الكرسي الرسولي: الحرب والتهديد النووي هما جنون، هناك حاجة إلى ووقف فوري للسلاح
أربع مداخلات مثل الفسيفساء، تمليها الحاجة الملحة إلى أن تظهر لجمعية الأمم المتحدة المخطط العزيز على قلب الأب الأقدس والكرسي الرسولي: إيجاد هدوء على صعيد عالمي يبدو أنَّ الحرب في أوكرانيا قد جفَّفته، وأثارت سيناريوهات دمارٍ بدلاً من أن تدفع لنزع فتيلها قبل فوات الأوان. هذا ما تمحورت حوله مداخلات مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة المطران غابرييل كاتشيا، تمحورت اثنتان منها بشكل مباشر حول الأزمة التي قسمت الكوكب مجدّدًا إلى كتل.
أمام الدورة الاستثنائية الطارئة الحادية عشرة للجمعية العامة، والتي تناولت قضية السلامة الإقليمية لأوكرانيا، كرر مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة كلمة بكلمة النداء الذي أطلقه البابا فرنسيس في ٢ تشرين الأول أكتوبر في صلاة التبشير الملائكي، تلك الدعوة التي وجّهها بشكل واضح إلى رئيسي البلدين المتحاربين من أجل إسكات السلاح والبحث عن "شروط من أن أجل بدء مفاوضات قادرة على أن تقود إلى حلول لا تُفرض بالقوة، وإنما بالتراضي تكون عادلة وثابتة. شروط شدد البابا أنها "قائمة على احترام القيمة المقدسة للحياة البشرية، وكذلك سيادة كل بلد وسلامته الإقليمية". وهذا "دون الدخول في تصعيد خطير" لحرب وصفها مرة أخرى بأنها "جنون".
مداخلة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمداخلة التي وجّهها إلى زملاء اللجنة الأولى للجمعية العامة، المكرسة لنزع السلاح والأمن الدولي. بدأ مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة بالتذكير بجو الاضطرابات عينه الذي ساد لستين سنة خلت، عندما واجه العالم خطر الصراع النووي وعندما أشار البابا يوحنا الثالث والعشرين في رسالته العامة "Pacem in terris" إلى أن السلام الحقيقي بين الأمم لا يمكن أن يقوم على "امتلاك إمدادات متساوية من الأسلحة، وإنما على الثقة المتبادلة فقط". ومع ذلك، على الرغم من المأساة الحالية، أشار الأسقف إلى أن "هناك اليوم أيضًا بوادر أمل في نزع السلاح"، يسلِّط عليها الضوء التصديق الذي قدمته ست دول على المعاهدة للحظر الشامل للتجارب النووية. وإذ دعا المطران كاتشيا البلدان الأخرى إلى فعل الشيء عينه، تناول الفصل المتعلق بالتطوير المقلق للأسلحة، من الأجهزة مثل الألغام المضادة للأفراد والذخائر العنقودية إلى أنظمة الصواريخ المدارية والمضادة للأقمار الصناعية. وأكد أن الإنفاق العسكري العالمي قد "تجاوز للمرة الأولى ٢ تريليون دولار"، وهو" يستهلك الموارد "التي يمكنها أن تعزز التنمية البشرية المتكاملة وتنقذ أرواحًا لا تحصى ولا تعد؛ وقال إنه بدون معالجة هذا الانتشار المستشري للأسلحة سيبقى تحقيق أهداف التنمية المستدامة بعيد المنال.
أما المداخلتان الأخريان اللتان أدلى بهما مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة فكانا لهما فحوى مختلفة، ولكنهما لا تقلان أهمية، إذ وجّه أولهما إلى جمهور اللجنة الثانية للجمعية العامة حول موضوع القضاء على الفقر وتنمية الزراعة والأمن الغذائي والتغذية. وهنا لاحظ المطران كاتشيا تأخيرًا فيما يتعلق بالجدول المحدد، وقال بعد ثماني سنوات فقط من تحقيق أهداف خطة عام ٢٠٣٠ وخمس سنوات بعد اختتام مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للقضاء على الفقر، يجب على المجتمع الدولي أن يعود إلى المسار الصحيح ويضاعف جهوده للتصدي لمعدلات الفقر، لا سيما في البلدان الأقل نموًّا. إنَّ الوباء تسبب في زيادة معدل الفقر من ٨،٣٪ في عام ٢٠١٩ إلى ٩،٢٪ في عام ٢٠٢٠، وهو "تغيُّر طفيف ظاهريًّا في البيانات" ولكنّه يتطابق مع تغيير هائل، إذ يعيش ٧٧ مليون شخص إضافي بأقل من ١،٩٠ دولار في اليوم "، مما يعني سوء تغذية واسع الانتشار وسلسلة من المشاكل المترابطة، من مشاكل الصحة إلى مشاكل العمل. ومن هنا جاءت الدعوة المتكررة إلى "تصميم سياسات يكون الإنسان محورها وتكفل المساواة في الحصول على السلع الأساسية والموارد والفرص الضرورية لاستمرار الحياة وتعزيز التنمية المتكاملة والرفاهية لكل شخص".
أخيرًا، في اللجنة الثالثة للجمعية العامة، التي تمحورت حول "حقوق الشعوب الأصلية"، سلّط المطران كاشيا الضوء على مدى تعرضهم "للإهمال في كثير من الأحيان، وكيف يتمُّ تجاهلهم أيضًا"، مُشيرًا إلى الأمور التي تؤثر على هؤلاء السكان، ضحايا تأثير تغير المناخ والتدهور البيئي، وكذلك - ندد مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة، "بالسياسات الجشعة وقصيرة النظر والممارسات غير القانونية التي يمكنها أن تؤدي إلى مصادرة الأراضي والموارد". فيما أنّه من الضروري أن يصار إلى الاعتراف بالشعوب الأصلية كأصحاب حقوق "وإشراكهم، إذا كان ذلك مناسباً، في عمليات صنع القرار" داخل الهيئات التي يتم فيها تحديد السياسات التي تؤثر عليهم. كذلك، تابع المطران كاتشيا يقول، إذا كان يجب إدراج الأراضي التي يقطنونها على أنها محمية، فيجب ضمان احترام مبدأ الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة". هذا الحوار، الذي يضمن احترام حقوقهم وحرياتهم الأساسية، وإنما لتقاليدهم وعاداتهم أيضًا، هو ضروري - وفقًا للمطران كاتشيا – من أجل تعزيز ثقافة اللقاء ضد ثقافة الأيديولوجيات لسياسات الشعوب الأصليّة "المنغلقة تمامًا والثابتة والتي ترفض أي نوع من الادماج".