بحث

البابا فرنسيس: العائلة هي أول مكان نتعلم فيه الحب! البابا فرنسيس: العائلة هي أول مكان نتعلم فيه الحب! 

البابا فرنسيس: العائلة هي أول مكان نتعلم فيه الحب!

"ليكن الحب الذي تعيشونه بينكم على الدوام منفتحًا وانبساطيًّا قادرًا على أن يلمس الأشخاص الأشدَّ ضعفًا والمجروحين الذين تلتقون بهم على طول الدرب" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي في اختتام اللقاء العالمي العاشر للعائلات

بمناسبة انعقاد اللقاء العالمي العاشر للعائلات في روما ترأس عميد دائرة العلمانيين والحياة العائلة الكاردينال كيفن فاريل مساء السبت القداس الإلهي مع العائلات في ساحة القديس بطرس بحضور البابا فرنسيس وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها في إطار اللقاء العالمي العاشر للعائلات، هذه هي لحظة الشكر. بامتنان نحمل اليوم أمام الله - كما في تقدمة عظيمة - كل ما زرعه الروح القدس فيكِ، أيها العائلات العزيزة. شارك بعضكم في وقفات التأمل والمشاركة هنا في الفاتيكان. وقام آخرون بإحيائها وعيشها في أبرشياتهم الخاصة، كنوع من المجموعة الكوكبيّة. أتخيل غنى الخبرات والنوايا والأحلام، بالإضافة أيضًا إلى المخاوف والشكوك. فلنقدم الآن كل شيء للرب، ولنطلب منه أن يعضدكم بقوته وبمحبته. أنتم آباء وأمهات وأبناء وأجداد وأعمام؛ أنتم بالغون، أطفال، شباب، ومسنون؛ وكل واحد منكم لديه خبرة عائلية مختلفة، ولكنها تملك جميعها الرجاء عينه القائم على الصلاة: ليبارك الله وليحمِ عائلاتكم وجميع عائلات العالم.

تابع البابا فرنسيس يقول تحدَّث القديس بولس إلينا في القراءة الثانية عن الحرية. إنَّ الحرية هي أحد الخيور الأكثر تقديرًا وإقبالًا من قبل الإنسان الحديث والمعاصر. يرغب الجميع في أن يكونوا أحرارًا، وألا يتمَّ الاشتراط عليهم، وألا يكونوا مقيدين، وبالتالي يتطلعون إلى تحرير ذواتهم من جميع أنواع "القيود": الثقافيّة والاجتماعيّة، والاقتصاديّة. ومع ذلك، كم من الأشخاص يفتقرون إلى الحرية الكُبرى: الحرية الداخلية! يذكرنا بولس الرسول نحن المسيحيين أن هذه هي أولاً عطية، عندما يهتف: "إِنَّ المَسيحَ قَد حَرَّرَنا لِنَكونَ أَحرارًا". إنَّ الحرية قد أُعطيَت لنا. نولد جميعًا مع العديد من التكيُّفات الداخليّة والخارجيّة، ولا سيما مع النزعة إلى الأنانية، أي أن نضع أنفسنا في المحور ونعمل على تحقيق مصالحنا. ولكنَّ المسيح قد حررنا من هذه العبودية. ولتجنب الشك، يحذرنا القديس بولس من أن الحرية التي أعطانا الله إياها ليست حرية العالم الزائفة والفارغة، والتي هي في الواقع "سَبيلاً لإِرْضاءِ الجَسَد". لا، لأنَّ الحرية التي اشتراها لنا المسيح بثمن دمه موجهة بالكامل نحو المحبة، لكي - كما قال بولس الرسول آنذاك ويقول لنا اليوم - "يَصيرَ بِالمَحَبَّةِ بَعضُكم خَدَماً لِبَعض". جميعكم أيها الأزواج، في تكوين عائلتكم، قد قمتم بنعمة المسيح بهذا الخيار الشجاع: ألا تستخدموا حريتكم لأنفسكم، وإنما لكي تحبوا الأشخاص الذين وضعهم الله بقربكم. وبدلاً من أن تعيشوا "كجزر"، وضعتم أنفسكم "في خدمة بعضكم البعض". هكذا تعاش الحرية في العائلة! لا توجد "كواكب" أو "أقمار صناعية" يسافر كل منها في مداره الخاص، لأن العائلة هي مكان اللقاء والمشاركة والخروج من الذات لقبول الآخر والاقتراب منه. إنها أول مكان نتعلم فيه الحب. أيها الإخوة والأخوات، بينما نعيد التأكيد على هذا بقناعة كبيرة، نعلم جيدًا أنه في الواقع ليس الأمر هكذا على الدوام، لأسباب عديدة والعديد من المواقف المختلفة. وبالتالي، عندما نؤكد على جمال العائلة، نشعر أكثر من أي وقت مضى أنه علينا أن ندافع عنها. لا نسمحنَّ أبدًا بأن تلوِّثها سموم الأنانية والفردية وثقافة اللامبالاة والإقصاء، فتفقد هكذا "حمضها النووي" الذي هو الضيافة وروح الخدمة.

