الكاردينال غيكسوت: الأسلحة التي تحتاج إليها أوروبا اليوم هي ثقافة الحوار والتلاقي
تمحورت مداخلة نيافته حول موضوع الأخوة، وسط الصراع المؤلم الدائر بين روسيا وأوكرانيا، وجاءت تأملاته انطلاقا من الرسالة العامة للبابا فرنسيس Fratelli Tutti. واعتبر أنه ثمة حاجة اليوم – وأكثر من أي وقت مضى – إلى تعزيز الحوار بين الأديان تماشيا مع متطلبات الأخوة والصداقة الاجتماعية، التي تناولها البابا فرنسيس في رسالته العامة الأخيرة، لأنه بهذه الطريقة فقط، يمكن أن يتجاوب العالم مع النداء الذي أطلقه الحبر الأعظم في أكثر من مناسبة، داعياً الجميع لأن يكونوا صانعي سلام. بعدها تساءل الكاردينال غيكسوت ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الأديان ضمن السيناريو الذي نشهده اليوم. وأكد أن الأديان مدعوة إلى الاعتراف والتعارف المتبادلين بواسطة الحوار، كما يجب أن تغتني من بعضها البعض، وتصب الاهتمام على القواسم المشتركة التي توحّد، عوضا عما يفرّق، وهي مدعوة أيضا إلى التعاون لصالح خير المجتمعات التي تتواجد فيها. وهذا يتطلب من الأديان أن تُترجم عملياً تعاليم البابا فرنسيس، وتسعى إلى بناء الجسور، لا الجدران، وإلى النظر للقريب برحمة، والشفقة على الفقير، والعمل المشترك من أجل حماية الخليقة. وبهذه الطريقة – مضى يقول – يمكن أن تقدم الأديان إسهامها لصالح الخير العام، من خلال النضال ضد الظلم، والتنديد بالعنف وبناء التعايش السلمي ضمن مجتمعات تشمل الجميع، ولا تستثني أحدا. من هذا المنطلق إن الحوار الديني هو شرط أساسي من أجل تحقيق السلام العالمي. في هذا السياق أكد الكاردينال غيكسوت أن للديانات الحق والواجب في المشاركة في الحوار الاجتماعي، والنقاش العام، ولهذا السبب لا بد من التأكيد على أن الحرية الدينية هي حق أساسي من حقوق الإنسان، وأن جميع الديانات مدعوة للتعبير علناً عن وجهة نظرها حيال القضايا الاجتماعية. وكتب نيافته أن القيم الذي يشهد لها المؤمن، شأن الاستقامة والمحبة والخير العام، والاهتمام بالقريب والرحمة، هي عناصر متقاسمة بين مختلف الأديان. ولهذا السبب وفي عالم اليوم المطبوع مأساوياً بنسيان الله وبسوء استخدام اسمه، إن الأشخاص المنتمين إلى مختلف الديانات مدعوون إلى تعزيز السلام والعدالة والكرامة البشرية وحماية البيئة، واضعين بتصرف الجميع تلك القيم العميقة والقناعات المشتركة المتعلقة بالطابع المقدس للحياة وللكائن البشري. هذا ثم سلط نيافته الضوء على التقليد العريق للتعايش السلمي بين مختلف الديانات والثقافات في أوروبا، واعتبر أن القارة القديمة تحتاج اليوم إلى تعزيز الحوار بين الأديان والتعاون بين المؤمنين والأشخاص ذوي الإرادة الصالحة، كي يتصرف الجميع بطريقة أخوية وموحدة إزاء المشاكل الراهنة كالهجرة والأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدلات الأعمار، والأزمة الصحية وليدة جائحة كوفيد ١٩. ورأى أن بروز الأحزاب الشعبوية ليس نتيجة الاختلاف بين التقاليد الدينية، بل هو سبب غياب الأخوة، مؤكدا أن ثمة حاجة لأوروبا موحدة، مسالمة ومتضامنة، لا تحاول الإفادة من الصراعات الاجتماعية والانقسامات السياسية، والخوف والكزينوفوبيا، بل تعمل على بناء ثقافة الأخوة والتضامن. في الختام أكد رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان أن الأسلحة التي تحتاج إليها أوروبا اليوم هي ثقافة الحوار والتلاقي، من أجل قيام تحالفات ثقافية وتربوية وفلسفية ودينية قادرة على الدفاع عن الشعوب من الاستغلال لتحقيق مآرب ذوي النفوذ. |