البطريرك الماروني: إننا بحكم مسؤولية هذا الصرح الوطنية والتاريخية، مصمّمون على مواصلة مسيرة إنقاذ لبنان واللبنانيين ولن نيأس البطريرك الماروني: إننا بحكم مسؤولية هذا الصرح الوطنية والتاريخية، مصمّمون على مواصلة مسيرة إنقاذ لبنان واللبنانيين ولن نيأس 

البطريرك الماروني: إننا بحكم مسؤولية هذا الصرح الوطنية والتاريخية، مصمّمون على مواصلة مسيرة إنقاذ لبنان واللبنانيين

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي صباح الخميس الخامس والعشرين من آذار مارس في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي وألقى عظة في عيد بشارة العذراء بعنوان "في الشهر السادس، أُرسل الملاك جبرائيل من عند الله" (لو 1: 26) وقال غبطته "أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء تشكّل لنا المثال في دعوتها ودورها في التدبير الخلاصيّ. كلنّا بالمعموديّة اُشركنا بدعوة عامّة في هذا التدبير، ونحن الذين دعينا بالدرجة المقدّسة إلى الكهنوت والأسقفيّة، أنعم علينا الله بدعوة خاصّة. نسأله بشفاعة الكليّة القداسة مريم العذراء سيّدة البشارة، أن ينعم علينا بنعمة الجهوزيّة التي ميّزتها، والطاعة الدائمة لإرادته القدّوسة كيفما تجلّت، على مثالها".

في عظة ألقاها خلال ترؤسه القداس الإلهي في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة في الذكرى السنويّة العاشرة لإنتخابي من آباء السينودس المقدّس، بإلهام من الروح القدس، وتوليتي "أبًا ورأسًا" لكنيستنا السريانيّة الأنطاكيّة المارونيّة. إنّنا نرفعها ذبيحة شكر لله على هذه السنوات العشر، وعلى ما أفاض من جودته على كنيستنا من نعم وبركات. وأذكر فيها إخواننا المطارنة الذين تعاونت معهم وقد سبقونا إلى بيت الآب، وأذكر على رأسهم سلفي المثلث الرحمة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير. متّعهم الله جميعًا برؤيته السعيدة في المجد السماويّ. كما أذكر بصلاتي في هذه الليتوجيا الإلهيّة كلّ إخواني السادة المطارنة، أعضاء السينودس المقدّس، أكانوا في لبنان أو داخل النطاق البطريركيّ، أم في بلدان الإنتشار. إنّني أجدّد لهم ولكم، أيّها المشاركون معنا بحضوركم، التزامي بموجبات خدمتي، متّكلًا على صلاتكم ومؤآزرتكم. فنحن جسم واحد رأسه المسيح، "راعي الرعاة العظيم". (1 بط 5: 4)

ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، قال غبطته " لقد إخترت، يوم إنتخابي في 15 آذار 2011، شعارًا أملاه عليّ الجوّ الذي تمّت فيه عمليّة الإنتخاب، وهو: شركة ومحبّة. الشركة كإتحادٍ عاموديّ مع الله، ووحدةٍ أفقيّة مع جميع الناس. والمحبّة كلحمة تشدّ عرى الشركة ببعديها العاموديّ والأفقيّ. على هذا الأساس قمت بخدمتي بكلّ إستعداد ونيّة حسنة. ولكنّ الكمال عند الله، والخطأ يقع فيه الجميع عن قصد أو عن غير قصد. فيؤسفني أن تكون الشركة والمحبّة قد جُرحتا مع الله ومع هذا أو ذاك من الأشخاص أو الجماعة. فهي مناسبة لطلب المغفرة. ولهذا أقدّمها ذبيحة استغفار". و"إنّي بروح "الشركة والمحبّة"، أضاف يقول، "حفظت العلاقة الطيّبة مع الجميع في بلادنا، وقد قلّدوني جميلًا لا أنساه بحضورهم الإحتفال بتوليتي في 25 آذار 2011. وقمت بالزيارات الراعويّة إلى جميع الأبرشيّات في لبنان والنطاق البطريركيّ، ما عدا أبرشيّة حلب العزيزة بداعي انقطاع الطرقات بنيران الحرب، وإلى جميع أبرشيّات الإنتشار. ويسعدني أن أقدّم لكم اليوم الجزء الأوّل من زياراتي الراعويّة في سنتي 2011 و2012 إلى بلدان الإنتشار".