أضاف الأب الأقدس يقول إن العلاقة بين النبيَّين إيليا وأليشاع، التي تقدّمها لنا القراءة الأولى، تجعلنا نفكر في العلاقة بين الأجيال، وفي "نقل العصا" بين الوالدين والأبناء. هذه العلاقة في عالم اليوم ليست بسيطة وغالبًا ما تكون مدعاة للقلق. فالوالدون يخشون من ألا يكون أبناءهم قادرين على توجيه أنفسهم في تعقيد واضطراب مجتمعاتنا، حيث يبدو كل شيء فوضويًا ومحفوفًا بالمخاطر، وأن يضيّعوا دربهم في النهاية. هذا الخوف يجعل بعض الوالدين قلقين، والبعض الآخر يبالغ في الحماية، وفي بعض الأحيان ينتهي بهم الأمر إلى إيقاف الرغبة في حمل حياة جديدة إلى العالم. سيساعدنا أن نتأمّل حول العلاقة بين إيليا وأليشاع. إنَّ إيليا، وفي لحظة أزمة وخوف على المستقبل، نال من الله الأمر بأن يمسح أليشاع خلفًا له. لقد جعل الله إيليا يفهم أن العالم لا ينتهي معه وأمره أن ينقل مهمته إلى شخص آخر. هذا هو معنى هذا التصرُّف الذي يصفه النص: ألقى إيليا رداءه على كتفي أليشاع، ومن تلك اللحظة سيحل التلميذ مكان المعلِّم لكي يواصل خدمته النبوية في إسرائيل. وهكذا أظهر الله أنه يثق بأليشاع الشاب.

تابع الحبر الأعظم يقول كم هو مهم بالنسبة للوالدَين أن يتأمَّلا في أسلوب الله في التصرف! إنَّ الله يحب الشباب، لكن هذا لا يعني أنه يحميهم من كل خطر ومن كل تحد ومن كل معاناة. فهو ليس قلقاً ومفرطًا في الحماية؛ بل على العكس، هو يثق بهم ويدعو كل واحد إلى أعلى مستوى من الحياة والرسالة. لنفكّر في الطفل صموئيل، والمراهق داود، وإرميا الشاب. لنفكّر بشكل خاص في العذراء مريم. أيها الوالدون الأعزاء، إن كلمة الله تُظهر لنا الدرب: لا الحفاظ على الأبناء من كل حد أدنى من الانزعاج والمعاناة، وإنما السعي لكي ننقل لهم شغف الحياة، ونُشعل فيهم الرغبة في أن يجدوا ويعانقوا الرسالة الكبرى التي أرادها الله لهم. إن هذا الاكتشاف بالتحديد هو الذي جعل أليشاع شجاعًا وعازمًا وجعله يصبح بالغًا. الابتعاد عن والديه وذبحه لزَوجَينِ مِنَ البَقَر هما العلامة على أن أليشاع قد فهم أن دوره قد أتى الآن، وأن الوقت قد حان لكي يقبل دعوة الله ويسير قدمًا بما رأى معلّمه يفعله. وسيقوم بذلك بشجاعة حتى نهاية حياته. أيها الآباء الأعزاء، إذا ساعدتم أبناءكم لكي يكتشفوا دعوتهم ويقبلوها، فسترون أن تلك الرسالة ستمسك بجوامح قلوبهم وستكون لديهم القوة لكي يواجهوا صعوبات الحياة ويتغلَّبوا عليها.

أضاف البابا فرنسيس يقول أود أيضًا أن أضيف أنه بالنسبة للمربّي، فإن أفضل طريقة لمساعدة شخص آخر على اتِّباع دعوته هي أن يعانق رسالته بحب أمين. هذا ما رأى التلاميذ يسوع يفعله، ويظهر لنا إنجيل اليوم لحظة رمزية، عندما "عَزَمَ يسوع عَلى الإِتِّجاهِ إِلى أورَشَليم"، وهو يعلم جيدًا أنه سيُحاكم هناك ويُقتل. وفي الطريق إلى أورشليم، عانى يسوع من رفض سكان السامرة، رفض أثار ردّة فعل غاضبة لدى يعقوب ويوحنا، ولكن يسوع قبله لأنه يشكّل جزءًا من دعوته: كان في البداية قد رُفض في الناصرة، والآن في السامرة، وسيتم رفضه في نهاية المطاف في أورشليم. لقد قبل يسوع هذا كلّه لأنه جاء لكي يأخذ خطايانا على عاتقه. وبالطريقة عينها، ليس هناك ما يشجع الأبناء أكثر من رؤية والديهم يعيشون الزواج والعائلة كرسالة، بأمانة وصبر، على الرغم من الصعوبات واللحظات الحزينة والمِحَن. وما حدث ليسوع في السامرة يحدث في كل دعوة مسيحية، حتى في الدعوة العائلية. هناك أوقات يجب على المرء فيها أن يأخذ على عاتقه المقاومة، والإنغلاق، وسوء الفهم جميع تلك الأمور التي تأتي من القلب البشري، ويحوّلها بنعمة المسيح، إلى قبول للآخر ومحبة مجانية.

