئذ؟"، عندها سيسمع الجواب مجدّدًا: "أقرب منكم من أي وقتٍ مضى!". ربما قد يكون الله أقرب إلى عصورنا الجليدية منه إلى عصر الباروك ببهاء كنائسه، وإلى العصور الوسطى برموزها الوفيرة، وإلى المسيحية الأولى بشجاعتها الشابة في مواجهة الموت. […] لكنه يتوقّع […] أن نبقى أمناء له. ومن هذا الأمر يمكن أن ينشأ إيمان لا يقل صحة، لا بل وربما أكثر نقاءً، وفي جميع الأحوال، أكثر قوة مما كان عليه في أوقات الغنى الداخلي".

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أيها الإخوة والأخوات، ليمنحنا الرب القائم من بين الأموات، الذي صعد إلى السماء، النعمة لكي نكتشف الرجاء مجدّدًا ونعلنه ونبنيه.  

09 مايو 2024, 18:30