البابا فرنسيس: ليساعد الله الحكام ليكونوا متّحدين في الأزمات من أجل خير الشعوب
ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت القداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان رفع خلاله الصلاة على نيّة الحكام وقال نصلّي اليوم من أجل الحكام الذين لديهم مسؤوليّة العناية بالشعوب في زمن الأزمة هذا: رؤساء الدول، رؤساء الحكومات، المشرّعون ورؤساء المقاطعات... لكي يساعدهم الرب ويمنحهم القوّة لأن عملهم ليس سهلاً. ولكي يفهموا، عندما يكون هناك اختلافات فيما بينهم، أنّه عليهم أن يكونوا متّحدين من أجل خير الشعب، لأن الوحدة أسمى من النزاع.
استهل الأب الأقدس عظته انطلاقًا من القراءات التي تقدمها لنا الليتورجية اليوم الأولى من كتاب أعمال الرسل والتي تخبرنا عن الجماعة المسيحية الأولى التي كَانَت تَنشأُ وتَسيرُ على مَخافةِ الرَّبّ، وَتنْمو بِتَأيدِ الرُّوحِ القُدُس، وتقدّم لنا حدثين يتمحوران حول القديس بطرس: شفاء مُقعد في اللُّدّ، وإقامة تلميذة من الموت تُدعى طابيثة، وقال إن الكنيسة تنمو في زمن الرخاء، ولكن هناك أوقات صعبة وأوقات اضطهاد، وأزمات تضع المؤمنين في صعوبات. كما يقول لنا إنجيل اليوم من القديس يوحنا الذي يقدم لنا يسوع بعد عظته حول الخبز الحي النازل من السماء وجسد ودم المسيح اللذان يعطيان الحياة الأبدية إذ تركه العديد من تلاميذه قائلين: "هذا كَلامٌ عَسير، مَن يُطيقُ سَماعَه؟". لقد كان يسوع يعلم أنّ التلاميذ يتذمّرون وبالتالي ذكّرهم في هذه الأزمة أنّه ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يُقبِلَ إِليه إِلاَّ بِهبَةٍ مِنَ الآب. زمن الأزمة هو زمن اختيار يضعنا أمام خيارات ينبغي علينا اتخاذها؛ وهذا الوباء هو أيضًا زمن اختبار. فقالَ يسوعُ لِلاثْنَيْ عَشَر: "أَفلا تُريدونَ أَن تَذهبَوا أَنتُم أَيضًا؟" فأَجابَهُ سِمْعانُ بُطُرس: "يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟ ونَحنُ آمَنَّا وعَرَفنا أَنَّكَ قُدُّوسُ الله". لقد اعترف بطرس بأنَّ يسوع هو ابن الله؛ هو لم يفهم ما قاله يسوع حول جسده ودمه ولكنّه وثق به. وهذا الأمر يساعدنا على عيش أزمنة الأزمة؛ علينا عند الأزمات أن نكون راسخين في قناعة الإيمان وأن نثابر لأن زمن الأزمة ليس زمن تغيير بل هو زمن الأمانة والارتداد؛ وعلينا نحن المسيحيين أن نتعلّم كيف نتعامل مع أزمنة السلام وأزمنة الأزمة.
تابع الحبر الأعظم يقول هكذا تبدأ القراءة الأولى: "في تلك الأيّام: كانَتِ الكَنيسَةُ تَنعَمُ بِالسَّلام في جَميعِ اليَهودِيَّةِ والجَليلِ والسَّامِرَة. وكَانَت تَنشأُ وتَسيرُ على مَخافةِ الرَّبّ، وَتنْمو بِتَأيدِ الرُّوحِ القُدُس". إنّه زمن سلام والكنيسة تنمو، تسير بسكينة وتتقوى بمخافة الرب وبتعزية الروح القدس، من ثمَّ شفى بطرس أَيْنِياس وأقام طابيثة من الموت... إنها أمور تتمُّ في السلام. ولكن هناك أزمنة أيضًا يغيب فيها السلام في الكنيسة الأولى: أزمنة الاضطهاد الأزمنة الصعبة التي تسبب أزمة للمؤمنين. والإنجيل اليوم من القديس يوحنا يخبرنا عن زمن أزمة. يختتم إنجيل اليوم سلسلة الأحداث التي تتابعت بعد معجزة تكثير الخبز والسمك عندما أرادوا أن يقيموا يسوع ملكًا عليهم لكنه تركهم وانفرد للصلاة، أما هم فبحثوا عنه ولما وجدوه وبذخهم يسوع قائلاً: "أَنتُم تَطلُبونَني، لا لِأَنَّكم رَأَيتُمُ الآيات: بلِ لِأَنَّكم أَكَلتُمُ الخُبزَ وشَبِعتُم"، وتنتهي القصّة بسؤالهم له: "يا رَبّ، أَعطِنا هذا الخُبزَ دائِمًا أبدًا"، فقالَ لَهُم يسوع: "أَنا خُبزُ الحَياة. مَن يُقبِلْ إِليَّ فَلَن يَجوع ومَن يُؤمِنْ بي فلَن يَعطَشَ أبَدًا".
