بحث

مقابلة مع المؤرخ الإيطالي أندريا غراتسيوزي في الذكرى السنوية التسعين للمجاعة الأوكرانية مقابلة مع المؤرخ الإيطالي أندريا غراتسيوزي في الذكرى السنوية التسعين للمجاعة الأوكرانية 

مقابلة مع المؤرخ الإيطالي أندريا غراتسيوزي في الذكرى السنوية التسعين للمجاعة الأوكرانية

في ختام مقابلته العامة مع المؤمنين يوم الأربعاء الفائت تذكر البابا فرنسيس ضحايا سياسة التجويع التي انتهجها ستالين بحق الأوكرانيين خلال عامي ١٩٣٢ و١٩٣٣، وذهب ضحيتها ملايين الأشخاص. للمناسبة أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع المؤرخ الإيطالي أندريا غراتسيوزي الذي شاء على يسلط الضوء على عمليات الإبادة في ذكرى بدايتها.

عمليات الإبادة بواسطة التجويع، التي كانت من أشد المعاناة التي عاشها الأوكرانيون تُعرف باسم "هولودومور"، وصادفت يوم أمس السبت الذكرى السنوية التسعين لبدايتها وبالتحديد في السادس والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر ١٩٣٢. هذه العبارة أطلقها الأوكرانيون أنفسهم في إشارة إلى المجاعة الرهيبة التي استمرت لغاية صيف العام ١٩٣٣، وجاءت ثمرة للسياسات السوفيتية وخلفت ملايين الضحايا.

في حديثه لموقعنا الإلكتروني اعتبر السيد غراتسيوزي أن هذه الخبرة القاسية والمؤلمة ساهمت في صقل الهوية الوطنية الأوكرانية. وقال إن عبارة "هولودومور" كانت تُستخدم في أوكرانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، لكنها أصبح معروفة في الثمانينيات. وفي أقل من خمسة أشهر من التجويع قضى حوالي أربعة ملايين شخص وفقاً لبعض المصادر. وهذه المجاعة اعتُبرت عملية إبادة، بعد أن تبين أنها نتيجة للسياسات التي تبناها الزعيم السوفيتي ستالين بدءاً من العام ١٩٣٢. وهذه القرارات تعلقت بمصادرة الاحتياط الغذائي للعائلات الأوكرانية، والتي مُنعت لاحقا من السفر والتنقل، ولم تتمكن بالتالي من بلوغ المناطق حيث كان القمح متوفراً، أو المدن حيث كان السكان يحصلون على حصص غذائية.

بعدها قال المؤرخ الإيطالي إن تلك المجاعة التي شهدتها أوكرانيا كانت "مجاعة مصطنعة"، وأدت إلى مقتل ملايين الأشخاص، في وقت كانت تنعم فيه المنطقة بالسلام، ولم تسلم من المجاعة النخبة السياسية والفكرية في أوكرانيا. وتحدث غراتسيوزي بعدها عن ظروف رهيبة عاشها أولئك الأوكرانيون، وسط الجوع والبؤس الشديدين، لافتا إلى أن موسكو كانت تخشى أن تتمرد أوكرانيا على سياسة الزراعة الجماعية ومصادرة أراضي الفلاحين، وأن تنفصل عن الاتحاد السوفييتي. فحاول ستالين أن يوجه ضربة قاضية إلى البلاد وأن يصفي النخب.

هذا ثم قال السيد غراتسيوزي إن الشهادات التي وصلت إلينا اليوم تتحدث عن آلام ومعاناة لا يمكن وصفهما، موضحا أن أكل لحوم البشر كان منتشراً، وكان الأشخاص يموتون وحيدين في بيوتهم وسط اليأس، كما أن قرى بأكملها زالت من الوجود. وأضاف أن الإنسان يستطيع البقاء على قيد الحياة لثلاثين أو أربعين يوما بلا طعام، لكن مع بداية شهر آذار مارس من العام ١٩٣٣ ماتت النسبة الأكبر من الأشخاص بسبب الجوع.

تابع المؤرخ الإيطالي لافتا إلى أن الهولدومور لعب دوراً أساسيا في صقل الهوية الوطنية الأوكرانية، ولم تكن العملية سهلة، إذ استغرقت فترة طويلة. وأشار إلى أنه مع تفتت الاتحاد السوفيتي في العام ١٩٩١ ونشأة أوكرانيا الجديدة والفدرالية الروسية، ظلت خبرة المجاعة القاسم المشترك بين الأوكرانيين الذين عانوا الأمرين في ظل الحكم السوفيتي. ورأى غراتسيوزي أن الهولدومور ساهم في خلق جو من الأخوة مع الجماعات التي عانت من القمع والاضطهاد كاليهود والأرمن. وهذا الأمر – ختم قائلا – يفسر لماذا اختار الأوكرانيون رئيسا للوزراء يهودياً، كما أن الرئيس زيلينسكي هو من أصول يهودية. أوكرانيا بلد يعتبر نفسه ضحية، وهذا الأمر يشجعه على المقاومة اليوم لأنه يرفض ربما أن يبقى الضحية.

26 نوفمبر 2022, 13:56