البطريرك الماروني  مار بشارة بطرس الراعي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي 

البطريرك الماروني: لبنان بحاجة لكي ينجو من حالة بؤسه إلى حكومة وطنية من اختصاصيين مستقلين عن الأحزاب

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي الأحد الخامس والعشرين من نيسان أبريل في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة بعنوان "إرموا الشبكة إلى يمين السفينة تجدوا" (يو 21: 6)، وذكّر بالاحتفال باليوم العالمي الثامن والخمسين للصلاة من أجل الدعوات وبرسالة البابا فرنسيس بعنوان "القديس يوسف: حلم الدعوة".

استهل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا "مع شروق نور الصباح تراءى يسوع للرسل، ووجّه عملهم وخطاهم كالنور الهادي، بعد ليلة من الصيد الفاشل، "ليلقوا الشبكة إلى يمين السفينة" ففعلوا وكان الصيد العجيب (راجع يو 21: 6). لا بدّ في كلّ عمل ومشروع وموقف ومبادرة من الاستنارة بنور شخص المسيح، وإنجيله، وبتعليم الكنسية التي تشرح لنا مضامين كلامه، وتهدينا إلى كلّ خير وحق وجمال. يعلّمنا هذا الصيد العجيب الّا نتسرّع في القرار والعمل، تحت تأثير الفشل أو معاكسة أو نقل كلام غير صحيح أو خبر كاذب؛ بل أن نعود إلى المسيح، رفيق دربنا، عمّانوئيل، وإلى أنوار روحه القدوس، لكي نهتدي إلى القرار الأفضل. إنّنا بذلك نتجنّب الكثير من الخلافات والنزاعات في العائلة والمجتمع، وفي الكنيسة والدولة". مشكلة عالم اليوم أنّه يستغني عن الله وكلامه ووصاياه ورسومه في الحياة اليوميّة. وهذا ما جعل الإنسان يتقدّم في العلم والتكنولوجيا ويتراجع في القيم الإنسانيّة، بما فيها من عاطفة ومشاعر وحب ورحمة وتآخي وتضامن وتعاضد".

ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، قال البطريرك الراعي في عظته "يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة فنحيّي جميع المشاركين معًا بحضورهم وأولئك المشاركين عبر وسائل الإتصال الاجتماعي"، وأضاف "ويحضر معنا رئيس هيئة التنسيق العليا للمزارعين في لبنان وبعض من أعضائها. جاؤوا ليطلقوا صرختهم الإستنكاريّة لما حصل مع المملكة العربيّة السعوديّة من جرّاء عمليّة تهريب مخدّرات داخل إحدى المنتوجات الزراعيّة، وهي ليست لبنانيّة ولا على إسم أيّ مزارع أو مصدّر لبنانيّ ولمطالبة الدولة اللبنانيّة إجراء تحقيق سريع لكشف الفاعلين والمهرّبين وإنزال أشدّ العقوبات بحقّهم، وبالتالي معالجة هذه المشكلة مع المملكة العربيّة السعوديّة الصديقة. وهي السند الاكبر للمزارع اللبنانيّ من خلال تصدير أكثر من ثمانين بالماية من الإنتاج إليها. ونحن من جهتنا إتّصلنا ظهر أمس بالدكتور وليد البخاريّ سفير المملكة الموجود حاليًّا في الرياض، وأبلغناه إستنكارنا، وطلبنا إليه نقله إلى المملكة مع التمنيّ بأن تأخذ بعين الإعتبار أوضاع لبنان والمزارعين الشرفاء. وفي المناسبة نطالب الدولة اللبنانيّة بالمحافظة على صداقاتها مع الدول العربيّة، وبخاصّة مع المملكة السعوديّة لما لها دائمًا من مواقف ومبادرات إيجابيّة لصالح لبنان واللبنانيّين، وإنضمّت إليها دول التعاون الخليجيّ التي نعبّر لها هي ايضًا عن أسفنا الشديد لما جرى. كما يؤسفنا في العمق تهريب مخدّرات عبر دولة صديقة أخرى هي اليونان، هل هكذا أصبح لبنان في أيّامنا؟"

