بحث

الكرسي الرسولي: في زمن الوباء ضمان حصول الجميع على اللقاحات وحماية المهاجرين واللاجئين الكرسي الرسولي: في زمن الوباء ضمان حصول الجميع على اللقاحات وحماية المهاجرين واللاجئين 

الكرسي الرسولي: في زمن الوباء ضمان حصول الجميع على اللقاحات وحماية المهاجرين واللاجئين

التضامن الدولي، ومأساة اللاجئين، وإنما أيضًا أهمية التربية الشاملة، وإدانة العنف ضد النساء ومسألة الخصوصية في العالم الرقمي: هذه هي المواضيع التي تناولتها البعثة الدائمة للكرسي الرسولي لدى الأمم المتحدة في جنيف في خمس مداخلات مختلفة، ألقيت في الفترة ما بين الرابع والعشرين من حزيران يونيو والسادس من تموز يوليو.

أُلقيت أربعة منها خلال الدورة السابعة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بينما أُلقيَت واحدة خلال الدورة الحادية والثمانين للجنة الدائمة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد ألقاها باسم الكرسي الرسولي، في انتظار تعيين مراقب دائم جديد المطران إيفان يوركوفيتش، الذي تم تعيينه في الخامس من حزيران يونيو الماضي سفيرًا بابويًّا في كندا.

في الرابع والعشرين من حزيران يونيو أطلق الكرسي الرسولي نداءً قوياً من أجل التضامن الدولي، مبدأ وصفه بأنه ضروري أكثر من أي وقت مضى إذا أردنا الخروج "أقوى" من جائحة فيروس الكورونا الحالية. إن حالة الطوارئ الصحية في الواقع، بالإضافة إلى فيروس كورونا، قد شجعت انتشار "فيروس الفردانية"، جاعلة "قوانين السوق" تسود على قوانين "المحبة وصحة الإنسان". لكن "الفردانية والأنانية لا تقودان إلى الحرية أو المساواة - كما قال الكرسي الرسولي - بل إلى النزاعات واللامبالاة في مواجهة معاناة الآخرين". ومن حثّ الفاتيكان على ضرورة "توفير الأسس القانونية والأخلاقية" للتضامن الدولي من أجل تعزيز تحقيقه. وفي هذا السياق، بشكل خاص، حث الكرسي الرسولي الدول والوكالات المتعددة الأطراف على "العمل معًا للتخلي عن حقوق الملكية الفكرية، من أجل ضمان حصول الجميع على العلاجات واللقاحات المضادة لوباء الكورونا. وشدد الكرسي الرسولي أيضًا على أن الهدف النهائي يجب أن يكون "التخلي عن النزعة الفردانية وتشكيل إطار أخلاقي أكثر صلابة، يقوم على التضامن الدولي وتعزيز الخير العام".

كذلك في الرابع والعشرين من حزيران يونيو أيضًا توقّف الكرسي الرسولي عند الحق في التعليم، مشيرًا أولاً إلى "الدور الأساسي"، فضلاً عن "حق ومسؤولية" الوالدين في "توفير تعليم جيد لأطفالهم، ولا سيما فيما يتعلق بتنشئتهم الأخلاقية والدينية"، من أجل "تعزيز رفاهية الأطفال في جميع أبعادها الإنسانية، بما في ذلك الأبعاد الجسدية والعقلية والأخلاقية والروحية والاجتماعية ". وبالتالي لا لتعليم "مختزل أو مفرط التعميم"؛ ونعم، من ناحية أخرى، لنهج تعليمي "صلب وشامل"، من أجل تجنب "خطر التجانس" الذي يجعل أنظمة التنشئة "غير قادرة على التكيف مع احتياجات الطلاب الفردية". جوهرية أيضاً الدعوة إلى تمويل التعليم العام، لكي لا يتم "تحديد تنشئة الأجيال الشابة على أساس غنى العائلات"، مع ما يترتب على ذلك من نتيجة حتمية تتمثل في "زيادة ترسيخ التفاوتات الاجتماعية - الاقتصادية". ومن هنا جاءت دعوة الكرسي الرسولي إلى "ميثاق تربوي جديد"، وفقًا للمبادئ التوجيهية التي أعاد التأكيد عليها البابا فرنسيس أي "تعزيز ثقافة اللقاء والتفاهم المتبادل، بروح الصفاء والتسامح". وبهذه الطريقة، ستجعل التربية الشباب "قادرين على تحديد وتعزيز القيم الإنسانية الحقيقية من منظور مشترك بين الثقافات والأديان".

