زمن الارتداد: تأمّل حول دعوة الرسل

في أسبوع الرياضة الروحية للبابا فرنسيس وأعضاء الكوريا الرومانيّة، نقدّم التأملات التي أعدّها لهذه المناسبة المطران جاكومو موراندي الأمين العام لمجمع عقيدة الإيمان تحت عنوان "مُفتدون من الخطيئة، مبشرون للإنجيل".

تستند التأملات القصيرة لسلسلة تأملات "مُفتدون من الخطيئة، مبشرون للإنجيل" إلى مقاطع من إنجيل مرقس وقد أعدها المطران جاكومو موراندي، الأمين العام لمجمع عقيدة الإيمان، ونقترحها خلال هذه الأيام فيما يعيش البابا فرنسيس وأعضاء الكوريا الرومانية، رياضتهم الروحية السنويّة بشكل فردي، بسبب القواعد الصحية القائمة، ونتوقف في هذا اللقاء الثاني عند دعوة التلاميذ الأولين، وحول المعنى العميق للارتداد ولاتباع المسيح.

يشير المطران موراندي إلى أن وعظ يسوع يتوجّه إلى الجليل، وهو مكان خطير بشكل خاص لأنه مليء باللصوص. وبالتالي فالأولوية – كما يشرح المطران موراندي - هي أن نذهب إلى حيث يبدو أن الوضع هو أكثر خطورة. هناك بالتحديد أعلن يسوع بشرى الله السارة، ونتحدث عن زمن قد تمّ. وبشكل خاص، يستخدم الإنجيلي مرقس مصطلحkairos ، أي ذلك الوقت الذي يتحقق فيه مخطّط الله، وحيث يمكن للمرء أن يختبر أمانة الله. ويستعين المطران موراندي في هذا السياق بأبراهام هيشل وإلهه الذي يبحث عن الإنسان: إنّ الله يريد صلاة الإنسان. نحن لسنا تحت رحمة الصدفة أو القدر - يشرح اللاهوتي - لكننا ضمن مشروع يمسك فيه الله الآب زمام الأمور بقوة. فالدعوة إذن هي أن نقرأ حياتنا من منظور مشروعه الخلاصي، ويضيف أنّه على هذا القرب من الملكوت أن يثير الفرح والجهوزيّة في البشر.

ويصر المطران موراندي على ضرورة الحفاظ على هذين التعبيرين معًا: "توبوا" و"آمنوا". ترتبط كلمة الارتداد بالإيمان، لذا فالأمر لا يتعلّق بالانعطاف وإنما بالدخول في بشرى سارّة ويضيف إن الإيمان بالإنجيل هو الذي سيخلق ظروف ارتدادٍ أصيل ومستقر وفعال. لأن الإيمان هو الارتداد الحقيقي، الذي يعني بأننا محبوبون من الله وأن نؤسس حياتنا على هذا اليقين. لكن العدو، الشيطان، سيحاول بشتى الطرق أن يخدش ويقوض هذه الثقة بالله بجعلنا نرى طرقًا أخرى.

ويشر المطران موراندي إنَّ يسوع يدعو التلاميذ في حياتهم اليومية، نحن نتوقع على الدوام شيئًا غير عادي ولكن يسوع يدخل في الحياة الطبيعية. إن الظرف "للحال" الذي يتمُّ من خلاله وصف جواب الذين سيصبحون الأتباع الأوائل هو أمر أساسي: أي لا يوجد تأخير، ولا توجد فكرة عن مسار تقدمي. هؤلاء الرجال قد أدركوا أنه عليهم أن يجيبوا على الفور. هناك أوقات تظهر فيها دعوته بوضوح، ونتنبّه فيها لزيارته لنا وبالتالي في لحظات النعمة هذه بالتحديد يجب أن نكون مستعدين، وفي هذا السياق تأتي إلينا كلمات القديس أوغسطينوس عندما قال: أخاف أن يعبر الرب ولا يعود، مشيرًا إلى وجود أحداث يزورنا فيها ملكوت الله بنور مميّز جدًّا: رياضة روحيّة، زيارة حج، لقاء مع شخص ... هنا تُكشف الحقيقة، إنَّ الرب يدعونا بأسمائنا وعلينا أن نجيب بسرعة.

إنَّ يسوع يدعونا إلى الشركة، ولكي نشاركه حياته، وبالتالي فإن حياة التلمذة المسيحية هي أن نعيش في علاقة، لأن الإيمان بالإنجيل ليس الانضمام إلى مشروع ما وإنما هو الدخول في صداقة، عارفين أنه بقدر ما نغوص في هذه الصداقة، سيتحدث اللسان بوفرة القلب، كما يقول يسوع. فالتلميذ يختبر فرحًا عظيمًا لدرجة أنه لا يمكنه إلا أن يتحدّث عن الرب، ليس بواسطة الكلمات وإنما من خلال الفرح الذي يفيض من حياته. لهذا السبب يجب أن نصر على هذا: على كل مسيرة روحية ناضجة ومثمرة أن تقودنا إلى تجديد علاقتنا مع المسيح. وخلص المطران موراندي مشيرًا إلى أن معنى ترك كل شيء لا يعني أن يصبح المرء فارغًا وإنما لكي لا يتمكن أي شيء أو أي أحد من أن يسلبنا جمال وسحر عيش صداقة ثابتة معه؛ ولذلك لا يجب أن نخاف إذا رأينا أن هناك عقبات: لأنّها ستكون خبرة حرية.

 

24 فبراير 2021, 11:47