البابا فرنسيس خلال زيارته غراوند زيرو البابا فرنسيس خلال زيارته غراوند زيرو  

البابوات والحادي عشر من سبتمبر: المحبة أقوى من الحقد

إزاء الإرهاب والأعمال الهمجية رفع البابوات يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر وفرنسيس أصواتهم ليذكروا البشرية بضرورة السير في درب المحبة التي تتغلب على كل شكل من أشكال الحقد والعنف.

صبيحة الثاني عشر من أيلول سبتمبر من العام 2001، غداة الاعتداءات الإرهابية في نيويورك وواشنطن، كانت ساحة القديس بطرس تعج بالمؤمنين لمناسبة مقابلة الأربعاء العامة. لكن الأجواء لم تتسم بالفرح والبهجة كما جرت العادة في تلك المناسبة. إذ ما يزال الناس يرون أمام أعينهم الصور المأساوية التي شاهدوها في اليوم السابق: انهيار البرجين التوأمين في نيويورك، تحطم الطائرة في مقر البنتاغون في واشنطن، مشاهد من الرعب والموت والدمار.

البابا يوحنا بولس الثاني شاهد أيضا هذه الواقعة من خلال شاشات التلفزة من مقره البابوي الصيفي في كاستل غندولفو. ويقول مدير دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي آنذاك الدكتور خواكين نافارو فالس إن فويتيوا شاء أن يتصل هاتفيا بالرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، ليعرب عن ألمه وقربه من الشعب الأمريكي خلال المحنة التي يجتازها، لكن التواصل مع الرئيس الأمريكي لم يكن ممكنا لأسباب أمنية. فبعث البابا يوحنا بولس الثاني ببرقية تعزية عبر فيها عن ألمه إزاء الهجمات الوحشية التي تعرضت لها الولايات المتحدة وقال إنه يصلي على نية الضحايا.

وخلال مقابلته العامة مع المؤمنين في الثاني عشر من أيلول سبتمبر وصف فويتيوا اليوم السابق باليوم المظلم في تاريخ البشرية، مؤكدا أن ما حصل شكل تعديا على كرامة الإنسان. وتساءل كيف يستطيع شخص ما أن يقوم بعمل وحشي كهذا. لكن مع ذلك ترك يوحنا بولس الثاني فسحة من الأمل إذ أكد أن المؤمن يدرك أن الكلمة الأخيرة ليست للشر والموت، مع أن قوة الظلمة تسود في بعض الأحيان. وقال هذا البابا الراحل إنه يصلي لله كي لا تطغى دوامة الحقد والعنف.

بعد أيام على تلك الواقعة المأساوية قام فويتيوا بزيارة إلى كازاخستان، البلد ذي الأغلبية المسلمة مع أنه نُصح بإلغاء الزيارة لدوافع أمنية خصوصا وأن الولايات المتحدة أعلنت عن القيام بحملة عسكرية ضد حركة طالبان في أفغانستان لرفضها تسليم أسامة بن لادن المتهم الأول في اعتداءات الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001. وكان يوحنا بولس الثاني يخشى تصعيدا لا سابق له يقود إلى صدام الحضارات، كما حذّر كثيرون آنذاك. فقام البابا بزيارة إلى هذا البلد وأطلق نداء من العاصمة أستانة، دعا فيه المسيحيين وأتباع باقي الديانات إلى التعاون المتبادل من أجل بناء عالم خال من العنف، عالم يحب الحياة وينمو في إطار العدالة والتعاضد. وقال إنه لا ينبغي أن يشكل الدين سببا للصراعات، وشجع الكاثوليك والمسلمين على الصلاة معاً إلى الله الذي خلق الجميع، كي يسود السلام في العالم كله. وللمناسبة دعا البابا فويتيوا إلى لقاء ضم ممثلين عن جميع الديانات استضافته مدينة أسيزي في كانون الثاني يناير من العام 2002 على غرار اللقاء التاريخي الذي عقد في مدينة القديس فرنسيس في العام 1986.

بعد مرور سبع سنوات تقريباً على تلك الاعتداءات الإرهابية توجه البابا بندكتس السادس عشر إلى "غراوند زيرو" في نيويورك وبالتحديد في العشرين من أبريل نيسان 2008 في إطار زيارة قادته إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يلق راتزينغر خطابا في ذلك المكان الذي بات رمزا لهذا الحادث الأليم، واكتفى بلقاء ذوي الضحايا والمسعفين. وأضاء شمعة إحياء لذكرى ضحايا الاعتداءات في نيويورك وواشنطن وتحطم الطائرة United 93. ورفع الصلاة إلى الله سائلا إياه أن يحمل سلامه إلى عالمنا المطبوع بالعنف، ويزرع السلام في قلوب جميع الرجال والنساء وبين أمم المسكونة. وسأل بندكتس السادس عشر الله أيضا أن يمنحنا العزاء والرجاء ويهبنا الحكمة والشجاعة اللازمتين كي نعمل بلا كلل من أجل بناء عالم يسوده السلام والمحبة.

بعد مضي سبع سنوات أخرى زار البابا الحالي فرنسيس النصب الذي أقيم في غراوند زيرو إحياء لذكرى ضحايا الحادي عشر من أيلول سبتمبر. حيث دُونت أسماء الضحايا الألفين والتسعمائة والأربعة والسبعين والذين ينتمون إلى تسعين جنسية مختلفة. كان ذلك في الخامس والعشرين من أيلول سبتمبر 2015 عندما ترك برغوليو وردة بيضاء في ذلك المكان وتوقف فترة للصلاة قبل أن يلتقي بعائلات الضحايا والمسعفين، كما فعل سلفه البابا الفخري بندكتس السادس عشر. وأطلق فرنسيس في تلك المناسبة نداء كي تعمل كل الديانات معاً من أجل السلام وتتصدى لسوء استخدام اسم الله من أجل تبرير العنف. ووقف إلى جانب البابا حاخام وإمام وصلى الرجال الثلاثة معا مبتهلين عطية السلام ومنددين بالإرهاب والحرب. وتلت الصلاة تأملات حول السلام قدمها ممثلون عن ديانات عدة.

11 سبتمبر 2018, 13:15