أشار البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته إلى أن شعار "شركة ومحبّة" اتّخذ "بعدًا إجتماعيًّا وإنسانيًّا، من جرّاء الأزمة الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة الخانقة. فكانت البطريركيّة والأبرشيّات والرهبانيّات والمؤسّسات التابعة لها حاضرة لمساعدة العائلات والأفراد في حاجاتهم المتنوّعة"، وأضاف "الآن والأزمة السياسيّة وتداعياتها الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة تشتدّ أكثر فأكثر، ترانا أمام واجب إستنباط طرق إضافيّة لمساعدة شعبنا الجائع والمحروم من المال والدخل والخبز والمواد الغذائيّة والأدوية. فالأوضاع لا تحتمل التأجيل، وخدمة المحبّة تقتضي تنظيمًا أوسع". وبروح "الشركة والمحبّة"، قال البطريرك الراعي، "تعاطينا الشأن الوطنيّ، وحملنا قضيّة لبنان في زياراتنا الراعويّة الداخليّة والخارجيّة، مطالبين بتحييد لبنان عن الصراعات والحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، وقد أحدثت في الداخل اللبنانيّ إنقسامًا سياسيًّا أدّى إلى تأخير الإنتخابات النيابيّة وتعطيل الإنتخابات الرئاسيّة سنتين ونصفًا، وتعليق العمل بالدستور، وشلّ المؤسّسات الرسميّة، وقيام أعمال إرهابيّة قمعها جيشنا وانتصر، وتغييب لبنان عن العرب والعالم، وقد ساد الفساد وانتشر، فإنهار لبنان إقتصاديًّا وماليًّا، وجاءت جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت لينهكا البلاد. ومن ناحية أخرى كنّا نطالب بحلّ قضيّة اللاجئين الفلسطينيّين، وبعودة المليون ونصف نازح سوري إلى وطنهم ومساعدتهم على إستعادة حياتهم فيه بكرامة، ومتابعة كتابة تاريخهم على أرضهم، والمحافظة على حضارتهم لئلا تتبدد. فقيمة الشعوب والبلدان في حضاراتهم".

وتابع غبطته قائلا "لقد واكبنا طيلة هذه السنوات جميع التطورات ولم نحجب نصيحة أو مساعدة، وبذلنا جهودًا مضنية لإقناع المعنيين بسلوك طريق الثوابت اللبنانية ومنطوق الدستور من دون اجتهادات عبثية لا تفيد أحدًا. وضغطنا لإجراء الإصلاحات الضرورية في مؤسسات الدولة والمجتمع والمناطق لمنع سقوط البلاد. ما كنا نتصوّر يومًا أن يبلغَ لبنانُ، منارةُ الشرق، ولقاءُ الحضارات، هذ الدَرْكَ من الانحطاط والتقهقر. ما كنا نتصوّر يومًا أن تتنازل الشرعيةُ عن قرارها وحقها وصلاحياتها وتصبح رهينة لعبة المحاور الإقليمية. ما كنا نتصوّر أن تفشل الدولة بعد مئة سنة على وجودها الديمقراطي في تأليف حكومة. إنّنا بحكم مسؤوليّة هذا الصرح الوطنيّة والتاريخيّة، مصمّمون على مواصلة مسيرة إنقاذ لبنان واللبنانيين، كل اللبنانيين، ولن نيأس. لهذا السبب طالبنا بتحرير الشرعية والدولة، ووجهنا نداء إلى أشقاء لبنان وأصدقائه في بلاد العرب والعالم لمساعدة لبنان. ولهذا السبب اقترحتا اعتماد الحياد الناشط ليستعيد لبنان توازنه واستقراره. ولهذا السبب دعونا الأمم المتحدة إلى رعاية مؤتمر دولي خاص بلبنان. ولهذا السبب نجدد دعوتنا إلى النهوض من كبوة تأليف الحكومة فيضع الرئيس المكلف تشكيلة حكومية ممتازة ويقدّمها إلى رئيس الجمهورية ويتشاورا في ما بينهما بروح صافية ووطنية إلى أن يتّفقا على الأسماء الجديدة وتوزيع الحقائب في إطار المساواة وعلى أسس الدستور والميثاق".

وختم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا "إنّ تزامن خدمتي البطريركيّة، في ذكرى سنتها العاشرة، مع بداية مئويّة لبنان الثانية، يضعني أمام واجب جعل خدمتي نذرًا لله بالصلاة اليوميّة والعبادة، ونذرًا للبنان الوطن الروحيّ للموارنة حيث فيه كلّ جذورهم وتراثهم، بالتضحيات التي تتواصل من جيل إلى جيل. لكنّ لبنان كدولة مدنيّة هو لجميع اللبنانيّين مسيحيّين ومسلمين. والحفاظ عليه مسؤوليّة جماعيّة تشارك فيها كلّ المكوّنات اللبنانيّة، كعلامة لإيماننا المطلق بوحدة لبنان وهويّته ودوره في الشرق والعالم. المئويّة الثانية تقتضي تأسيس لبنان الكبير لا على الأرض، بل في وجداننا جميعًا وفي عقولنا وقلوبنا. وتقتضي الإعتراف بنهائيّة الوطن اللبنانيّ لا كإعلانٍ دستوريّ فقط، بل كفعل إيمان عاطفيّ وعفويّ وكمسارٍ تاريخيّ وحضاريّ في حياتنا الوطنيّة. قدّرنا الله، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة البشارة، أن نفي معًا هذا النذر تمجيدًا لله الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد".

25 مارس 2021, 13:54