بحث

مقالة افتتاحية لأندريا تورنييلي بعنوان "تسعة أشهر من الحرب: جرح يعنينا كمسيحيين" مقالة افتتاحية لأندريا تورنييلي بعنوان "تسعة أشهر من الحرب: جرح يعنينا كمسيحيين" 

مقالة افتتاحية لأندريا تورنييلي بعنوان "تسعة أشهر من الحرب: جرح يعنينا كمسيحيين"

كتب مدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية أندريا تورنييلي مقالة افتتاحية بعنوان "تسعة أشهر من الحرب: جرح يعنينا كمسيحيين"، سلط من خلالها الضوء على الصراع الدامي والمؤلم بين روسيا وأوكرانيا، بين شعبين يتقاسمان المعمودية نفسها. ثم أكد أن الإيمان والتقاليد الدينية لا يمكن اعتبارها من المسلَّمات، متحدثاً عن الدرب الطويلة التي لا بد أن تجتازها الرسالة الإنجيلية اليوم كي تلوج قلب المسيحيين وتتغلغل في ثقافتهم، ليتمكنوا من الاقتداء بمثل الرب يسوع.

كتب أندريا تورنييلي: إننا اقتربنا من مضي تسعة أشهر على بداية حرب العدوان الرهيبة التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا. تسعة أشهر هي المدة التي تتكوّن فيها الحياة البشرية في رحم الأم قبل أن تخرج إلى النور، لكن ما يحصل في أوكرانيا ليس عبارة عن تكوينٍ للحياة إنما للموت والحقد والدمار. وأضاف أن هذه الحرب تحمل بعداً غالباً ما ننساه: إذ إنها حرب تدور بين شعبين ينتميان إلى الإيمان نفسه بالمسيح ويتقاسمان المعمودية نفسها. فالمسيحية في تلك البقعة من العالم مرتبطة بعماد شعوب المنطقة في العام ٩٨٨ على يد فلاديمير الكبير، الذي شاء أن تنال عائلته وسكان كييف سر العماد في نهر دنبر. فالمسيحيون الروس والأوكرانيون يتقاسمون الليتورجيا الإلهية نفسها والروحانية إياها الخاصة بالكنائس الشرقية.

تابع المسؤول الفاتيكاني مقالته الافتتاحية متحدثا عن وجود ميل اليوم إلى التعتيم على هذا الانتماء المشترك للإيمان والتقاليد الليتورجية، لأسباب مرتبطة بالبروباغاندا الحربية. لأنه عندما يقاتل الإنسان ويَقتل عليه أن ينسى وجه الآخر وإنسانيته، كما كان يقول نبي السلام "تونينو بيلّو"، وينبغي أن ينسى المقاتل أيضا أن الآخر يتقاسم معه المعمودية نفسها. واعتبر تورنييلي أن كون هذه الحرب، التي اندلعت في قلب أوروبا، حرباً بين المسيحيين يزيد من الوجع الناتج عن هذا الجرح لدى أتباع الرب يسوع. وأضاف: لا نجد أنفسنا اليوم أمام صراع يُصنف على أنه "صراع بين الحضارات"، وهي نظرية اكتسبت شهرة بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول سبتمبر ٢٠٠١ الإسلامية الصبغة، لأن المهاجِمين والمهاجَمين يقرأون الإنجيل نفسه!

أكد مدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية بعدها أن الاستياء الذي قد ينجم عن هذه الملاحظة يمكن أن يدفعنا على التفكير بالدرب الطويلة التي ينبغي أن تجتازها الرسالة الإنجيلية كي تلوج قلب المسيحيين وتتغلغل في ثقافتهم، من أجل الاقتداء بمثل الرب يسوع الذي طلب من بطرس في بستان الزيتون أن يضع سيفه في غمده. يمكن أن يحملنا هذا الواقع على السعي إلى التمييز بين "مسيحيتنا" والمسيحيين الميالين إلى الحروب والذين يضعون الأيقونات على رايات الجنود ويسعون إلى تبرير العدوان والعنف بواسطة الخطابات الدينية، كما كان يحصل في الغرب منذ فترة قصيرة. لكن هذا الموقف ليس إلا محاولة للهروب، محاولة لتبرير الذات كي لا يبقى الجرح الذي سببته هذه الحرب مفتوحا.

بعدها اعتبر أندريا تورنييلي أن الحرب الدائرة رحاها اليوم في أوكرانيا تعلمنا أن الانتماء لتقليد مشترك، والتمسك بهوية وثقافة نشأتا من إعلان الإنجيل نفسه، ليسا كافيين من أجل حماية أنفسنا من الانزلاق نحو همجية العنف والحقد والحرب القاتلة. وأضاف المسؤول الفاتيكاني أن إبقاء هذا الجرح مفتوحا، يعني أن نتذكر يومياً أن إيماننا وتقاليدنا الدينية ليست من المكتسبات. ويعني أنه باستطاعتنا أن نتصرف كمسيحيين بدافع النعمة فقط، وليس انطلاقاً من التقاليد أو الثقافة. هذا ثم كتب مدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية، في ختام مقالته الافتتاحية، أنه يتعين علينا اليوم أن نتذكر كلمات الرب يسوع الذي قال لتلاميذه: "بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئا"، كي نعود من جديد إلى التواضع ونبحث عنه، هو الحي والحاضر اليوم، ولنبتهل منه عطية السلام.

15 نوفمبر 2022, 11:06