بحث

البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مترئسا قداس الأحد 21 آذار مارس 2021 - بكركي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مترئسا قداس الأحد 21 آذار مارس 2021 - بكركي  

البطريرك الماروني: نسأل الله أن يفتح بصائرنا الداخلية، لنحسن رؤية السير البنّاء في حياتنا الشخصية والوطنية

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي صباح الأحد الحادي والعشرين من آذار مارس في كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة في أحد شفاء الأعمى بعنوان "يا معلّم أن أبصر" (مر 10: 51).

في عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "عندما سأل يسوع أعمى أريحا: "ماذا تريد أن أصنع لك"، أجاب بإيمان ومن دون أي تردّد: "يا معلّم، أن أبصر" (مر 10: 51). فقال له يسوع: "أبصر، إيمانك خلّصك". فأبصر ومشى معه، وهو الطريق المؤدّي إلى الحقيقة والحياة. وهكذا أثبت يسوع أنّه نور العالم (را يو8: 12)، وأنّ من يتبعه لا يتعثّر في الظلام. يسوع هو نور العقول والقلوب والضمائر، نورٌ يمنحنا البصيرة الداخليّة التي جعلت أعمى العينين بصيرًا حقًّا، فأدرك أنّ "يسوع الناصريّ" الذي يمرّ هو بالحقيقة "المسيح إبن داود، حاملُ رحمة الله إلى البشر". ولهذا راح يسترحمه بأعلى صوته: "يا يسوع، إبن داود، إرحمني" (مر 10: 46). فلنلتمس نحن أيضًا من المسيح الربّ هذه البصيرة الداخليّة التي تميّز بها أعمى أريحا، فاستحقّ الشفاء من عمى عينيه المنطفئتين". وأضاف غبطته "يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهيّة التي نحيي فيها الذكرى السبعين لتأسيس رابطة الأخويّات"، و"يسعدنا أيضًا أن نحتفل في بداية اليوم الأوّل من فصل الربيع، بعيد الأمّهات. فنهئهنّ بالعيد، ونتمنّى لهنّ السعادة والعمر الطويل وتقديس الذات من خلال ممارستهنّ واجبات الأمومة".

ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، أشار البطريرك الراعي إلى أن "أعمى أريحا الجالس على قارعة الطريق يرمز إلى الذين لا يَعنون شيئًا للمجتمع المترف بالماديّة والإستهلاكيّة والأنانيّة. فيُهمَّشون ويُهمَلون ويُقصَون عن الحياة العامّة، أمثال الفقراء والمعوّقين والمضطهدين، بل وأيضًا أمثال المتحرّرين من التبعيّة والإستقواء والإستعباد. لكنّي أودّ أن أحيّي وأشكر كلّ الذين يعتنون بهؤلاء الإخوة والأخوات، ويسخون من مالهم ومقتناهم ووقتهم في سبيل خدمتهم. وأخصّ بالشكر أيضًا الأبرشيّات والرهبانيّات والمؤسّسات الكنسيّة والخيريّة التي تضمّد الجراح وتؤمّن المساعدات. ولا ننسى الدول التي ما زالت ترسل لشعبنا وللمؤسّسات المساعدات بروح التضامن الإنسانيّ. فلهم جميعًا جزيل شكرنا".

وأضاف "ومع ذلك فيما يتفاقم عدد الفقراء في لبنان، المحرومين لقمة العيش، وقد فاقوا المليون، بالإضافة إلى مئات الآلاف الذين هم تحت خطّ الفقر، والشعب المهدّد بالمجاعة، أجدّد الدعوة إلى التضامن الإنسانيّ من قبل الدول العربيّة والغربيّة الصديقة، كي يساعدوا ماديًّا وإنسانيًّا الشعب اللبنانيّ الذي هو ضحيّة الطبقة السياسيّة الحاكمة. ليس الشعب اللبنانيّ خصمكم، بل صديقكم. لقد قدّم لبنان الكثير للعرب وللعالم، فلا يجوز أنْ تُجافوه وتُقاطعوه وتُقاصّوه وتربطوا مساعدَة الشعب ــــ وأقول الشعبَ تحديدًا ــــ بمصير الحكومة أو الرئاسة أو السلاح غير الشرعي أو أيّ قضيّة أخرى. أُفْصلوا السياسةَ عن الإنسانيّة. إنَّ الانكفاء السياسيّ لا يُبرِّرُ الإحجام عن تقديم المساعدات الضرورية للناس مباشرة. ماذا يستفيدُ أصدقاءُ لبنان، كلُّ أصدقاءِ لبنان، وماذا يَستفيدُ العرب، كلُّ العرب، وبخاصة عربُ الاعتدال والانفتاح، وعربُ حوارِ الأديان والحضارات من سقوط لبنان؟"

قال غبطته "كم نحن بحاجة إلى أن نتوسّل إلى المسيح كلّ يوم، مثل إلحاح الأعمى، وأن نستجدي نعمته: "يا معلّم، أن أبصر" (10: 51)، النعمة التي تضع الحرارة في قلبنا البارد، وتنعش حياتنا الفاترة والسطحيّة (راجع البابا فرنسيس: فرح الإنجيل، 264)، وتخرجنا من المواقف المتحجّرة، والأفكار المسبقة والأحكام الباطلة، وحالات العداوة والنزاع والإنقسام".

