بحث

البطريرك الماروني: ألّفوا حكومة للشعب من دون لفّ ودوران البطريرك الماروني: ألّفوا حكومة للشعب من دون لفّ ودوران 

البطريرك الماروني: ألّفوا حكومة للشعب من دون لفّ ودوران

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي وألقى عظة بعنوان "طوبى لمن لم يروني وآمنوا" (يو 20، 29) واستهلها قائلا "صَعُب على توما، أحد الرسل الأثني عشر، أن يصدّق خبر قيامة الربّ يسوع من الموت لشدّة الصدمة، وقال لرفاقه الرسل: "ما لم أرَ أثر المسامير في يديه، وأضع يدي في موضعها، وأضع يدي في جنبه، لن أؤمن" (يو 20: 25). ففي الأحد التالي لأحد قيامته ظهر يسوع للرسل وتوما معهم. ودعا توما ليفعل كما قال. أمّا توما إذ رأى بشريّة يسوع المتوهّجة بالقيامة رأى من ورائها ألوهيّة يسوع، وهتف بصرخة الإيمان: "ربّي وإلهي" (يو 20: 28). فقال له يسوع: "لأنّك رأيتني آمنت؟ طوبى لمن لم يروني وآمنوا" (يو 20: 29)".

في عظته مترئسا القداس الإلهي الأحد الحادي عشر من نيسان أبريل، أشار البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى احتفال الكنيسة في هذا الأحد "بعيد الرحمة الإلهيّة الذي أوحاه الربّ يسوع للراهبة فوستينا البولندية"، وقال غبطته "نلتمس رحمة الله علينا، وعلى جميع الناس، لنجعلها ثقافتنا في حياتنا الاجتماعيّة عملًا بدعوة الربّ يسوع: "طوبى للرحماء، فإنّهم يُرحمون" (متى 5: 7). ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، تابع غبطته قائلا "لأنّك رأيتني يا توما آمنت؟ طوبى للذين لم يروني وآمنوا" (يو 20: 29) لم يكن كلام الربّ يسوع عتابًا لتوما، بل مناسبة ليعلن لنا أنّنا لا نعرفه بعد الآن بالحواس الخارجيّة بل بالإيمان. ولذلك أعطى الطوبى للذين يؤمنون من دون أن يروا. وهي تطويبة تُزاد على إنجيل التطويبات بل هي الأخيرة. وتلتقي مع تطويبة إليصابات لمريم بقولها: "طوبى لتلك التي آمنت". وأراد الربّ يسوع بكلامه القول أنّ الإيمان، مذ الآن، لا يولد من الرؤية بل من سماع الإنجيل وكلام الله. ومن ناحية ثانية، أراد، بدعوة توما إلى لمس جراحه، أن يدعونا لنلمس جراحات إخوتنا وإخواننا الذين فيهم تتواصل آلام المسيح الحسيّة لفداء العالم، ولنبلسمها ببلسم المحبّة والمساعدة والتضامن. قيامة يسوع من الموت هي أساس الإيمان المسيحي بأنّ كلّ ما عمله الربّ وعلّمه هو حقّ. فكان الإيمان بالإنجيل، كلمة الحياة والخلاص للعالم. وقد حملها الرسل وخلفاؤهم الأساقفة ومعاونوهم الكهنة إلى أقاصي الأرض".

قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته  "مرّ عيد الفصح ولم يشكّل المسؤولون المعنيّون دستوريًّا الحكومة الجديدة الإنقاذيّة كهديّة للشعب اللبنانيّ في العيد. لكنّهم خيّبوا آمال اللبنانيّين مرّةً ثانية، بعد الوعد الأوّل بتقدمة هذه الحكومة عيديّة لعيد الميلاد. لكنّهم آثروا قهر اللبنانيّين مستعملين سلطتهم، وهي من الشعب، والعمل السياسيّ لهذه الغاية، للهدم لا للبناء. لقد بيّنوا للجميع داخليًّا وخارجيًّا إنّهم لا يريدون تشكيل حكومة لغايات خاصّة في نفوسهم وبكلّ واحد منهم. فالتقوا في مصلحة مشتركة هي التعطيل، وتركيع الشعب من دون سبب، بتجويعه وإذلاله وإفقاره وانتزاع الأمل من قلبه. لكنّ الشعب اللبنانيّ أقوى منهم بولائه للبنان، وبأخلاقيّته ومناقبيّته، هو أقوى منهم بصموده المحرَّر من أي ارتباط خارجيّ. ويقول لهم بلساننا أن أولويّة الأولويّات الآن تبقى تشكيل حكومة لأنَّ قيام حكومة كاملة الصلاحيّات هو مفتاح الحل لباقي القضايا الأساسيّة أكانت إصلاحيّة أم سياسيّة، أمنيّة أم اقتصاديّة، اجتماعيّة أم معيشيّة. من دون حكومة، كلُّ كلام يبقى باطلاً، وتتعمَّق الانقسامات، وتتعمّم الاتّهامات، وتُضرب هيبة المؤسّسات الضامنة كيان لبنان. وحدها الإيجابيّة تخلّص لبنان، وحده النبل يعيد الاعتبار إلى الحياة السياسيّة، وحده التجرّد من المصالح يعيد الاحترام إلى الذات. وحده التفكير بخير الرعيّة يعزّز شرعيّة الدولة. وحده التركيز على الإنسان لا على الأشخاص يصالح المسؤول مع ذاته وشعبه. فالصلاحيّات والقدرات والقوانين أُنيطَت بالسلطة لكي تكون أفعالًا إيجابيّة تستعمل في الطريق المستقيم وفي الأهداف السامية وفي الخيارات الصحيحة".

وأضاف غبطته يقول "الفعل الإيجابيّ أن ألّفوا حكومة للشعب من دون لفّ ودوران. ألّفوا حكومة واخْجَلوا من المجتمعين العربيّ والدوليّ ومن الزوّار العرب والأجانب. ألِّفوا حكومة وأريحوا ضمائركم. إن جدَّية طرح التدقيق الجنائيّ هي بشموليّته المتوازية لا بانتقائيّته المقصودة. وأصلًا، لا تدقيق جنائيًّا قبل تأليف حكومة. حريّ بجميع المعنيّين بموضوع الحكومة أن يَكُفّوا عن هذا التعطيل من خلال اختلاق أعراف ميثاقيّة واجتهادات دستوريّة وصلاحيّات مجازيّة وشروط عبثيّة، وكلُّ ذلك لتغطية العقدة الأمّ وهي أن البعض قدّم لبنان رهينة في الصراع الإقليميّ/الدوليّ. لا نريد العودة إلى أزمنة لبنان الرهينة والوطن البديل، فيما نحن على مسافة يومين من الذكرى السادسة والأربعين لاندلاع الحرب على لبنان في 13 نيسان 1975. كان يومًا مشؤومًا وكانت المقاومة اللبنانيّة. ولكنَّ ما نخشاه هو أن يكون القصد من تعطيل تشكيل الحكومة هو الحؤول دون أن تأتي المساعدات لإنقاذ الشعب من الانهيار المالي. فالبعض يريد أن يزداد الوضع سوءًا لكي يفتقر الشعب أكثر ويجوع، فييأس أو يهاجر أو يخضع أو يقبل بأيّ تسوية، وتتمُّ السيطرة عليه وعلى الدولة. أَوْقِفوا إذلال الناس، أَوقفوا المسَّ بأموال المودِعين من خلال السحب من الاحتياط. أَوْقِفوا الهدر تحت ستار الدعم. ثقوا أيها المسؤولون، أنّ شعبنا لن يخضع، وان أجيالنا لن تيأس. لن يُرهِب التهويل شباب الثورة الحضاريّة وشبّاتها. قدرنا أن نناضل ونكافح لاستعادة لبنان من مصادريه وخاطفيه. وها أنَّ الالتفاف الداخليّ والخارجيّ حول مشروع حياد لبنان يتزايد، ويشكل مصدر أملٍ بالمستقبل وبصحّة الخيارات التي نتخدها في سبيل لبنان. وها أنَّ فكرة عقد مؤتمر دوليّ خاصٍّ بلبنان تشق أيضًا طريقها في المحافل الدوليّة تفهُّمًا ودراسةً وعناية".

وختم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا "نحن نتكلم بالحقّ وبالسيادة وبمصلحة جميع اللبنانيّين دون استثناء، نحن نتكلّم باسم حريّة الإنسان. نحن هنا لننقذ لبنان لا لندخل في متاهات وسجالات. نحن هنا لنوحّد اللبنانيين جميعًا حول لبنان بالمحبة والحوار والولاء. نحن هنا لنعيد الثقة بين كلّ مكوّنات لبنان وبين لبنان والعالم. ونعرف أنّنا بذلك نتمّ إرادة الله الواحد والثّالوث: الآب والإبن والرّوح القدس، آمين".

12 أبريل 2021, 12:29