أضاف البابا فرنسيس يقول في ذَلِكَ الزَّمان، قالَ كَثيرٌ مِن تَلاميذِ يسوع: "هذا كَلامٌ عَسير، مَن يُطيقُ سَماعَه؟". لقد كان كلامه عسير بالنسبة لهم، كان هذا الرجل بالنسبة لهم قد تخطّى حدوده. وهذا زمن أزمة. هناك أزمنة سلام وأزمنة أزمة. ويسوع كان يعلم أن التلاميذ يتذمّرون عليه: وهنا ينبغي أن نميّز بين التلاميذ وبين الرسل. كان التلاميذ اثنين وسبعين شخصًا أما الرسل فكانوا اثني عشر. ويسوع في الواقع كان يعرف منذ البدء من هم الذين لا يؤمنون ومن كان سيسلمه ويخونه. ولذلك وإزاء هذه الأزمة ذكّرهم قائلاً: "ولِذَلِكَ قُلتُ لكم: ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يُقبِلَ إِليَّ إِلاَّ بِهبَةٍ مِنَ الآب". يذكّرهم بأن الآب هو الذي جذبهم: والآب يجذبنا نحن أيضًا إلى يسوع. فارتدَّ عِندَئِذٍ كثيرٌ مِن تَلاميِذه وانقَطعوا عنِ السَّيرِ معَه، كمن يقول: "ربما هذا الرجل هو خطير بعض الشيء... إنّه رجل صالح يعظ ويشفي ولكن عندما يبدأ بالحديث عن هذه الأمور... من الأفضل لنا أن نذهب"، وهذا ما فعله أيضًا تلميذا عماوس في صباح أحد القيامة: "إَنَّ نِسوَةً مِنَّا قد حَيَّرنَنا، فإِنَّهُنَّ بَكَرنَ إِلى القَبْرِ، فلَم يَجِدنَ جُثمانَه. فرَجَعنَ وقُلنَ إِنَّهُنَّ أَبْصَرْنَ في رُؤيةٍ مَلائكةً قالوا إِنَّه حَيّ... إنّه أمر غريب ومن الأفضل أن نرحل من هنا قبل أن يأتي الجنود ويصلبوننا نحن أيضًا"، وهذا ما فعله أيضًا الجنود الذين كانوا يحرسون القبر، رأوا الحقيقة ولكنّهم فضّلوا أن يبيعوا سرّهم كمن يقول "من الأفضل لنا ألا ندخل في هذه الأمور الغريبة والخطيرة".
تابع الأب الأقدس يقول زمن الأزمة هو زمن اختيار، إنه زمن يضعنا أمام قرارات ينبغي علينا اتخاذها: جميعنا في حياتنا قد عشنا وسنعيش أزمنة أزمات: أزمة عائليّة، أزمة زوجيّة، أزمة اجتماعيّة، أزمة في العمل... حتى هذا الوباء هو زمن أزمة اجتماعيّة. فكيف علينا أن نتصرّف في زمن الأزمة؟ فارتدَّ عِندَئِذٍ كثيرٌ مِن تَلاميِذه وانقَطعوا عنِ السَّيرِ معَه. فأخذ يسوع قرار أن يسأل الرسل فقال لهم: "فلا تُريدونَ أَن تَذهبَوا أَنتُم أَيضًا؟"، فأَجابَهُ سِمْعانُ بُطُرس: "يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟ ونَحنُ آمَنَّا وعَرَفنا أَنَّكَ قُدُّوسُ الله". لقد اعترف بطرس باسم الاثني عشر أنَّ يسوع هو قدوس الله وابن الله. لقد كان اعتراف بطرس الأول: "انت المسيح ابن الله الحي"، وبعدها على الفور عندما شرع يسوع يفسّر للرسل عن آلامه وموته، لم يقبل بطرس حديثه فوبّخه يسوع. ولكن هنا نجد أن بطرس قد نضج قليلاً، لم يفهم ولكنّه وثق بالمعلّم وقام باعتراف ثان: " إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟".
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول إن هذا الأمر يساعدنا جميعًا لكي نعيش أزمنة الأزمة. هناك قول في الأرجنتين يقول: "إن كنت تمتطي صهوة حصان وعليك أن تعبر النهر فلا تغيّر الحصان وأنت في وسط النهر"؛ وبالتالي علينا في أزمنة الأزمات أن نترسّخ في قناعة الإيمان. هؤلاء التلاميذ ارتدّوا عن يسوع وبحثوا عن معلّم آخر. في زمن الأزمة علينا أن نثبت ونثابر بصمت، لأنّه ليس زمن القيام بتغييرات، بل هو زمن الأمانة لله، إنه زمن الارتداد لأن هذه الأمانة ستلهمنا بعض الأشياء للتغيير في سبيل الخير وليس لكي تبعدنا عن الخير. وبالتالي علينا أن نتعلّم ديف ندبّر أزمنة السلام وأزمنة الأزمات. يقول أحد الآباء الروحيين أن زمن الأزمة هو زمن العبور في النار لكي نصبح أقوى. ليرسل لنا الرب الروح القدس لكي نتعلّم كيف نقاوم التجارب في أزمنة الأزمات وكيف نكون أمناء للكلمات الأولى التي سمعناها بالرجاء بأن نعود إلى العيش بسلام بعد ذلك. لنفكّر في أزماتنا: أزمات العائلة، أزمات الحي، أزمات العمل والأزمات الاجتماعية في البلاد وفي العالم... إنه كثيرة جدًّا... ليمنحنا الرب القوّة لكي لا نتخلّى عن إيماننا عند الأزمات والصعوبات.