في عظته مترئسا قداس الأحد، أشار البطريرك الراعي إلى أن "أساس حدث الصيد العجيب سماع كلمة المسيح الربّ: "أُلقوا الشبكة إلى يمين السفينة تجدوا" والعمل بموجب هذه الكلمة: "فلمّا ألقوها ما قدروا على إجتذابها من كثرة السمك" (يو 21: 6)"، وأضاف غبطته "فلو يسمع المسؤولون عندنا صوت الله في ضمائرهم، وصوته من خلال معاناة المواطنين اللبنانيّين الذين أصبح 50% منهم تحت مستوى الفقر، فيما كانت الطبقة المتوسّطة تفوق 80 % من الشعب اللبنانيّ وتشكّل ركيزة إستقراره، وصوته من خلال انهيار الدولة بمؤسّساتها واقتصادها وماليّتها ومعيشة شعبها، لكانت تألّفت الحكومة منذ تعيين رئيسها بالإتّفاق مع رئيس الجمهوريّة، وزُلّلت العقبات، وبُوشر سريعًا بالإصلاحات وترميم المرفأ وإعادة إعمار بيروت، وأُوقف الهدر، وأُقفلت معابر التهريب المستور والعلنيّ، وضُبطت مداخيل المرافئ والمطار، وأُجريت الإصلاحات الأساسيّة والملحّة. فبانتظار عودة دورة الحياة الإقتصاديّة إلى طبيعتها، من الضرورة بمكان إصدار البطاقة التموينيّة للعائلات المعوزة، تعويضًا عن إعادة النظر بسياسة الدعم".

وأضاف غبطته "لبنان بحاجة، لكي ينجو من حالة بؤسه وتفكّك مؤسّساته، إلى حكومة وطنيّة من إختصاصيّين مستقلّين عن الأحزاب، يتمتّعون بالقدرة على التعاطي في الشأن العام، وحُسن الحوكمة، ومعرفة التوفيق بين الخبرة المهنيّة والحسّ السياسيّ. حكومة يتمّ تأليفها بمنطوق الدستور وروحه، وبالمساواة الميثاقيّة، بعيدًا عن المحاصصة السياسيّة واستملاك الطوائف. ورغم إقدام البعض على ربط تشكيل الحكومة بالتطوّرات الإقليميّة والدوليّة، فهناك أكثر من مسعى عربيّ ودوليّ لدفع المسؤولين إلى الإسراع بتأليف الحكومة سريعًا. وآخر رسالة بهذا الشأن أتت من قداسة البابا فرنسيس الذي ربط زيارته إلى لبنان بوجود حكومة. فجريمة أن يُفوِّت المسؤولون هذه الفرصة، خصوصًا أنَّ بها يتعلق مصير المساعدات والإصلاح، ونهضة الاقتصاد، وعودة أموال المودعين، وعودة لبنان إلى نفسه والعالم".

هذا وفي عظته مترئسا قداس الأحد قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "لقد أصابنا الذهول ونحن نرى على شاشات التلفزة واقعة قضائيّة لا تَـمُتّ بصلة إلى الحضارة القضائيّة ولا إلى تقاليد القضاء اللبنانيّ منذ أن وُجِد. فما جرى يشوّه وجه القاضي النزيه والحرّ من أيّ إنتماء، ذي الهيبة التي تفرض إحترامها واحترام العدالة وقوانينها. نحن نُصِرُّ على أن يكافح القضاء مكامن الفساد والجريمة بعيدًا عن أيّ تدخّل سياسيّ. ونصرّ على أن تعود الحقوق إلى أصحابها، لاسيّما الودائع المصرفيّة. ولكنّ ما جرى، وهو مخالف للأصول القضائيّة والقواعد القانونيّة، قد أصاب هيبة السلطة القضائيّة واحترامها وكونها الضمانة الوحيدة لحقوق المواطنين وحرياتهم في خلافاتهم في ما بينهم، وفي نزاعاتهم مع السلطة والدولة، وبتنا نتساءل بقلق عظيم عن ماهية ما حصل وخلفياته. وإن كان ليس من شأننا، أو من شأن أحد، التدخّل في مسار التحقيقات القضائية، أو إتّخاذ موقف من صحّة أو عدم صحّة الأفعال موضوع التحقيقات، إلّا أنّنا لا يمكننا السكوت عمّا يجري والتعبير عن مخاوفنا من مثل هذه الممارسات التي تضرب ما تبقّى من صورة الدولة، ما يدفعنا إلى رفع الصوت لإعلان رفضنا المطلق لهذا الانحراف ومطالبة المسؤولين بضبط هذا الانفلات الخطير وتفادي سقوط السلطة القضائية بالكامل، إذ أنّ سقوطها يشكّل الضربة القاضية لدولة الحق والمؤسسات".

26 أبريل 2021, 13:10