بحث

رسالة مجلس أساقفة إيطاليا بمناسبة اليوم الوطني الخامس والأربعين للحياة رسالة مجلس أساقفة إيطاليا بمناسبة اليوم الوطني الخامس والأربعين للحياة  

رسالة مجلس أساقفة إيطاليا بمناسبة اليوم الوطني الخامس والأربعين للحياة

"إنَّ الرب المصلوب والقائم من بين الأموات يبين لنا دربًا مختلفًا: ألا نعطي الموت بل الحياة، أن نولِّد الحياة ونخدمها على الدوام. ويظهر لنا كيف يمكننا أن نفهم معناها وقيمتها حتى عندما نشعر أنها هشة ومهددة ومُتعبة" هذا ما كتبه أساقفة إيطاليا في رسالتهم بمناسبة اليوم الوطني الخامس والأربعين للحياة

تحت عنوان الموت ليس حلاً ابدًا. خلق الله الجَمِيعَ لِلبَقَاءِ؛ فَمَوَالِيدُ العَالَمِ إِنَّمَا كُوِّنَت مُعَافَاةً، وَلَيْسَ فِيهَا سُمٌّ مُهلِكٌ" صدرت رسالة مجلس أساقفة إيطاليا بمناسبة اليوم الوطني الخامس الأربعين للحياة الذي يُحتفل به سنويًّا في الخامس من شهر شباط فبراير؛ كتب فيها الأساقفة في عصرنا، عندما تصبح الحياة معقدة ومتطلبة، وعندما يبدو أن التحدي لا يمكن التغلب عليه وأنَّ العبء لا يطاق، نصل في كثير من الأحيان إلى "حل" مأساوي: الموت. من المؤكد أن الاحترام والتقوى واجبان لكل شخص وكل موقف، مع تلك النظرة المليئة بالعطف والرحمة التي تنبع من الإنجيل. نحن في الحقيقة ندرك أن بعض القرارات تنضج في ظروف العزلة، نقص العلاجات، والخوف من المجهول ... إنه سر الشر الذي يفزع الجميع، مؤمنون وغير مؤمنين. ومع ذلك، فإن هذا لا يلغي القلق الذي ينشأ من رؤية كيف بدأ يصبح إنتاج الموت تدريجياً اجابة سريعة واقتصادية وفورية لسلسلة من المشاكل الشخصية والاجتماعية. خاصة وأنّه يمكننا أن نرى وراء هذا "الحل" العديد من المصالح الاقتصادية الهامة والأيديولوجيات التي تظهر على أنها منطقية ورحيمة، في حين أنها ليست كذلك على الإطلاق.

تابع أساقفة إيطاليا يكتبون عندما لا أستطيع إعالة طفل لم أكن أرغب به، أو عندما أعلم أنه سيولد معاقًا أو أعتقد أنه سيحد من حريتي أو يعرض حياتي للخطر ... غالبًا ما يكون الحل هو الإجهاض. عندما لا أتحمل المرض، عندما أترك وحدي، عندما أفقد الأمل، عندما تنقص الرعاية التلطيفية، عندما لا أستطيع تحمل رؤية أحد أفراد أسرتي يعاني ... قد يكون المخرج هو القتل الرحيم أو "الانتحار بمساعدة الغير". عندما تصبح العلاقة مع شريكي صعبة، لأنها لا تجيب على توقعاتي ... في بعض الأحيان تكون النتيجة هي العنف الذي يقتل الشخص الذي كنا نحبّه - أو كنا نعتقد أننا نحبه -، ويتحطّط على الصغار وداخل المنزل. عندما يصبح شر الحياة لا يمكن تحمله ولا يبدو أن أحدًا يخترق جدار العزلة ... غالبًا ما ينتهي بنا الأمر إلى اتخاذ قرار بالتخلص من حياتنا. عندما يتضمّن استقبال وإدماج الذين يهربون من الحرب أو الفقر مشاكل اقتصادية وثقافية واجتماعية ... فيُفضَّل أن يُترك الأشخاص لمصيرهم، ويحكم عليهم بالموت ظلمًا. وعندما تتفاقم أسباب الصراع بين الشعوب ... يقترح الأقوياء وتجار الموت غالبًا "حل" الحرب، ويختارون وينشرون لغة الأسلحة المدمرة، التي تعمل قبل كل شيء لصالح مصالحهم. وهكذا، شيئًا فشيئًا، تنتشر "ثقافة الموت" وتعدينا.

