بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي: الصوم مسيرة فرح بالتوبة والالتزام
قال البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان "نحن مدعوّون لنعيش فعلياً كأبناء لله وكأحبّائه. والصوم هو فترة فرحٍ حيث نكتشف بنوّتنا لله التي حصلنا عليها بيسوع المسيح. فالهدف الحقيقي من فترة الصوم هذه، قبل كلّ شيء، هو إعداد الناس للاحتفال بموت المسيح وقيامته. هذا الزمن هو الوقت المناسب لتهذيب الروح وإزالة رواسب الخطيئة من حياتنا، فالصوم هو أفضل وسيلة للاعتراف بسموّ الله، كما أنّه، مع الصلاة والصدقة، إحدى الوسائل التي تبيّن أمام الله تواضع الإنسان ورجاءه وحبّه. ونحقّق ذلك من خلال خلق الرغبة والعزم على فعل مشيئة الله وجعل ملكوته يأتي في المقام الأول في قلوبنا. فالصلاة ليست مجرّد ترداد بعض الكلمات والعبارات، والصوم ليس فقط الامتناع عن الأكل، والصدقة ليست مجرّد عطاء مادّي للآخر، بل الأساس هو أن نفرّغ ذواتنا من كلّ ما يحجبنا عن الله والقريب والذات، منتظرين مجيء العريس القائم من بين الأموات. لذلك ارتبط الصوم بالقيامة في الكنيسة، فالصوم هو مسيرة تحرّر وموت عن الذات، لكي نستطيع عيش القيامة".
ونقلا عن الموقع الإلكتروني لبطريركية السريان الكاثوليك، أشار البطريرك يونان إلى أن "الصوم مسيرة فرح بالتوبة والالتزام" وقال "إنّ نداء يسوع في بدء رسالته العلنيّة "لقد اقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر 1: 15) يلخّص مبدأ زمن الصوم الذي هو مسيرة ارتداد وجهاد ضدّ الشر. إنّه زمن توبة أي رجوع للآب، ولكنّه ليس زمن حزن! إنّه التزام فَرِح وصادق لكي نتخلّى عن أنانيَّتنا، وعن الإنسان القديم، ونتجدّد بحسب نعمة معموديتنا. فوحده الله بإمكانه أن يعطينا السعادة الحقيقية، وملكوت الله ما هو إلا تحقيق طموحاتنا، وفي الوقت عينه خلاص الإنسان ومجد الله. من هنا، نحن مدعوّون لنصغي إلى نداء يسوع هذا بأن نتوب ونؤمن بالإنجيل. نحن مدعوّون لنبدأ بالتزام المسيرة نحو الفصح، لنَقبل أكثر فأكثر نعمة الله الذي يريد أن يحوّل العالم إلى ملكوت عدالة وسلام وأخوَّة. وهذا ما نراه عند الأبرص الذي يتحدّث عنه مرقس البشير في بداية إنجيله (راجع مر1: 40-45). لقد حمله إيمانه وثقته بالله على تخطّي شريعة عزله عن الجماعة، ماثلاً أمام يسوع، وملتمساً بكلّ تواضع وثقة: "إنْ شِئْتَ، فأنتَ قادرٌ أن تطهّرني. فتحنَّنَ يسوع عليه ومدَّ يده، فلمَسَه وقال له: أريدُ فاطهُرْ. وفي الحال زال عنه البرص" (مر1: 40-42). من هنا، فإنَّ زمن الصوم هو زمن لقاء المؤمن برحمة الله".
في رسالته بمناسبة زمن الصوم الكبير لعام 2021 بعنوان "أريدُ فاطْهُرْ" (مر 1: 41)، قال بطريرك السريان الكاثوليك إن "الصوم مانح المصالحة والخلاص"، وأضاف "تدلّ آية شفاء الأبرص على أنَّ الصوم الكبير مسيرة تغيير مثلَّث في العلاقة: مع الذات واالله والناس. فالأبرص طُهِّر من برصه مسترجعاً جمالَ طبيعته البشرية، وتَصالح مع الله مقدّماً قربانَ التكفير، وعاد إلى حياة الشركة مع الجماعة. الصوم هو زمن الخلاص الشامل، نبلغ إليه بالعبور الفصحي من قديم إلى جديد، بدفق محبَّة الآب، وفعل نعمة الإبن، وحلول الروح القدس، كما جرى للأبرص".
وفي إشارة إلى تحديات الوباء في عالمنا اليوم، قال غبطته "في هذه الأيّام العصيبة، يجتاح وباء فيروس كورونا العالمَ بأسره، مخلّفاً القلق والذعر، وفارضاً التباعد الاجتماعي، لا بل العزلة والوحدة في أحيان كثيرة خوفاً من انتقال العدوى، فضلاً عن الأضرار الجسيمة في الأنظمة الاقتصادية والمعيشية وحياة المجتمعات والشعوب. ما أشبه حالة المصابين بهذا الوباء بذاك الأبرص الذي شفاه يسوع بمشيئته القدّوسة وقدرته على منح الشفاء، فعاد سليماً معافىً، بعد أن كان معزولاً ومهمّشاً يجابه بمفرده الوحدة القاتلة. ومع تشديدنا على ضرورة الالتزام بكلّ التدابير الوقائية لتفادي الإصابة بهذا الوباء والحدّ من انتشاره وفَتْكه بالبشر، إلا أنّ لنا ملء الثقة والإيمان بالربّ يسوع ولمسته الشافية، فهو وحده القادر أن يشفي كلّ مصاب، لا بل أن يبيد هذا الوباء ويزيله. إنّنا نصلّي ضارعين إلى الرب يسوع، الطبيب السماوي، الذي لمس الأبرصَ فشفاه، أن يلمس المصابين بهذا الوباء فيشفيهم، ويرحم أولئك الذين غادروا عالمنا من جرائه، ويُلهِم الأطبّاءَ وأصحاب الاختصاص إلى إيجاد العلاج المناسب. ونسأله تعالى، بشفاعة أمّه وأمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة، أن يحمي العاملين في القطاع الطبّي، والذين يبذلون ذواتهم في سبيل تأمين الخدمة الملائمة لهؤلاء المرضى، معرّضين حياتَهم وحياةَ ذويهم للخطر".
ختاماً، قال بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان في رسالته بمناسبة زمن الصوم الكبير لعام 2021 "نسأل الله أن يتقبّل صومكم وصلاتكم وصدقتكم، ويؤهّلنا جميعاً لنحتفل بفرح قيامته من بين الأموات. ونمنحكم، أيّها الإخوة والأبناء والبنات الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً بركة الثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم."