مقال للكاردينال تشيرني حول البشارة التي يقوم بها اللاجئون الأوكرانيون
زار الكاردينال مايكل تشيرني العميد المؤقت للدائرة الفاتيكانية لخدمة التنمية البشرية المتكاملة سلوفاكيا من السادس وحتى الثامن عشر من آذار مارس الجاري للمشاركة في النسخة الثالثة للأيام الاجتماعية الكاثوليكية الأوروبية، والتقى أيضًا برئيسة الجمهورية السلوفاكية، سوزانا شابوتوفا، ورئيس الوزراء إدوارد هيغر. كما سافر إلى المناطق الشرقية من البلاد، حيث يصل اللاجئون من أوكرانيا، وعبر الحدود لزيارة مدينة أوزهورود. وبعد بضعة أيام، من عودته نشر مقالاً على مجلة Aggiornamenti Sociali، تحدّث فيه عن ما أثّر به هذه الرحلة الثانية، بعد تلك التي قادته إلى المجر.
كتب الكاردينال مايكل تشيرني في غرب أوكرانيا، ينتمي معظم الكاثوليك إلى الطقوس الشرقية: لذلك فإن العديد من الكهنة الذين قابلتهم متزوجون ولديهم أطفال. وبدلاً من أن يهربوا إلى الغرب، بقوا مع عائلاتهم لمواصلة رعاية الأشخاص واللاجئين العابرين، وأصبحت المراكز التابعة للكنيسة وبيوت هؤلاء الكهنة ملاذات آمنة على طول الطريق نحو الخلاص، يجتهد فيها جميع أفراد عائلة كاهن الرعية، في استقبال المحتاجين.
أضاف العميد المؤقت للدائرة الفاتيكانية لخدمة التنمية البشرية المتكاملة يقول لقد اعتدنا على وصف الملائكة بأنهم أولئك الذين يعملون بجد لتقديم يد المساعدة للغرباء الذين يواجهون صعوبات، وغالبًا ما يظلون مجهولي الهويّة، تمامًا كما تفعل هذه العائلات، وإنما أيضًا الرهبان والراهبات، والكهنة غير المتزوجين، والأساقفة والعديد من العلمانيين. وبالتالي من الصواب أن نطلق عليهم تسمية الملائكة، لأنهم كذلك. لكنهم ليسوا الوحيدين: يدعونا الكتاب المقدس لكي نوسّع نظرنا وندرك أنه حتى الذين يتم استقبالهم يمكن أن يكونوا ملائكة أيضًا. وفي هذا السياق تحذرنا الرسالة إلى العبرانيين: "لا تَنسَوُا الضِّيافَة فإِنَّها جَعَلَت بَعضَهم يُضيفونَ المَلائِكَةَ وهُم لا يَدْرون". لقد رأيت في رحلتي أن هذا صحيح: ويمكن فهم ذلك من التغييرات التي تحدث في الذين يستقبلون. ذهبت في Berehove لزيارة سكن الطلاب الذي تم تحويله إلى مركز استقبال. ظننت أنني سألتقي بالأسقف وبعض الكهنة المحليين. لقد كانوا هناك، ولكن كان معهم أيضًا مسؤولي الجماعات المسيحية الأخرى والجماعة اليهودية، وأعلى مسؤول في الإدارة المدنية. الشيء نفسه في Užhorod: في العشاء مع الإكليريكيين، بعد الصلاة في كاتدرائية الروم الكاثوليك، حضر مسؤولو الجماعة اليهودية وغيرها من الطوائف المسيحية.
تابع الكاردينال مايكل تشيرني يقول لقد تأثرت كثيرًا، لأن العلاقات بين الطوائف المختلفة في تلك المناطق غالبًا ما تكون إشكالية وتحمل عبء تاريخ من الصراعات والأحكام المسبقة. ولكن فجأة، جعلت الحاجة إلى استقبال اللاجئين ممكنةً مسكونية ملموسة للتضامن: اللقاء والعمل معًا لتقديم جوابٍ للمحتاجين. إن الاقتراب من الفقراء والضعفاء يجعل الذين يستقبلونهم أقرب. وعندما نتصرف كأخوة، نكتشف حتمًا أننا جميعًا إخوة وأخوات. لقول ذلك، يبدو الأمر بديهيًا: إخوة إخوتي هم إخوتي! لكن من الناحية العملية غالبًا ما ننسى ذلك. هذه هي البشرى السارة التي يعلنها اللاجئون الأوكرانيون - الملائكة دون أن يعرفوا ذلك – للذين يستقبلونهم: ليس بالكلمات ولا بالأفعال، وإنما من خلال حضورهم البسيط وحاجتهم إلى المساعدة، التي تعيد الجميع إلى الجوهري. وبالتالي نلمس عن كثب الحقيقة العميقة لكلمات البابا فرانسيس، الذي يكتب في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل"، متحدثًا عن الفقراء: "البشارة الجديدة هي دعوة للاعتراف بالقوة الخلاصيّة لحياتهم ووضعهم في محور مسيرة الكنيسة. نحن مدعوون لكي نكتشف المسيح فيهم، ونعطيهم صوتًا في قضاياهم، وإنما أيضًا لطي نكون أصدقاءهم، ونصغي إليهم، ونفهمهم، ونقبل الحكمة السريّة التي يريد الله أن ينقلها إلينا من خلالهم".
أضاف العميد المؤقت للدائرة الفاتيكانية لخدمة التنمية البشرية المتكاملة يقول هذا لا يحدث فقط في غرب أوكرانيا، وإنما أيضًا على الجانب الآخر من الحدود، في البلدان التي يصل إليها اللاجئون بعد عبورهم الحدود في النهاية. بالنسبة لهذه الدول، يعتبر وصولهم حافزًا للانفتاح والخروج من إغلاق يمثل إرثًا دائمًا من الحقبة السوفيتية. إنه تغيير عميق ومفاجئ: أجبر التاريخ هذه المجتمعات على تعلم شيء لم يعرفوه ولم يمارسوه، ولكنهم يدركون قيمته. وبالتالي يجب احترامهم في خطواتهم الأولى، وعدم الحكم عليهم من خلال المواقف التي تمَّ اتخاذها في الماضي، لكي تتعزز هذه الخبرة وتعطي شكلاً لمستقبل مختلف. "ساعدونا لنكون عونا" هذا هو الطلب الذي يبدو أنه يظهر في اللقاءات مع منظمات التضامن المحلية وكذلك مع السلطات العامة على مختلف المستويات.
وختم الكاردينال مايكل تشيرني العميد المؤقت للدائرة الفاتيكانية لخدمة التنمية البشرية المتكاملة مقاله بالقول بعد عودتي من سلوفاكيا، غادرت على الفور إلى داكار للمشاركة في المنتدى العالمي التاسع للمياه، والذي حملتُ إليه وقرأت الرسالة التي وجّهها البابا فرنسيس للمشاركين. على بعد سبعة آلاف كيلومتر من أوكرانيا، أعاد عنوان المنتدى "الأمن المائي من أجل السلام والتنمية" موضوع السلام أمام أعيننا. يهدد التدهور الإيكولوجي وتغير المناخ الحصول على المياه، للعديد من السكان الذين يعانون بشكل متزايد من حالات جفاف كارثية. من المتوقّع أن تصبح المياه في العقود القادمة مورداً استراتيجياً ومصدراً للحروب والصراعات المحتملة، لاسيما في المناطق التي تعبر فيها الأنهار الكبيرة الحدود بين الدول، كما هو الحال في إفريقيا. "في جميع هذه المواقف، يكتب البابا، يجب أن تصبح المياه رمزًا للاستقبال والبركة، وسببًا للقاء والتعاون ينمّي الثقة المتبادلة والأخوَّة". إن إدارة المياه كخير عام وكحق أساسي وعالمي من حقوق الإنسان هي التزام يجمع بين بناء الأخوَّة والعناية بالبيت المشترك. وبينما نصلي ونبذل كل ما في وسعنا لوقف هذه الحرب "البغيضة" في أوكرانيا، يجب علينا أيضًا أن نستمر في التطلع إلى الأمام لكي نمنع النزاعات المحتملة في المستقبل.