بحث

رئيس الأساقفة ريتشارد غالاغر حمل إلى اللبنانيين صوت البابا فرنسيس رئيس الأساقفة ريتشارد غالاغر حمل إلى اللبنانيين صوت البابا فرنسيس 

رئيس الأساقفة ريتشارد غالاغر حمل إلى اللبنانيين صوت البابا فرنسيس

اختتم أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول رئيس الأساقفة ريتشارد بول غالاغر زيارة قام بها إلى لبنان، بدأت في الحادي والثلاثين من كانون الثاني يناير وانتهت في الرابع من شباط فبراير تخللتها محطات عدة من بينها لقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون ومع الأساقفة الأرثوذكس والكاثوليك، والسلطات الدينية الإسلامية، وعائلات ضحايا انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب أغسطس ٢٠٢٠، وأكد خلال الزيارة أن البابا فرنسيس ينوي القيام بزيارة للبنان عندما ستسمح الظروف بذلك.

زيارة المسؤول الفاتيكاني جاءت لتعبر عن تضامن وقرب الكرسي الرسولي من لبنان الذي يعاني من أزمة اقتصادية وسياسية خطيرة، وقد حمل رئيس الأساقفة غالاغر إلى اللبنانيين حكومة وشعباً صوت البابا فرنسيس مؤكدا أن الكرسي الرسولي مستعد للعب دور ناشط، واستضافة حوار وطني بين مختلف الفرقاء اللبنانيين، من أجل تضميد الجراح والتخفيف من حدة التوتر. وذكّر سيادته في حديث للصحفيين اللبنانيين بالدعوة التي وجهها الحبر الأعظم إلى الجماعة الدولية – في خطابه إلى أعضاء السلك الدبلوماسي في العاشر من كانون الثاني يناير – داعيا إلى عدم ترك لبنان يتخبط في الأزمة الراهنة، بل إلى مساعدته على القيام بمسيرة "القيامة" من خلال مبادرات ملموسة، لا تقتصر على الخطابات وحسب، ومد يد المساعدة إلى هذا البلد الذي يتمتع بأهمية إستراتيجية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط كلها.

في هذا السياق، وردا على سؤال طرحه أحد الصحفيين اللبنانيين، أكد أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول  استعداد الفاتيكان لتسهيل الحوار بين الأطراف اللبنانيين من أجل تخطي الاختلافات القائمة وقال سيادته: إذا تقرر إجراء حوار وطني فإن الكرسي الرسولي مستعد للمشاركة فيه، وحتى استضافته، لكن لا بد أن يكون ذلك نزولا عن طلب كل الفرقاء المعنيين. ولم تخلُ دردشة رئيس الأساقفة غالاغر مع الصحفيين اللبنانيين من الإشارة إلى زيارة محتملة للبابا فرنسيس إلى لبنان، وهي رغبة عبر عنها الحبر الأعظم منذ أشهر وفي أكثر من مناسبة، وقال المسؤول الفاتيكاني إن البابا يريد الوفاء بوعده وزيارة هذه الأرض التي تشكل رمزاً للسخاء، لكن الزيارة ستتم عندما ستسمح الظروف بذلك.

وشاء سيادته أن يوجه إلى الشعب اللبناني – ومن خلال وسائل الإعلام – كلمة تشجيع، كي يبقى مثالا في المنطقة للتعدية والتسامح والتنوع. وذكّر المسيحيين بنوع خاص بالدور الواجب أن يلعبوه إذ إنهم مدعوون للحفاظ على النسيج التاريخي والاجتماعي في بلاد الأرز، وينبغي أن يقدموا إسهامهم الفاعل هذا كي لا يصبحوا مجرد أقلية تحتاج إلى الحماية. ولفت إلى أن إضعاف المكون المسيحي يهدد بالقضاء على التوازن الداخلي وعلى الواقع اللبناني. ووجه أيضا كلمة إلى أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب أغسطس ٢٠٢٠ وإلى الجرحى ومن فقدوا بيوتهم وعملهم، بالإضافة إلى أمل العيش متمنيا أن ينال هؤلاء الأشخاص تعزية الإيمان وأن ينعموا بالعدالة والحقيقة. وقد صلى سيادته على نيتهم أيضا خلال القداس الإلهي الذي ترأسه في الثاني من الجاري في بازيليك سيدة الأيقونة العجائبية، كما أنه التقى في مناسبتين مختلفتين بعائلات بعض الضحايا وعبر له عن تعازيه الحارة.

تخللت زيارة المسؤول الفاتيكاني للبنان محطات ولقاءات عدة قبل أن يختتمها في زيارة قام بها إلى ضريح القديس شربل في دير مار مارون ببلدة عنايا. أما في الأول من الجاري فقد استقبله رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، في القصر الجمهوري ببعبدا، وعبر الضيف الفاتيكاني خلال اللقاء عن قلق البابا والكرسي على هوية لبنان، كمشروع سلام في المنطقة، محذرا من مغبة الاستمرار في استخدام الورقة اللبنانية لتحقيق مصالح خارجية. وفي اليوم نفسه كان لسيادته لقاء مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، ومع قائد الجيش العماد جوزيف عون. وصباح الخميس كان له أيضا لقاء مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، ومع وزير الخارجية عبدالله بو حبيب.

في الثاني من شباط فبراير افتتح أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول ندوة نُظمت في جامعة الروح القدس الكسليك حول موضوع "البابا يوحنا بولس الثاني ولبنان الرسالة"، من أجل تسليط الضوء على العلاقة التي كانت قائمة بين البابا فويتيوا وبلاد الأرز. وذكر رئيس الأساقفة غالاغر في المناسبة بأن يوحنا بولس الثاني رافق تاريخ لبنان ومآسيه، واتحد بمعاناة اللبنانيين من خلال الصلاة والعمل. وذكّر بالقلق الذي عبر عنه هذا البابا البولندي، كما فعل بابوات آخرون، وهو موضوع تطرق إليه المسؤول الفاتيكاني خلال محاضرة ألقاها في جامعة القديس يوسف في بيروت، وتوقف عند ذكرى مرور خمسة وسبعين عاماً على إقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان والكرسي الرسولي، مشيرا إلى الاهتمام الكبير حيال المسيحيين في المنطقة الذين لعبوا دورا أساسيا في ثقافتها وتقاليدها. وفعلوا ذلك جنبا إلى جنب مع المسلمين وقد نمت بين الطرفين علاقة مميزة على مر العصور. وحذّر سيادته من مغبة فقدان هذا البعد الثمين للتاريخ الثقافي اللبناني، خصوصا وأنه يشكل ركيزة للرخاء الوطني في البلاد.

وقال سيادته إن هذا البلد الرائد في الصحافة والأدب والفن والموسيقى والتاريخ مدعو لنقل هذه القيم إلى الأجيال الجديدة بغية تعزيز العدالة والسلام. واعتبر أن المجتمع الذي يفتقر إلى الثقافة ينزلق بسهولة نحو العداوة والتطرف. ومن هذا المنطلق شدد غالاغر على ضرورة تطبيق الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز منظومات عادلة من الحوكمة. وهذا الأمر يكتسب أهمية كبرى في زمن يشهد بروز تيارات متطرفة، تحاول الإفادة من ضياع الشبان واستيائهم، وأكد أنه إذا تم إرساء أسس ثقافة اللقاء، بالإضافة إلى الحوار الأخوي بين الأديان، يمكن أن تنعم المنطقة بالانسجام والوحدة، وأن تشكل فسحة للتلاقي على الساحة الدولية.

05 فبراير 2022, 15:49