البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي 

مشاركة في سرّ برّيّة يسوع: عنوان رسالة الصوم للبطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي

تحت عنوان "مشاركة في سرّ برّيّة يسوع"، وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسالته لزمن الصوم 2019.

استهل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسالته لزمن الصوم 2019 بالقول: "ربُّنا يسوع، حالاً بعد معموديّته في نهر الأردنّ واعتلان بنوّته الإلهيّة، "قاده الرّوح إلى البرّيّة، فصام أربعين يومًا وأربعين ليلةً حتّى جاع". وذلك استعدادًا ليبدأ رسالته الخلاصيّة. هناك جرّبه إبليس ثلاثًا بشهوات الحياة الثّلاث، فانتصر عليها بقوّة أمانته لكلام الله. في البرّيّة، صلّى يسوع وصام واستعدّ ليحمل للناس عطايا رحمته ومحبّته. فلمّا عاد إلى الجليل، دخل المجمع في السّبت، وقرأ على الشّعب نبوءة أشعيا التي تحقّقت فيه: "روحُ الرّبّ عليّ مسحني وأرسلي لأبشّر المساكين، وأنادي للأسرى بالحرّيّة، وللعميان بعودة البصر إليهم، ولأحرّر المظلومين". وهكذا، أصبح الصّوم الكبير الأربعينيّ مشاركة في سرّ برّيّة يسوع، القائمة على ركائز ثلاث: الصّلاة والصّوم والصّدقة. ويدعوها بولس الرّسول "الزّمن المقبول ويوم الخلاص".

ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، أشار البطريرك الراعي في رسالته إلى أن زمن الصّوم الكبير هو زمن التّغيير في العلاقات "تغيير في العلاقة مع الذّات بالصّيام والإماتة كوسائل لترويض الإرادة والحواسّ. وتغيير في العلاقة مع الله بالصّلاة والتّوبة وتصحيح مجرى حياتنا، وعيش بنوّتنا لله وحفظ كرامتها. وتغيير في العلاقة مع النّاس بالتّصدّق وأعمال المحبّة والرّحمة تجاه الإخوة والأخوات في حاجاتهم، وبالمصالحة وطيّ صفحة الماضي مع من نحن على خلاف ونزاع معهم. ولنسعَ إلى إجراء المصالحات في العائلات والمجتمع. إنّنا بذلك نرمّم الأخوّة الشّاملة. جميع أناجيل آحاد زمن الصّوم الكبير تنقل إلينا آيات التّغيير في الأشياء والأشخاص الذي أجراه الرّبّ يسوع. الماء يحوّله خمرًا فائق الجودة في عرس قانا الجليل؛ الأبرص يطهّره؛ النّازفة منذ اثنتي عشرة سنة يوقف نزيفها؛ المخلَّع يحييه من شلله؛ والأعمى يفتح له عينيه. كلّها آيات علامات لتغيير أساسيّ هو تغيير الإنسان الخاطي المعبَّر عنه في مَثَل الابن الضّال، الذي بعد ندامته وتوبته وعودته والإقرار بخطيئته عند أبيه، صالحه أبوه وقال عنه "كان ميتًا فعاش وضالاً فوجد". وكان الفرح والعيد! في ختام الصّوم الأربعيني ندخل أسبوع فصح المسيح، وهو سرُّ موته وقيامته الذي يصبح سرّ فصحنا نحن، إذ نموت عن عتيقنا ونقوم لحياة جديدة بنعمة سرَّي المصالحة والقربان".

كما وأشار البطريرك الماروني إلى أن "زمن الصّوم الكبير كمشاركة في سرّ برّيّة يسوع، هو زمن قويّ من السّنة الطّقسيّة، لأنّه زمن العودة إلى الله بالصّلاة الفرديّة والجماعيّة، في العائلة والرّعيّة وعبر زيارات تقويّة موجَّهة روحيًّا. والعودة إليه بالتّوبة عبر سرّ المصالحة. فنطلب من كهنة الرّعايا تنظيم أوقات إضافيّة والاستعانة بكهنة آخرين، لسماع اعتراف المؤمنين والمؤمنات، لكي يتمكّن جميع أبناء رعاياهم وبناتها من الاحتفال بفصحيّتهم. وبما أنّ "المشاركة في سرّ برّيّة يسوع" هي الخروج من ضجيج العالم وهموم الحياة اليوميّة، ينبغي إعطاء بعض الوقت لسماع كلام الله سواء بالقراءة والتّامّل الشّخصيّ، أم بمتابعة البرامج الرّوحيّة التي تقدّمها وسائل الإعلام والتّواصل الاجتماعيّ. أمّا الوسيلة الفضلى لعيش العودة إلى الله فهي الرّياضات الرّوحيّة في الرّعايا. إنّنا نشدّد على واجب المحافظة على هذا التّقليد الرّوحيّ وتعزيزه. فلا تقتصر الرّياضة الرّوحيّة في زمن الصّوم الكبير على عظة يوم الجمعة، ولا على يومين أو ثلاثة في الأسبوع. فالرياضة الأسبوعيّة تملأ من كلام الله المؤمنين الصّائمين عن الخبز، وتوفّر لهم إمكانيّة الاعتراف بخطاياهم بندامة واعية، ونيلَ الغفران من رحمة الله والمصالحة معه. إنّهم بممارسة سرّ التّوبة ينالون النّعمة التي تقدّسهم وتعطيهم مناعة على مقاومة تجارب الشّيطان، وقوّة للانتصار".

كما وتوقف البطريرك الماروني في رسالته عند الصدقة وأعمال المحبة والرحمة وقال "بالصّدقة، عبر أفعال المحبّة والرّحمة تجاه الإخوة المعوزين، نعبّر عن صدق محبّتنا لله التي نجاهر بها قولاً، على ما جاء في رسالة يوحنّا الرّسول: "من كانت له خيرات العالم، ورأى أخاه محتاجًا فأغلق قلبه عنه، فكيف تثبت محبّة الله فيه؟ لا تكن محبّتنا بالكلام أو باللّسان بل بالعمل والحقّ" (1يو3: 17-18). الصّيام يساعدنا على الصّدقة، لأنّه يفتح قلبنا على من هم في العوز والحاجة، ويستحثّنا على التّشبّه بالسّامريّ الصّالح الذي انحنى لمساعدة أخيه المتألّم".

وفي ختام رسالته لزمن الصوم 2019، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي "أرفع معكم الصّلاة إلى الله، بشفاعة أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء، وأبينا القدّيس مارون، كي يجعل من هذا الصّوم المقدّس زمنًا مقبولاً لديه، إذ نعيشه بمكوّناته الثّلاثة: الصّيام والصّلاة والصّدقة. ونسأله تعالى نعمة العبور، مع فصح المسيح، إلى حياةٍ جديدة نجدّد بها علاقاتنا مع الله وذواتنا ومع إخوتنا وأخواتنا المحتاجين وجميع النّاس. هذا ما نسأله أيضًا لأوطاننا: للبنان وبلدان الشّرق الأوسط لينعموا بالاستقرار والسّلام، ولبلدان الانتشار لتستمرّ في تقدّمها وازدهارها".

04 مارس 2019, 15:22