أضاف أساقفة إيطاليا يقولون إنَّ الرب المصلوب والقائم من بين الأموات - ولكن المنطق أيضًا - يبين لنا دربًا مختلفًا: ألا نعطي الموت بل الحياة، أن نولِّد الحياة ونخدمها على الدوام. ويظهر لنا كيف يمكننا أن نفهم معناها وقيمتها حتى عندما نشعر أنها هشة ومهددة ومُتعبة. كما يساعدنا أن نقبل للمرض ومجيء الموت البطيء، ويكشف سر البداية والنهاية. إنه يعلمنا أن نشارك في المواسم الصعبة للألم، والأمراض، والحمل الذي يخل بالمشاريع والتوازنات ... ويقدّم علاقات مشبعة بالحب والاحترام والقرب والحوار والخدمة. هو يقودنا لكي نسمح بأن تتحدانا الرغبة في الحياة للأطفال والمعوقين والمسنين والمرضى والمهاجرين والعديد من الرجال والنساء الذين يطلبون أولاً الاحترام والكرامة والقبول. إنه يحثنا على تربية الأجيال الجديدة على الامتنان على الحياة التي نالوها والالتزام بالحفاظ عليها بعناية، في أنفسهم وفي الآخرين. إنه يدفعنا إلى الابتهاج من أجل العديد من الرجال والنساء، المؤمنين من جميع الأديان وغير المؤمنين، الذين يواجهون مشاكل من خلال توليد الحياة، وفي بعض الأحيان يدفعون ثمناً باهظاً لالتزامهم الشخصي؛ في جميع هؤلاء نحن نرى عمل الروح القدس السرِّي والمحيي، الذي يجعل المخلوقات "حاملة خلاص". لهؤلاء الأشخاص وللعديد من المنظمات التي تصطف على جبهات مختلفة للدفاع عن الحياة نعرب عن امتناننا وتشجيعنا.

من ناحية أخرى، تابع أساقفة إيطاليا يكتبون علينا أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت محاولة حل المشاكل عن طريق القضاء على الأشخاص هي فعالة حقًا. هل نحن على متأكدين من أن التقليل من شأن الإنهاء الطوعي للحمل يقضي على الجرح العميق الذي يولده في نفوس كثير من النساء اللواتي لجأن إليه؟ نساء كان بإمكانهنَّ، في حالات كثيرة، أن يحصلنَ على الدعم في خيار مختلف وبدون ندم، كما ينصّ القانون ١٩٤ في المادة ٥. هذا هو الوعي في أساس القلق الثقافي والاجتماعي الذي يتزايد في العديد من البلدان والذي، إلى جانب الاستقطاب الأيديولوجي غير المبرَّر، يغذي نقاشًا عميقًا يهدف إلى تجديد القواعد والاعتراف بقيمة كل حياة، حتى عندما تكون مخفيّة عن العيون: إنّ حياة كلِّ فرد تبقى فريدة ولا يقدر بثمن في جميع مراحلها. هل نحن متأكدين من أن المساعدة على الانتحار أو القتل الرحيم يحترمان تمامًا حرية الذين يختارونهما - والذين غالبًا ما يكونون مرهقين بسبب نقص الرعاية والعلاقات - ويظهرون عاطفة حقيقية ومسؤولة تجاه الذين يرافقونهم إلى الموت؟ هل نحن على متأكدين من أن الجذور العميقة لجرائم قتل النساء، والعنف ضد الأطفال، وعدوانية عصابات الأطفال ... ليست بالتحديد هذه الثقافة لتدنيس الحياة المتزايد؟ هل نحن متأكدين من أنه وراء تنامي ظاهرة الانتحار، حتى بين الشباب، لا توجد فكرة أن "الحياة هي لي وأنا أفعل بها ما أريد؟". هل نحن متأكدين من أن الإغلاق تجاه المهاجرين واللاجئين واللامبالاة بالأسباب التي تحركهم هي الاستراتيجية الأكثر فعالية وكرامة لإدارة ما لم يعد مجرد حالة طوارئ؟ هل نحن أكيدين من أن الحرب، في أوكرانيا كما في بلدان العديد من "الصراعات المنسية"، قادرة حقًا على التغلب على الأسباب التي ولدت منها؟ "فيما يمضي الله قدمًا بخلقه، ونحن البشر مدعوون للتعاون في عمله، فإن الحرب تدمر. كما أنها تقضي على أجمل ما خلقه الله: الإنسان. إن الحرب تقلب كل شيء، حتى الرابط بين الإخوة. الحرب هي جنون، وخطتها للنمو هي الدمار".

وختم أساقفة ايطاليا رسالتهم بالقول إن إعطاء الموت كحل يطرح سؤالًا أخلاقيًا خطيرًا، لأنه يدعو إلى التساؤل حول قيمة الحياة والإنسان. إن الثقة الأساسية في الحياة وفي صلاحها - المتجذرة في الإيمان بالنسبة للمؤمنين - والتي تدفعنا إلى رؤية الاحتمالات والقيم في جميع مراحلها وحالاتها، يتم استبدالها بغطرسة الحكم على متى تكون الحياة، حتى لو كانت حياتنا الخاصة، تستحق العيش، مع افتراض الحق في وضع حد لها. من المثير للقلق أيضًا أن نلاحظ كيف أن التقدم الكبير للعلم والتكنولوجيا، الذي يمكّن من التلاعب بالحياة وإخمادها بطريقة سريعة وواسعة النطاق، لا يتوافق مع التأمل الملائم حول سر الولادة والموت، الذي لسنا نحن أسياده. إن قلق الكثيرين ازاء الحالة التي عاش فيها الكثير من الأشخاص والعائلات المرض والموت في زمن الجائحة قد أظهر كيف أن النهج الوظيفي البحت لأبعاد الحياة هذه غير كافٍ تمامًا. ربما لأننا فقدنا القدرة على فهم ومواجهة المحدودية والألم اللذين يسكنان الحياة، التي نعتقد أنه يمكننا أن نضع لها علاجًا من خلال الموت؟

17 نوفمبر 2022, 11:01