تابع الأب الأقدس يقول مباشرة بعد هذا الحدث، الذي يصف بمعنى ما "دعوة يسوع"، يقدم لنا الإنجيل ثلاث دعوات أخرى، لثلاثة أشخاص كانوا يريدون أن يصبحوا تلاميذًا ليسوع. دُعيَ الأول لكي لا يبحث عن منزل ثابت، أو مكان آمن ليقيم فيه باتباعه للمعلّم، ولكنّ يسوع في الواقع "ليس له ما يضع عليه رأسه". إنَّ اتباع يسوع يعني أن نتحرّك ونبقى في حركة دائمة في "سفر" معه عبر أحداث الحياة. كم هذا صحيح بالنسبة لكم أنتم المتزوجون! أنتم أيضًا، إذ قبلتم الدعوة إلى الزواج والعائلة، تركتم عشّكم وانطلقتم في سفر، لا يمكنكم أن تعرفوا مُسبقًا جميع مراحله، ويحافظ عليكم في حركة مستمرّة، مع مواقف جديدة على الدوام، وأحداث غير متوقعة ومفاجآت. هكذا هي المسيرة مع الرب. إنها ديناميكية ولا يمكن التنبؤ بها، وهي على الدوام اكتشاف رائع. لنتذكر على الدوام أن راحة تلاميذ يسوع هي بالتحديد في أن يعملوا مشيئة الله كل يوم، مهما كانت. أما التلميذ الثاني فقد دُعي لكي لا يعود "لكي يدفن موتاه". إنها ليست مسألة كسر الوصية الرابعة، التي تبقى صالحة على الدوام؛ وإنما هي دعوة لإطاعة الوصية الأولى أولاً: محبة الله فوق كل شيء. هذا هو الحال أيضًا مع التلميذ الثالث، الذي دُعي لاتباع المسيح بحزم ومن كل قلبه، دون "أن يلتفتَ إلى الوراء"، ولا حتى لكي يودِّع أهل بيته.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أيتها العائلات العزيزة، أنتِ أيضًا قد دُعيتي لكي لا يكون لديكِ أولويات أخرى، ولكي "لا تلتفتي إلى الوراء"، أي لكي لا نتحسّر على الحياة السابقة والحرية السابقة، بأوهامها المخادعة: تتحجّر الحياة عندما لا تقبل حداثة دعوة الله ونتحسَّر على الماضي. عندما يدعو يسوع، حتى للزواج والعائلة، يطلب منا أن ننظر إلى الأمام ويسبقنا دائمًا في المسيرة، فهو يسبقنا دائمًا في المحبة والخدمة. والذين يتبعونه لا يخيب أملهم أبدًا! أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إن القراءات التي اقترحتها الليتورجيا علينا اليوم، جميعها تتحدث عن الدعوة التي هي بالتحديد موضوع هذا اللقاء العالمي العاشر للعائلات: "الحب العائلي: دعوة ودرب إلى القداسة". بقوة كلمة الحياة هذه، أشجعكم على استئناف مسيرة الحب العائلي بعزم، وتشاركوا مع جميع أفراد العائلة فرح هذه الدعوة. ليكن الحب الذي تعيشونه بينكم على الدوام منفتحًا وانبساطيًّا قادرًا على أن يلمس الأشخاص الأشدَّ ضعفًا والمجروحين الذين تلتقون بهم على طول الدرب: ضعفاء في الجسد وضعفاء في الروح. في الواقع، حتى الحب العائلي يتطهر ويتقوى عندما يُعطى. إنَّ الكنيسة معكم، لا بل الكنيسة فيكم! لأنَّ الكنيسة، في الواقع، قد ولدت من عائلة، عائلة الناصرة، وهي تتكون أساسًا من عائلات. ليساعدكم الرب يوميًّا لكي تثبتوا في الوحدة والسلام والفرح، فتظهروا للجميع أن الله هو محبة وشركة حياة.

25 يونيو 2022, 19:30