بحث

البابا فرنسيس يلتقي السلطات المدنية والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي في براتيسلافا البابا فرنسيس يلتقي السلطات المدنية والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي في براتيسلافا 

البابا فرنسيس يلتقي السلطات المدنية والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي في براتيسلافا

توجه البابا فرنسيس صباح الاثنين إلى القصر الرئاسي في براتيسلافا – التي وصلها عصر أمس الأحد – حيث جرت مراسم الاستقبال الرسمي بحضور رئيسة الجمهورية السيدة سوزانا شابوتوفا. في نهاية المراسم توجها معا إلى الصالة الذهبية حيث عُقد لقاء خاص. وفي أعقاب زيارة المجاملة رافقت السيدة شابوتوفا البابا فرنسيس إلى حديقة القصر الرئاسي حيث التقى الحبر الأعظم – كما جرت العادة خلال زياراته الرسولية – بالممثلين عن السلطات المدنية والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي.

ألقى البابا خطابا قال فيه: جئت حاجًّا إلى بلد شاب لكنَّ تاريخه عريق، في أرض جذورها عميقة وموجودة في قلب أوروبّا. أنا حقًا في "أرض وسط" كانت شاهدة على مراحل كثيرة. من جمهوريّة تشيكوسلوفاكيا إلى اليوم، عرفتم بين شدائد كثيرة، أن تندمجوا وأن تتميّزوا بطريقة كانت في أساسها سلميّة: قبل ثمان وعشرين سنة، أُعجِب العالم بولادة دولتين مستقلّتين دون صراع. 

هذا التاريخ يدعو سلوفاكيا لأن تكون رسالة سلام في قلب أوروبا. نحن بحاجة إلى الأخوّة لتعزيز اندماج وتكامل ضروري بشكل متزايد. هذا التكامل ملحّ الآن، في الوقت الذي، بعد أشهر قاسية من الجائحة، وبالإضافة إلى صعوبات كثيرة، يتم التخطيط لانطلاقة اقتصاديّة جديدة طال انتظارها. ثم إنّ الانتعاش الاقتصادي وحده لا يكفي في عالم نترابط فيه جميعًا، حيث نعيش جميعًا في منطقة وسط. فيما يستمر النضال من أجل التسلط على جبهات مختلفة، يؤكّد هذا البلد رسالته الخاصّة بالاندماج والسّلام، وتتميّز أوروبّا بالتضامن الذي يتجاوز الحدود ويمكن أن يعيدها إلى مركز التاريخ. 

مضى البابا إلى القول: يتّسم التاريخ السلوفاكي بالإيمان بشكل لا يمحى. آمل أن يساعد ذلك التاريخ بطريقة طبيعيّة في تغذية مقاصد ومشاعر الأخوّة. ويمكن أن تستمدُّوها من الحياة العظيمة للأخوَين القديسَين كيرلّس وميثوديوس. فقد نشرا الإنجيل عندما كان مسيحيّو القارّة متّحدين. وهما اليوم يجمعان بين طوائف هذه الأرض. عرفا أنفسهما أنّهما للجميع، وسعيا إلى الشركة مع الجميع: السّلافيين واليونانيّين والّلاتين. وهكذا تُرجمت صلابة إيمانهما إلى انفتاح عفويّ. وأنتم مدعوّون لقبول هذا الإرث، لتكونوا علامةَ وَحدةٍ في هذا الزمن أيضًا. 

لا تسمحوا بأن تغيب أبدًا من قلوبكم الدعوة إلى الأخوّة، بل فلتَبقَ دائمًا فيكم مع الأصالة التي تميّزكم. أنتم تعرفون أن تولوا اهتمامًا كبيرًا للضيافة: ولقد أدهشتني الطريقة الخاصّة بكم التي تعبّر عن الضيافة السّلافية، فتقدّمون للزّائرين الخبز والملح. والآن أودّ أن أستفيد وأتحدّث عن هذه التقدمات البسيطة والثّمينة المشبعة بالإنجيل. 