في عظته مترئسا قداس الأحد قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "كم نتمنّى لو أنّ المسؤولين السياسيّين عندنا، المؤتمنين على مصير وطننا وشعبنا وإرثنا الوطني النفيس، يلتمسون من الله نور البصيرة الداخليّة، لينظروا إلى أيّة حالة من البؤس أوصلوا شعبنا بفسادهم ومصالحهم الشخصيّة وتقاسمهم المال العام، وتعطيلهم عمل القضاء وأجهزة الرقابة وتسييسها، وارتباطاتهم الخارجيّة، وإلى أيّ إنهيار وتفكّك أوصلوا الدولة بسوء إدائهم!"، وأضاف "فحرصًا منّا على ولوج الحلّ الحقيقي، نشجّع جميع المبادرات والمساعي الجارية على خطّ تأليف الحكومة، ونأملُ أن يُسفِر اللقاء غدًا الإثنين بين رئيس الجمهوريّة والرئيس المكَلَّف عن نتيجة إيجابيّة، فيولِّفا بعد طول إنتظار، وشموليّة إنهيار، حكومةَ إنقاذٍ تضمّ اختصاصيّين مستقلّين ووطنيّين، حكومة مواجَهةِ الوضع المالي والنقدي والمعيشي، تجري الإصلاحات، وتعزّز الإقتصاد الليبرالي الحرّ والإنتاجيّ، وتصحّح الثغرات في صلاحيّات الوزراء فلا يتقاعسون عن تنفيذ القانون، ولا يمتنعون عن تطبيق قرارات مجلس الوزراء، ومجلس شورى الدولة، حمايةً لمصالح الدولة والمواطنين. إنّنا ننتظرها حكومة مبادئ وطنيّة لا مساومات سياسيّة وترضيات على حساب الفعالية. ونأمل من الرئيسين أيضًا أنْ يُخيّبا أمل المراهنين على فَشلهما، فيَقلِبا الطاولة على جميع المعرقِلين، ويُقيمَا حائطًا فاصلًا بين مصلحة لبنان وبين مصالح الجماعة السياسيّة ومصالح الدول، كفى إقتراحات جديدة وشروط تعجيزيّة غايتها العرقلة والمماطلة!".

وأشار غبطته إلى أن "تأليف حكومة للبنان فقط، وللبنانيّين فقط، لا يستغرق أكثر من أربع وعشرين ساعة. لكن إذا كان البعض يُريد تحميل الحكومة العتيدة صراعات الـمنطقة ولعبة الأمم والسباق إلى رئاسة الجمهورية وتغيير النظام والسيطرة على السلطة والبلاد، فإنّها ستزيد الشَرْخ بين الشعب والسلطة، وستؤدّي إلى الفوضى، والفوضى لا تَرحَمُ أحدًا بَدءًا بـمُفتَعلِيها"، وأضاف "ولأنّنا نتمسّك بالسلام الوطنيّ وبوحدة لبنان تحديدًا، نطرح الحياد بثقة وإيمان، وسنواصل العمل لتحقيقه بإرادة داخليّة وبدعم عربيّ ودوليٍّ يتجسد في عقد مؤتمر دوليّ خاصّ بلبنان. معظم اللبنانيّين يريدون الحياد بمفهومه الصحيح، لأنّه لصالح الجميع، ولأنّه يجمعنا، فيما الانحياز يُفرِّقنُا. والحياد هو الحلّ الوحيد لمنع جميع أشكال التقسيم والانفصال والحكم الذاتي، ولتحقيق سيادة الدولة داخليًّا وخارجيًّا. أمّا المؤتمر الدوليّ الخاص بلبنان فالغاية منه شفاء لبنان من معاناته الناتجة عن نقصٍ وتحويرٍ في تطبيق وثيقة الوفاق الوطنيّ، والدستور، وميثاق العيش المشترك، أساس شرعيّة السلطة في لبنان (مقدّمة الدستور "ي").

وختم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظته مترئسا قداس الأحد بالقول "نسأل الله أن يفتح بصائرنا الداخليّة، لنحسن رؤية السير البنّاء في حياتنا الشخصيّة والوطنيّة، رافعين نشيد المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."

21 مارس 2021, 13:22