البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في مؤتمر "الأديان وأهداف التنمية المستدامة" 8 آذار مارس 2019 البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في مؤتمر "الأديان وأهداف التنمية المستدامة" 8 آذار مارس 2019 

البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في مؤتمر "الأديان وأهداف التنمية المستدامة"

مفهوم التنمية البشرية وضرورة الإصغاء إلى صرخة الأرض وصرخة الفقراء، مساهمة السكان الأصليين وأهمية دور الأديان وتراثها وقيمها، كان هذا محور الكلمة التي وجهها ظهر اليوم قداسة البابا فرنسيس إلى المشاركين في مؤتمر بعنوان "الأديان وأهداف التنمية المستدامة" يشترك في تنظيمه دائرة خدمة التنمية البشرية المتكاملة والمجلس الحبري للحوار بين الأديان.

استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الجمعة في القصر الرسولي المشاركين في مؤتمر "الأديان وأهداف التنمية المستدامة" والذي يشترك في تنظيمه دائرة خدمة التنمية البشرية المتكاملة والمجلس الحبري للحوار بين الأديان، وقد بدأ أعماله أمس الخميس 7 آذار مارس ويستمر حتى الغد. وبدأ الأب الأقدس كلمته إلى ضيوفه مشددا على أننا، وحين نتحدث عن التنمية المستدامة، لا يمكننا أن نتجاهل أهمية الدمج والإصغاء إلى أصوات الجميع، وخاصة أصوات المهمَّشين عن هذا النقاش مثل الفقراء والمهاجرين، السكان الأصليين والشباب. كما وأكد أهمية أن يتبع تحقيق أهداف التنمية المستدامة طبيعتها الأصلية، أي كونها مدمِجة ومشركِة. ثم تحدث البابا فرنسيس عن أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 واصفا الاتفاق عليها بخطوة كبيرة إلى الأمام في الحوار العالمي من أجل تضامن عالمي جديد. وذكّر قداسته بأن تقاليد دينية عديدة، من بينها الكاثوليكية، قد رحبت بهذه الأهداف لكونها ثمرة مسيرات مشارَكة عالمية تعكس قيمة الأشخاص، كما أنها تقوم على رؤية متكاملة للتنمية.

توقف قداسة البابا بعد ذلك عند مفهوم التنمية، فذكّر بأن فكرة التنمية كانت لفترة طويلة مقصورة على النمو الاقتصادي وحده، ما أدى إلى قياس التقدم بمعايير النمو المادي فقط، ما يجعلنا نمارس استغلالا غير عقلاني للطبيعة والكائنات البشرية. إلا أن الحديث عن التنمية البشرية يعني تنمية الأشخاص جميعا لا قليلين فقط، والشخص البشري بكامله لا البعد المادي فقط، حسب ما تابع البابا فرنسيس مذكرا بما أوضح البابا القديس بولس السادس في الرسالة العامة "تَرَقي الشعوب"، ومن الأهمية بالتالي أن يطرح النقاش حول التنمية نماذج دمج اجتماعي وارتداد إيكولوجي قابلة للتطبيق، حيث لا يمكننا أن ننمو كبشر مغذين اللامساواة والتردي البيئي. وتحدث البابا هنا عن أهمية أن نلتزم جميعا بتشجيع وتطبيق أهداف التنمية التي تدعمها أكثر قيمنا الدينية والأخلاقية عمقا، وذلك لأن التنمية البشرية ليست فقط مسألة اقتصادية بل هي في المقام الأول دعوة، نداء يتطلب جوابا حرا ومسؤولا حسب ما ذكر البابا الفخري بندكتس السادس عشر في الرسالة العامة "المحبة في الحقيقة".

هذا وأعرب قداسة البابا فرنسيس عن الرجاء في أن يسفر المؤتمر الذي استقبل اليوم المشاركين فيه عن إجابات ملموسة على صرخة الأرض وصرخة الفقراء، وعن اقتراحات محددة لتعزيز تنمية مستدامة ولتسهيل تنمية مَن هم في عوز، وأشار قداسته مجددا إلى حديث البابا الفخري في الرسالة المذكورة عن إعادة توزيع الثروة على الصعيد العالمي.

تابع قداسة البابا فرنسيس مرحبا باستعداد المشاركين في المؤتمر للاستماع إلى ممثلي التقاليد الدينية المختلفة، والذين عليهم من جانبهم الاستفادة من غنى تراثهم من أجل حوار حقيقي يقوم على الاحترام حول كيفية بناء مستقبل كوكبنا. وذكّر قداسته بالتراث الديني الذي يؤكد الترابط والتداخل بين كل الأمور، وعاد هنا إلى ما كتب في الرسالة العامة "كن مسبَّحًا": "أن العناية الأصيلة بحياتنا ذاتها وبعلاقتنا مع الطبيعة هي جزء لا يتجزأ من الأخوّة والعدالة والإخلاص تجاه الآخرين". (70). وذكّر الأب الأقدس بهذه الوثيقة مجددا للتشديد على أن الأهداف الاقتصادية والسياسية يجب أن تدعمها أهداف أخلاقية. ذكّر من جهة أخرى بحديث البابا القديس يوحنا بولس الثاني عام 2001 عن ضرورة تشجيع ودعم ارتداد إيكولوجي. وشدد البابا فرنسيس أيضا على الدور الهام للأديان من وجهة النظر هذه، مشيرا إلى أننا إذا أردنا وضع أسس قوية لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، فعلينا تفادي البحث عن إجابات تكنوقراطية على التحديات، وأن نكون مستعدين لمواجهة الأسباب العميقة والتبعات على المدى الطويل.

هذا وأراد قداسة البابا تخصيص جزء من كلمته للشعوب الأصلية والتي تساهم في حماية حوالي 80% من التنوع البيولوجي في الأرض، وقال إن السكان الأصليين يذكِّرون الجميع في عالم معلمَن بقدسية الأرض. ولهذا، تابع قداسته، يجب أن يكون صوتهم ومخاوفهم في مركز تطبيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وفي مركز البحث عن دروب جديدة من أجل مستقبل مستدام. وأشار البابا فرنسيس إلى أنه سيناقش هذا الأمر مع الأساقفة خلال السينودس الخاص بمنطقة الأمازون الذي سيُعقد في تشرين الأول أكتوبر القادم.

وفي ختام كلمته إلى المشاركين في مؤتمر "الأديان وأهداف التنمية المستدامة" والذي يشترك في تنظيمه دائرة خدمة التنمية البشرية المتكاملة والمجلس الحبري للحوار بين الأديان، وقد بدأ أعماله أمس الخميس 7 آذار مارس، ذكّر قداسة البابا فرنسيس بضرورة أن نكون على وعي واضح بأهمية تسريع وتكييف أفعالنا للرد بشكل ملائم على صرخة الأرض وصرخة الفقراء. وتحدث قداسته عن تحديات مركَّبة متعددة الأسباب تتطلب إجابات مركَّبة بدورها ومحترِمة للغنى الثقافي المختلف للشعوب، وأكد في هذا السياق مجددا على أهمية الأديان. ثم أعرب الأب الأقدس عن تثمينه لجهود ضيوفه من أجل العناية ببيتنا المشترك، مؤكدا وحسب ما ذكر في الرسالة العامة "كن مسبَّحا" أن "البشر، القادرين على الانحطاط إلى أقصى الحدود، هم أيضًا قادرون على تخطّي ذواتهم والعودة من جديد لاختيار الخير، والتجدد" (205)، مضيفا أن هذا هو التغير الذي تستدعيه الظروف الحالية، لأن الظلم الذي يُبكي الأرض والفقراء ليس أمرا لا يمكن هزيمته. 

08 مارس 2019, 14:11