البابا فرنسيس والأشكال الجديدة من العبودية البابا فرنسيس والأشكال الجديدة من العبودية 

البابا فرنسيس والأشكال الجديدة من العبودية

يُقدر عدد ضحايا ما يُسمى بـ"العبودية الجديدة" بحوالي أربعين مليون شخص حول العالم، وربع هؤلاء من الأطفال. وقع هؤلاء في فخ هذه الظاهرة التي تدينها رسميا بلدان العالم كافة. وبغية توعية الرأي العام العالمي على هذه الآفة وخطورتها أعلنت منظمة الأمم المتحدة اليوم العالمي لمناهضة العبودية والذي يُحتفل به في الثاني من كانون الأول ديسمبر من كل عام. وإزاء هذا الوضع المأساوي لم يوفر البابا فرنسيس مناسبة إلا ورفع صوته ليحث العالم على عدم غض الطرف عن الجراح التي تصيب ملايين الأخوة والأخوات.

في الثاني من كانون الأول ديسمبر من العام 2014 اجتمع القادة الدينيون في الفاتيكان ووقعوا على "إعلان مناهضة العبودية"، وفي تلك المناسبة أكد البابا فرنسيس أنه على الرغم من الجهود العملاقة التي بُذلت وتُبذل حول العالم من أجل وضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة، إلا أن العبودية الجديدة ما تزال موجودة على نطاق واسع وفي أنحاء العالم كافة، وأشار إلى أنها تتخذ أشكالا متعددة شأن الدعارة والاتجار بالبشر والعمل القسري والاتجار بالأعضاء البشرية والمخدرات فضلا عن تشغيل الأطفال. وقال إن ما يثير القلق هو أن هذا الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم.

منظمة الأمم المتحدة اختارت الثاني من كانون الأول ديسمبر لإحياء هذه المناسبة، تزامنا مع ذكرى موافقة الجمعية العامة في اليوم نفسه من العام 1949 على المعاهدة المتعلقة بالقضاء على الاتجار بالبشر واستغلال الدعارة. لكن مع ذلك لا يُعتبر هذا اليوم حدثاً مرتبطا بالماضي. فالبابا فرنسيس تحدث في مناسبات مختلفة عن الأشكال الجديدة للعبودية في عالمنا المعاصر، ولفت إلى أن المسيحيين بنوع خاص مدعوون إلى الالتزام قبل غيرهم في العمل من أجل القضاء على هذه الآفة.

في رسالته لمناسبة اليوم العالمي للفقراء في السابع عشر من تشرين الثاني نوفمبر من العام الفائت شاء فرنسيس أن يسلط الضوء على الأشكال الجديدة للعبودية والتي يعاني منها ملايين الرجال والنساء والأطفال حول العالم. وكتب أنه لا يسعنا أن ننسى ملايين المهاجرين ضحايا العديد من المصالح المخفية، والذين يُستغلون غالباً من أجل تحقيق مآرب سياسية، ويُحرمون من التضامن والمساواة. في ضوء كلمات البابا يكفي أن نفكر بما يتعرض له العديد من الرجال والنساء ضحايا الاتجار بالبشر والموجودين في ليبيا والذين يُجبرون غالبا على الإبحار.

في العاشر من شباط فبراير من العام الماضي وبعد تلاوته صلاة التبشير الملائكي، تزامنا مع الاحتفال بعيد القديسة جوزيبينا باخيتا التي اختبرت العبودية، شاء البابا فرنسيس أن يسلط الضوء على ضحايا ظاهرة الاتجار بالبشر. وقال: يمكننا أن نتعاون مع بعضنا البعض، وعلينا أن نفعل ذلك ونندد بحالات الاستغلال والعبودية التي يعيشها العديد من الرجال والنساء والأطفال. وطلب شفاعة القديسة باخيتا كي لا نستسلم لمشاعر اللامبالاة، وكي نفتح العيون لنرى أوضاع البؤس والجروح التي تصيب العديد من الأخوة والأخوات، المحرومين من كرامتهم وحريتهم، ولنسمع صراخهم الذي يطلب النجدة.

وفي رسالة الفيديو التي وجهها لمناسبة نوايا الصلوات في شهر شباط فبراير من العام 2019 ذكر البابا الجميع بأن العبودية ليست ظاهرة من الماضي، ولا يمكن تجاهلها. وأضاف أنه إزاء هذا الوضع المأساوي لا يسعنا أن نغسل يدينا وإلا أصبحنا متواطئين مع هذه الظاهرة التي تشكل جريمة ضد البشرية. وفي رسالة فيديو أخرى وجهها إلى المشاركين في المنتدى الدولي الثاني حول موضوع "العبودية الجديدة" والذي نظمته أبرشية بوينوس أيريس الأرثوذكسية بالأرجنتين في شهر أيار مايو من العام 2018 شدد البابا برغوليو على أن العبودية هي في الواقع ممارسة لديها جذور عميقة، وتظهر اليوم بأشكال متنوعة كثيرة. وتحدث فرنسيس عن وجود جهات لا تريد أن يُسلط الضوء على هذا الواقع، لأنها تجني أرباحا طائلة من ظاهرة العبودية. ودعا الجميع في هذا السياق إلى الدفاع عن حقوق من وقعوا ضحية العبودية والحيلولة دون فرار الأشخاص الفاسدين والمجرمين من وجه العدالة.

وأراد البابا أن يغوص أكثر في عمق المشكلة لافتا إلى أن هذه الظاهرة لن تزول إنْ لم يتم التعامل مع المسببات الكامنة وراءها. وأشار إلى أنه في البلدان التي تعاني من الفقر المدقع والفساد، القوانين وحدها ليست كافية من أجل التصدي للعبودية. ومن هذا المنطلق لا بد أن يتم التغلب على كل شكل من أشكال عدم المساواة والتمييز، لأن هذا الأمر يدفع بالإنسان إلى استعباد إنسان آخر. وأكد فرنسيس أن هذه القضية تعني كل شخص منا، ولا أحد يستطيع أن ينظر في الاتجاه الآخر، ويدعي أن لا علاقة له بهذه المشكلة. 

04 ديسمبر 2020, 12:19