بحث

البابا بيوس الثاني عشر البابا بيوس الثاني عشر 

المؤرخ الألماني فيلدكامب يتحدث عن العثور على وثائق تثبت أن بيوس الثاني عشر أنقذ حياة قرابة ١٥ ألف يهودي خلال الحرب العالمية الثانية

قام البابا بيوس الثاني عشر شخصيا بإنقاذ حياة خمسة عشر ألف يهودي، خلال الحرب العالمية الثانية، وكان مطلعاً بالتفاصيل على ما كان يجري آنذاك في قلب القارة الأوروبية. هذه هي الخلاصة التي توصل إليها المؤرخ الألماني مايكل فيلدكامب، بفضل أدلة جمعها من الأرشيف الفاتيكاني، مؤكدا أن هذه الوقائع تبدد العديد من الشكوك وحتى الاتهامات التي وُجهت إلى هذا الحبر الأعظم.

المؤرخ الألماني فيلدكامب يقوم منذ سنوات طويلة ببحوث حول البابا أوجينيو باتشيلي، وقد أصدر مؤلفات عدة حول هذا الموضوع بينها كتاب بعنوان "السفارة البابوية في كولونيا والدبلوماسية البابوية"، كما كتب مقالات حول العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والنازية. وجاءت معظم مؤلفاته ردا على كتاب لجون كورنويل بعنوان "بيوس الثاني عشر: البابا الذي لزم الصمت".

للمناسبة أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع السيد فيلدكامب استهلها موضحا أن المؤرخين الألمان ليسوا الوحيدين الذين يقومون ببحوث حول البابا بيوس الثاني عشر، لأن هذا الموضوع شكل محور نشاط العديد من الصحفيين أيضا. ولفت إلى أن آخر الدراسات في الأرشيف الفاتيكاني أظهرت أن البابا أوجينيو باتشيلي كان يعلم بوجود المحرقة النازية أو الهولوكوست منذ بداياتها، وفيما يتعلق بعمليات الإبادة المنتظمة بحق اليهود في أوروبا، بعث هذا الحبر الأعظم برسالة إلى الرئيس الأمريكي ثيودور روزفيلت في آذار مارس من العام ١٩٤٢، وكتب فيها أن شيئا ما يحصل في أوروبا، وبالتحديد في مناطق النزاع، بيد أن الأمريكيين لم يأخذوا هذه الرسائل على محمل الجد.

وأضاف المؤرخ الألماني يقول: إننا نعلم اليوم أن البابا بيوس الثاني عشر كان مهتماً بما يتعرض له اليهود يومياً، وقد اطّلع على العديد من التقارير، وأنشأ مكتباً يتابع هذا الملف داخل أمانة سر دولة حاضرة الفاتيكان، وضم هذا المكتب شخصيات أمثال المطران دومينيكو تارديني، الذي صار لاحقاً كاردينالا مؤثراً داخل المجمع المكسوني الفاتيكاني الثاني، بالإضافة إلى الكاردينال ديلاكوا، الذي ساهم لاحقا في صياغة الدستور المجمعي "في عصرنا".

وأوضح فيلدكامب أن هذين المطرانين، كغيرهما من الأساقفة والكرادلة، كانا على تواصل وثيق مع البابا باتشيلي خلال الحرب العالمية الثانية. وكان معاونوه يطلعوه باستمرار على الاضطهادات اليومية بحق اليهود وعلى ترحيلهم بأعداد كبيرة، وعلى المصير الذي كان ينتظرهم في مخيمات الاعتقال النازية. ولفت إلى أنه تبين اليوم للباحثين والمؤرخين أن البابا باتشيلي تمكن من إنقاذ حياة ما يقارب خمسة عشر ألف يهودي، بفضل جهوده الشخصية، إذ أمر بفتح العديد من الأديرة ليوفر ملاذا آمنا لهؤلاء الرجال والنساء والأطفال.

في سياق حديثه عن الرسائل التي تبادلها البابا بيوس الثاني عشر مع الأمريكيين آنذاك قال المؤرخ الألماني إن المراسلات كانت دبلوماسية، ولفت إلى أن الرئيس الأمريكي ومعاونيه في وزارة الخارجية اتصلوا بالبابا باتشيلي في أكثر من مناسبة كي يحصلوا منه على معلومات بشأن حالات فردية. وإذ تحدث عن وجود وثائق تُثبت أن العديد من اليهود وجدوا مخبأ لهم في بازيليك القديسة مريم الكبرى في روما، قال مايكل فيلدكامب إنه مرتاح جداً للمعطيات التي ظهرت للعيان مؤخراً، مؤكدا أنها بددت الكثير من التساؤلات حول الدور الذي لعبه بيوس الثاني عشر خلال الحرب العالمية الثانية، خصوصا وأن كثيرين اتهموه بالصمت.

وأضاف أن هذا الصمت يمكن تبريره اليوم إذا ما أدركنا أنه كان يعمل بشكل سري من أجل إنقاذ حياة اليهود من الموت المحتم. وبالتالي لم يكن قدراً على لفت الانتباه، مع أنه كان يقوم بمفاوضات مع السفارة الألمانية في روما ومع مسؤولين في الشرطة الإيطالية، وحتى مع الزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني ووزير الخارجية آنذاك، وقد حاول أن يحصل على ما أمكن من خلال المفاوضات.

في سياق متصل صدر – خلال الأيام الماضية – كتاب جديد عن مدير الأرشيف التاريخي لقسم العلاقات مع الدول التابع لأمانة سر دولة حاضرة الفاتيكان السيد يوهان إيشك، حول عنوان "بيوس الثاني عشر واليهود". جاء هذا الكتاب ثمرة أشهر من البحوث في الأرشيف الفاتيكاني الخاص بهذا البابا، والذي بات اليوم بتصرف المؤرخين والباحثين. يتضمن المجلد العشرات من الوثائق والنصوص التي تُنشر للمرة الأولى، وتسلط الضوء على الدور الهام الذي لعبه البابا أوجينيو باتشيلي ومعاونوه من أجل إنقاذ حياة آلاف اليهود إبان الحرب العالمية الثانية.

يقع الكتاب في أربعمائة صفحة تقريباً ويميط اللثام عن الالتزام الدؤوب لبيوس الثاني عشر وأمانة سر دولة حاضرة الفاتيكان، بين عامي ١٩٣٨ و١٩٤٤، من أجل تلبية طلبات المساعدة التي كانت ترد يوميا من مختلف أنحاء القارة الأوروبية، مع العلم أن البابا باتشيلي لم يساعد اليهود وحسب إنما أيضا العديد من المسيحيين الذين كانوا متحدرين من أصول يهودية.

03 فبراير 2022, 13:22