بحث

البابا فرنسيس: لنجدد اللقاء مع يسوع ولنخرج من ذواتنا بدون خوف لكي نشهد له البابا فرنسيس: لنجدد اللقاء مع يسوع ولنخرج من ذواتنا بدون خوف لكي نشهد له  

البابا فرنسيس: لنجدد اللقاء مع يسوع ولنخرج من ذواتنا بدون خوف لكي نشهد له

"هناك حاجة إلى مسيحيين منيرين يلمسون بحنان عمى إخوتهم؛ وبتصرفات وكلمات التعزية يشعلون أنوار الرجاء في الظلام. مسيحيون يزرعون براعم الإنجيل في حقول الحياة اليومية الجافة، ويحملون للآخرين لمسة حنان في عزلة الألم والفقر" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي في استاد "GSP" في نيقوسيا

في إطار زيارته الرسوليّة إلى قبرص ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة القداس الإلهي في استاد "GSP" في نيقوسيا عاونه فيه صاحبي الغبطة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالّا والبطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بحضور رأس الكنيسة الأرثوذكسية في قبرص البطريرك خريزوستوموس وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها بينما كان يسوع ماضيًا في طريقه صاح به أعميان بؤسهما ورجاءهما: "رُحماكَ يا ابنَ داود!". لقد كان لقب "ابن داود" لقب يُنسب إلى المسيح، الذي أعلنته النبوءات من نسل داود. وبالتالي، فإن بطلي إنجيل اليوم هما أعميان، ومع ذلك هما يريان ما هو الأهم: هما يعترفان بيسوع كالمسيح الذي جاء إلى العالم. لنتوقف عند ثلاث نقاط من هذا اللقاء، يمكنها أن تساعدنا في مسيرة المجيء هذه، لكي نقبل بدورنا الرب الآتي.

تابع الأب الأقدس يقول النقطة الأولى: الذهاب إلى يسوع للشفاء. يقول النص أن الأعميين صاحا إلى الرب بينما كانا يتبعانه. هما لا يريانه ولكنّهما يسمعان صوته ويتبعان خطاه. هما يبحثان في المسيح عما تنبأ به الأنبياء، أي علامات الشفاء وعلامات رأفة الله وسط شعبه. وفي هذا الصدد، كتب النبي أشعيا: "تتفقح عيون العمي". ونبوءة أخرى وردت في قراءة اليوم الأولى: "وتُبصِرُ عُيونُ العُمي بَعدَ الدَّيجورِ والظَّلام". هذان الرجلان في الإنجيل يثقان بيسوع ويتبعانه بحثًا عن النور لأعينهما.

ولماذا، أيها الإخوة والأخوات، يثق هذان الشخصان بيسوع؟ أضاف البابا فرنسيس متسائلاً لأنهما يدركان أنه في ظلام التاريخ، النور الذي ينير ليالي القلب والعالم، والذي يهزم الظلام ويتغلب على جميع أشكال عمى. نحن أيضًا، كما نعلم، نحمل في قلوبنا أشكالاً من العمى. نحن أيضًا، على مثال الأعميين، غالبًا ما نكون رحّالة منغمسين في ظلام الحياة. وبالتالي فأول ما يجب علينا فعله هو أن نذهب إلى يسوع، كما يطلب هو منا: "تَعالَوا إِليَّ جَميعاً أَيُّها المُرهَقونَ المُثقَلون، وأَنا أُريحُكم ". من منا ليس مُرهقًّا ومثقَلًا بطريقة ما؟ لكننا نقاوم السير نحو يسوع، ونفضل في كثير من الأحيان أن نبقى منغلقين على أنفسنا، وأن نكون وحدنا مع ظلامنا، ونبكي قليلاً على ذواتنا، ونقبل رفقة الحزن السيئة. يسوع هو الطبيب: وحده هو النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان، ويمنحنا وفرة النور والدفء والمحبة. هو وحده يحرر القلب من الشر. ويمكننا أن نسأل أنفسنا: هل أنغلق على نفسي في ظلمة الكآبة التي تجفف ينابيع الفرح، أم أذهب إلى يسوع وأحمل له حياتي؟ هل أتبع يسوع، أم "ألاحقه"، هل أصرخ له احتياجاتي، وأسلّمه مرارة حياتي؟ لنقم بذلك، ولنعطِ يسوع الفرصة لكي يشفي لنا قلوبنا. هذه هي الخطوة الأولى؛ والشفاء الداخلي يتطلب خطوتين إضافيّتين.