تابع البابا قائلا: الخبز الذي اختاره الله ليجعل نفسه حاضرًا بيننا، هو عنصر أساسي. يدعونا الكتاب المقدّس إلى عدم تجميعه، بل إلى تقاسمه مع الغير. النظرة المسيحيّة لا ترى في الضعفاء عبئًا أو مشكلة، بل ترى فيهم إخوة وأخوات يجب مرافقتهم وحمايتهم. والخبز المكسور والموزع بالتساوي يشير إلى أهميّة العدل، وأهميّة إعطاء كلّ واحد الفرصة لتحقيق نفسه. يجب بذل الجهود لبناء مستقبل تُطبَّق فيه القوانين على الجميع بالتساوي. يرتبط الخبز أيضًا ارتباطًا وثيقًا بالصفة: اليوميّ. خبز كلّ يوم هو العمل الذي يشغل معظم النهار. كما أنّه لا يوجد غذاء بدون خبز، لا توجد كرامة بدون عمل. في أساس مجتمع عادل وأخويّ، يوجد الحقّ في أن يحصل كلّ واحد على خبز العمل، حتى لا يشعر أحد بالتهميش ولا يضطر إلى ترك عائلته وأرضه الأصليّة بحثًا عن رزق أوفر. 

"أنتم ملح الأرض". الملح هو أوّل رمز يستخدمه يسوع في تعليم تلاميذه. إنّه، قبل كلّ شيء، يعطي طعمًا للأكل، ويدعو إلى التفكير في النكهة التي بدونها تظلّ الحياة بلا طعم. نحن بحاجة إلى نكهة، نحتاج إلى نكهة التضامن. ومثلما يُعطي الملحُ نكهة فقط عندما يذوب. كذلك يستعيد المجتمع نكهته من خلال العطاء المجاني من الذين يبذلون أنفسهم من أجل الآخرين. 

قال البابا فرنسيس: الملح في زمن المسيح، بالإضافة إلى أنّه يعطي طعمًا، كان يُستخدم لحفظ الطعام وحمايته من التعفُّن. أتمنى لكم ألّا تدَعو سطحيّة الاستهلاك والكسب المادي تدمِّر النكهات العطرة لأفضل تقاليدكم. ولا الاستعمار الأيديولوجي. في هذه الأراضي، إلى ما قبل عقود قليلة خلت، كان هناك فكر واحد يمنع الحريّة. واليوم، هناك فكر واحد آخر يفرِّغها من معناها، ويحصر التقدّم بالربح والحقوق بالاحتياجات الفردية وحسب. 

يلحظ دستوركم الرغبة في بناء الدولة على تراث القدّيسَين كيرلّس وميثوديوس، شفيعَي أوروبّا. إنّهما، بدون فرض وبدون إكراه، قاما بإخصاب الثقافة بالإنجيل، فولَّدا واقع خير ومنفعة. هذا هو الطريق: طريق التطويبات. ومنها تنبثق الرؤيّة المسيحيّة للمجتمع. 

أمّا محنة عصرنا – قال البابا – فهي الجائحة. وقد أظهرت لنا كم هو سهل، في الوضع نفسه، أن ننفصل بعضنا عن بعض وأن يفكّر كلّ واحد في نفسه فقط. بدلًا من ذلك، لنبدأ بالاعتراف بأنّنا جميعًا ضعفاء وبحاجة إلى الآخرين. لا أحد يستطيع أن يعزل نفسه، لا الأفراد ولا الشعوب. لنقبل هذه الشّدة ولنعتبرها "دعوة لإعادة التفكير في أساليب حياتنا". وختم البابا كلمته بالقول: أتمنّى لكم أن تفعلوا ذلك ونظركم متّجه إلى العُلى. يتطلّب هذا صبرًا وجهدًا وشجاعة ومشاركة، واندفاعًا وإبداعًا. لكن هذا هو العمل البشري الذي تباركه السماء. بارككم الله، بارك الله هذه الأرض.

13 سبتمبر 2021, 11:12