أما مأساة العنف ضد النساء فكانت محور المداخلة التي ألقتها البعثة الدائمة للفاتيكان في الثامن والعشرين من حزيران يونيو. مأساة تشكل "انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان" و"تصيب حياة النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم". والواقع أن الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة تتحدث عن نفسها وهي مروعة: كل يوم تقتل ١٣٧ امرأة على أيدي أفراد من أسرهن. تشكل النساء البالغات حوالي نصف ضحايا الاتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم؛ على الصعيد العالمي، تتعرض امرأة من ثلاث نساء للعنف الجسدي أو الجنسي في مرحلة ما؛ و١٥ مليون فتاة تتراوح أعمارهن بين ١٥ و١٩ عامًا في جميع أنحاء العالم قد عشن علاقات جنسيّة قسريّة. ويُضاف إلى هذا كلّه الوباء في عام ٢٠٢٠، وهو "عامل تفاقم جعل العديد من النساء أكثر عرضة للعنف الأسري، بسبب الإغلاق والعزلة الاجتماعية وانعدام الأمن الاقتصادي". كذلك أعاد الكرسي الرسولي التأكيد على أنَّ "جريمة الاغتصاب هي إهانة بالغة لكرامة المرأة، التي لا تُنتهك في الجسد فحسب وإنما بالروح أيضا، وتترك لها صدمة يصعب محوها وتؤثر أيضا على المجتمع"، لأنّه بقدر ما يتمُّ تعزيز كرامة المرأة وحمايتها، يتمُّ تعزيز وحماية الأسرة والمجتمع. وبالتالي فإن كل نوع من أنواع العنف النفسي واللفظي والجسدي والجنسي هو عمل من أعمال الجبن وإهانة للبشرية جمعاء. وفي هذا السياق أدانت البعثة الدائمة هذه الجرائم مؤكّدة أن الصمت إزاء أعمال العنف التي تُرتكب ضد المرأة، وأي إفلات من مرتكبي الإساءات من العقاب، وأي تقاعس أو لامبالاة تجاه الجرائم الجسدية أو الجنسية، هي أمور غير مقبولة. ولهذا السبب، تم التذكير بـ "الواجب الأخلاقي المتمثل في تزويد ضحايا العنف بالدعم والحماية الكافيين"، من خلال "سهولة الحصول على هيكليات توفر لهم المساعدة النفسية والطبية والمالية والقانونية"، من أجل "تعافيهم وشفائهم وإعادة إدماجهم الاجتماعي. بعدها توجّه فكر البعثة الفاتيكانية إلى الأطفال الذين وُلدوا نتيجة للعنف الجنسي، والذين يجب إعادة تأكيد على كرامتهم وحقوقهم، بدءًا من الحقِّ بالحياة، لكي لا يصبحوا "ضحايا عرضيين للعنف البغيض ضد النساء". ولذلك يجب "دعم ومحبّة هؤلاء الأطفال - كما أكد الكرسي الرسولي - لأن احترام الحياة البشرية منذ الحبل بها وحتى موتها الطبيعي هو نقطة البداية للتغلب على ثقافة العنف ولتعزيز الاحترام الحقيقي للآخرين، الذي يقوم على الحقيقة الجوهرية للمساواة في الكرامة بين جميع الأشخاص.

أما حماية القاصرين فكانت محور مداخلة الكرسي الرسولي في الثاني من تموز يوليو إذ توقف الكرسي الرسولي فيها عند حق الأطفال في الخصوصية في سياق العالم الرقمي. في الواقع، وبسبب الوباء طور القاصرون "اعتمادًا أكبر على الإنترنت والأشكال الافتراضية للاتصال"، مما جعلهم "أكثر عرضة للتأثر بالنشاطات الإجرامية عبر الإنترنت". وبناء على ذلك، قالت البعثة الدائمة للفاتيكان، إنّه على المجتمع بأسره أن يتعاون ويلتزم بطريقة "حقيقية وحازمة" من أجل حماية كرامة الأطفال في العالم الرقمي. في هذا السياق، هناك دور خاص للوالدين، ولكن مع إيلاء الاهتمام الواجب، وبالتالي حذر الكرسي الرسولي من معارضة "حقوق الوالدين" لـ "حقوق الأطفال". والواقع أن الأمر لا يتعلق بـ "القواعد المستقلة المتضاربة الموضوعة على قدم المساواة"، لأن "الأطفال في الواقع يحتاجون إلى والديهم"، الذين عليهم أن يوجهوا الأطفال "نحو تنمية بشرية متكاملة ونضج الاستقلال الذاتي والمسؤولية الشخصية". من هذا المنظور، فإن قدرة الوالدين على "المراقبة والتحكم" في استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية "لا تعد انتهاكًا لحق الأطفال في الخصوصية"، ولكنها "طريقة أساسية لتعزيز وحماية كرامتهم وحقوقهم"، و"معيار أمان لضمان عدم تعرّض الأطفال للاستغلال وسوء المعاملة".

أخيرًا، في السادس من تموز يوليو، إذ توجّه إلى المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ركز الكرسي الرسولي على عمليات التهجير القسري التي تدمر العائلات وتسبب في الضحايا "حالة من عدم اليقين المستمر بشأن الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والعمل اللائق". وأشار إلى وجود أسباب معقدّة في الأصل، ولها تأثير متفاوت على الفقراء والضعفاء". ولهذا، هناك حاجة إلى "سياسات إعادة توطين أكثر سخاء" و"التزام أقوى بتقاسم المسؤوليات" بين مختلف بلدان العالم، لكي نبني معًا مستقبلًا يسوده العدل والسلام، ونضمن ألا يبقى أحدًا في الخلف. وقال الكرسي الرسولي إنه من المؤسف أنَّ الوباء قد أصبح أيضًا أزمة حماية وسببًا آخر للتأخير في الوصول إلى حلول دائمة، لأنَّ الحق في طلب اللجوء، في نهاية المطاف، يعترف بأننا عائلة بشرية واحدة ويمثل "لاسيما في زمن الوباء" منارة رجاء للكثيرين. أما فيما يتعلق بحق الدول في إدارة حدودها، شدد الكرسي الرسولي على وجوب احترام هذا الحق، لكنه شجع في الوقت عينه على تحقيق التوازن بين "مخاوف الصحة العامة واحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية وحق طلب اللجوء". وفي الختام، وجهت البعثة الدائمة امتنانها إلى جميع الذين، وفي زمن انتشار وباء فيروس الكورونا، وضعوا أنفسهم في خدمة الآخرين، أشخاص شجعان بقوا في الصفوف الأماميّة لكي يولوا اهتمامًا خاصًا باحتياجات اللاجئين والمهاجرين.

08 يوليو 2021, 10:32