بحث

نيلسون مانديلا نيلسون مانديلا 

المغفرة في كلمات نيلسون مانديلا والبابا فرنسيس

احتفلت منظمة الأمم المتحدة يوم الاثنين الفائت، كما في الثامن عشر من تموز يوليو من كل عام، بـ"يوم نيلسون مانديلا الدولي"، مبادرة سنوية تهدف إلى تسليط الضوء على شخصية الزعيم الأفريقي الجنوبي الراحل، الذي كرس حياته للنضال ضد نظام الفصل العرقي، الأبرتهايد. وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة للمناسبة أن مانديلا يشكل لنا مصدر إلهام للعمل من أجل عالم أفضل، وقد تمحور نضاله المدني حول مسألة المغفرة ما يقربه من تعاليم البابا فرنسيس.

"إن الطريقة المشروعة الوحيدة للنظر إلى شخص ما من الأعلى إلى الأسفل هي عندما نمد له يدنا لنساعده على النهوض". هذه هي العبارة التي كررها البابا فرنسيس في أكثر من مناسبة، وهي توجه الأنظار نحو الشهادة الذي قدمها رجل عظيم عرفناه في زماننا المعاصر، وهو الزعيم الأفريقي الجنوبي الراحل نيلسون مانديلا الذي كرست له منظمة الأمم المتحدة يوماً دولياً يُحتفل به كل سنة في الثامن عشر من تموز يوليو، الذي هو يوم ميلاده. لقد خاض مانديلا معركة مدنية سلمية ضد نظام الفصل العرقي أو الأبرتهايد، ولم يتوقف يوما عن الحلم في عالم أفضل، وقد أظهر أنه لا يوجد شخص متفوق على الآخر، لأن لدينا جميعاً الكرامة نفسها. وهذا المنطق يتماشى تماماً مع مواقف وتعاليم البابا فرنسيس الذي يؤكد دوماً أن لا أحد يستطيع أن ينجو بمفرده.

مانديلا دفع ثمنا باهظا جدا لأفكاره المتعلقة بالعدالة والمساواة إذ كلّفته سبعاً وعشرين سنة من السجن، ولم يكن يقبل إطلاقاً بهيمنة البيض على السود في جمهورية أفريقيا الجنوبية، ولم يكن يقبل بحصول العكس. بعد أن أطلق سراحه في الحادي عشر من شباط فبراير ١٩٩٠، وأصبح رئيساً للبلاد، بعد سنوات قليلة، رفض تماماً أي محاولة للانتقام من البيض، وعمل جاهداً على إطلاق مسيرة شجاعة للمصالحة ولتضميد الجراح التي تسبب بها نظام الأبرتهايد في أفريقيا الجنوبية. التزامه الدؤوب هذا جعله يفوز بجائزة نوبل للسلام، وجعل منه – بعد مضي تسع سنوات على وفاته – أحد أهم الشخصيات الملهمة بالنسبة للأجيال الجديدة.

لمناسبة الاحتفال بيوم نيلسون مانديلا الدولي، وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غيتيريس رسالة كتب فيها أن الزعيم الأفريقي الجنوبي أظهر أن لكل واحد منا المسؤولية والقدرة على بناء مستقبل أفضل للجميع، وليس لطرف معين وحسب. وذكّر بالعبارة الشهيرة التي كان يقولها مانديلا: "من السهل أن ندّمر ونهدم. الأبطال الحقيقيون هم من يصنعون السلام ويبنون". لكن ماذا سمح لمانديلا أن يواجه الاعتقال طيلة ثلاثة عقود تقريباً، وأن يعمل بعدها على بناء السلام، ما جعله يستحق إعجاب وتقدير الجميع؟ الجواب هو المغفرة.

مما لا شك فيه أن مانديلا لم يتمكن من مسامحة من أساؤوا معاملته بدون بذل أي جهد، لم يحقق ذلك بثمن زهيد. فقد قال هو نفسه إنه خلال الفترة الأولى بعد خروجه من السجن كان الغضب الشعورَ المسيطر لديه. لكن خلال هذه المرحلة المقررة من حياته، ومن تاريخ جمهورية أفريقيا الجنوبية، شعر بكلمات الرب الموجهة إليه، والتي أقنعته بأنه كان حراً في السجن، ويتعين عليه اليوم ألا يصبح أسيراً خارج السجن. عندها قرر ماديبا، كما كان يسميه أبناء قبيلته، ألا يبقى أسير الماضي، وأن يتحرر من المرارة، وكان يدرك – كما قال لاحقا – أن المغفرة تحرر نفس الإنسان، وتزيل الخوف، ولهذا السبب إن المغفرة هي سلاح قوي جدا.

إن كلمات مانديلا ومواقفه تتماشى تماماً مع تعاليم البابا فرنسيس الذي يعتبر المغفرة حقاً من حقوق الإنسان، لأن للجميع الحق في أن يُغفر لهم. ومن يدري ماذا يمكن أن يقول اليوم مانديلا بشأن كلمات البابا هذه؟ إن ابنته ماكازيوي تحدثت عن هذا الموضوع خلال مقابلة مع موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني في شهر كانون الأول ديسمبر الماضي، وسُئلت عن أهم تعليم تركه لها والدها، وقالت إنه لا يوجد شخص يولد ويكره الآخر بسبب لون بشرته، أو ثقافته أو إيمانه الديني. إن الإنسان يتعلم الحقد والكراهية، وإذا كان هذا ممكناً فيعني أن الإنسان قادر أيضا على تعلّم المحبة، لأن المحبة مكون طبيعي في روح الإنسان.

20 يوليو 2022, 10:18