تابع الحبر الأعظم يقول أما الخطوة الثانية فهي أن نحمل الجراح معًا. في هذه الرواية الإنجيلية، لا يوجد شفاء أعمى واحد، كما على سبيل المثال في حالة برطيماوس أو الرجل الذي ولد أعمى. هنا نجد أعميين. كانا معا على الطريق. يتقاسمان معًا الألم لحالتهما، ويرغبان معًا في نور يمكنه أن يُشعل وهجًا في قلب لياليهما. إنَّ النص الذي سمعناه يتحدّث على الدوام بصيغة المثنّى، لأن الاثنين يفعلان كل شيء معًا: كلاهما يتبعان يسوع، ويصرخان له ويطلبان الشفاء؛ وليس كل واحد لنفسه، بل معًا. وإنه لأمر مهم أنهما قالا للمسيح: إرحمنا. لقد استخدما الـ "نحن"، ولم يقولا "أنا". لم يفكر كلٌّ منهما في عماه، ولكنهما طلبا المساعدة معًا. هذه هي العلامة البليغة للحياة المسيحية، وهذه هي السمة المميزة للروح الكنسي: أن نفكّر ونتحدّث ونعمل كـ "نحن"، فنخرج من الفردانية والادعاء بالاكتفاء الذاتي اللذين يجعلان القلب يمرض. إنَّ الأعميين، بمشاركة آلامهما وصداقتهما الأخوية، يعلماننا الكثير. كل واحد منا هو أعمى بطريقة ما بسبب الخطيئة، التي تمنعنا من "رؤية" الله كأب والآخرين كإخوة. هذا ما تفعله الخطيئة هي تشوّه الحقيقة: فتجعلنا نرى الله كسيِّد والآخرين كمشاكل. إنه عمل المجرب الذي يزيِّف الأشياء ويميل إلى إظهارها لنا بشكل سلبي ليوقعنا في اليأس والمرارة. والحزن القبيح، الذي هو خطير ولا يأتي من الله، يعشِّش جيّدًا في العزلة. لذلك، لا يمكننا أن نواجه الظلام بمفردنا. إذا حملنا وحدنا عمانا الداخلي، فسيتسولي علينا ويُخضعنا. ولذلك نحن بحاجة إلى أن نقف إلى جانب بعضنا البعض، ونشارك جراحنا، ونواجه الدرب معًا.

أضاف الأب الأقدس يقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إزاء كل ظلمة شخصية والتحديات التي نواجهها في الكنيسة والمجتمع، نحن مدعوون لكي نُجدّد الأخوَّة. إذا بقينا منقسمين فيما بيننا، وإذا فكّر كل منا فقط في نفسه أو في مجموعته، إذا لم نتمسّك ببعضنا البعض، لن نتحاور، ولن نسير معًا، ولن نتمكّن من أن نُشفى تمامًا من العمى. يأتي الشفاء عندما نحمل الجراح معًا، عندما نواجه المشاكل معًا، عندما نصغي إلى بعضنا البعض ونتحدث مع بعضنا البعض. إنها نعمة أن نعيش في جماعة، ونفهم قيمة أن نكون جماعة. وأنا أسألها من أجلكم: لتكونوا معًا على الدوام وتكونوا متّحدين على الدوام وتسيروا هكذا قدمًا وبفرح: إخوة مسيحيون، أبناء للآب الواحد. وأسألها لنفسي أيضًا. وها هي الخطوة الثالثة: أن نعلن الإنجيل بفرح. بعد أن شفاهما يسوع معًا، بدأ بطلا الإنجيل المجهولان، اللذان يمكننا أن نرى أنفسنا فيهما، في نشر الخبر في جميع أنحاء المنطقة. نجد القليل من التهكُّم في هذا الأمر: لقد أوصاهما يسوع ألا يقولا أي شيء لأحد، لكنهما فعلا العكس تمامًا. ولكننا نفهم من الرواية أن نيَّتهما لم تكن عصيان الرب؛ وإنما ببساطة لم يتمكّنا من أن يحتويا حماس أنهما شُفيا، والفرح لما عاشوه في اللقاء مع يسوع. ونجد هنا علامة أخرى مميزة للمسيحي: فرح الإنجيل، الذي لا يمكن احتواءه، والذي يملأ قلب وحياة الذين يلتقون بيسوع، ويحرّر من مخاطر إيمان يتبع النزعات والأذواق الخاصة ومن مخاطر إيمان مُعقّد ومتذمِّر، ويُدخل في ديناميكية الشهادة.

أيها الأعزاء، ما أجمل أن أراكم وأرى كيف تعيشون بفرح إعلان الإنجيل المُحرّرِر. أشكركم على ذلك. إن الأمر لا يتعلّق بالاقتناص، وإنما بالشهادة؛ ولا بالأخلاقيات التي تدين، وإنما بالرحمة التي تُعانق؛ ولا بالعبادة الخارجية، وإنما بالحب المُعاش. أشجعك على المُضيِّ قدمًا في هذا الدرب: وعلى مثال الأعميين في الإنجيل، لنجدد اللقاء مع يسوع ولنخرج من ذواتنا بدون خوف لكي نشهد له للذين نلتقي بهم! لنخرج ونحمل النور الذي نلناه، لنخرج لننير الليل الذي غالبًا ما يحيط بنا! هناك حاجة إلى مسيحيين مستنيرين، وإنما وبشكل خاص لمسيحيين منيرين يلمسون بحنان عمى إخوتهم؛ وبتصرفات وكلمات التعزية يشعلون أنوار الرجاء في الظلام. مسيحيون يزرعون براعم الإنجيل في حقول الحياة اليومية الجافة، ويحملون للآخرين لمسة حنان في عزلة الألم والفقر.

أيها الإخوة والأخوات، يمر الرب يسوع أيضًا في شوارع قبرص، ويصغي إلى صرخة عمانا، ويريد أن يلمس أعيننا وقلوبنا، وأن يجعلنا نأتي إلى النور، ونولد من جديد، ويرفعنا من الداخل. ويوجه إلينا أيضًا السؤال الذي طرحه على هذين الأعميين: "أَتُؤمِنانِ بِأَنِّي قادِرٌ على ذلِك". هل نؤمن أن يسوع قادر على ذلك؟ لنجدد ثقتنا به! ولنقُل له: يا يسوع، نحن نؤمن أن نورك أعظم من جميع ظلماتنا؛ نؤمن أنّك قادر أن تشفينا وأنّك قادر على تجديد أخوتنا، ومضاعفة فرحتنا؛ وبالتالي ندعوك مع الكنيسة بأسرها: تعال أيها الرب يسوع!

03 ديسمبر 2021, 11:44