Poster_Giornata-Internazionale-della-Fratellanza-Umana_Arabo.jpg

المونسنيور خالد عكشة يتحدث عن الأخوّة الإنسانية

كانت وثيقة الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك محور مداخلة للمونسنيور خالد عكشة رئيس مكتب الحوار مع المسلمين في المجلس البابوي للحوار بين الأديان، وذلك في ندوة افتراضية نظمتها جامعة الروح القدس - الكسليك. وهذا ما ذكر حسب ما نشر موقع أبونا الصادر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن:

تؤكد "وثيقة الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" على أمورٍ أساسيّة، من المفروض أن تكونَ من البديهيات، كالمساواة بين الناس في الخلق والحقوق والواجبات، ولكنّ الواقع غير هذا. فما هي مظاهر الداء وما هو الدواء؟ الأخوّة الإنسانية بلسم للكثير من الجراح. يفرض علينا الايمان بالله أن نرى في كل إنسان أخًا أو أختًا، اعتمادًا على أن الله هو خالقُ الكون وما فيه، والذي وضع في أعلى هرمه بني الانسان، الذين ميّزهم الله بالعقل والإرادة والحرية. ووصَفَ الكتاب المقدس هذا التمييز الإلهي للإنسان بخلقه "على صورة الله ومثاله". والمساواة التي تشير اليها "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" في أسطرها الأولى تعود دون شك الى فِعل الخَلْق، لا الى تساوي خلائق الله الجمادية والنباتية والحيوانية والإنسانية في الكرامة والحقوق. ويقع على عاتق الانسان نتيجةً لما سبق واجبان: الاوّلː نحو أخيه الانسان؛ والثانيː نحو الكون وكلِّ الخلائق التي تسكنه. وينتج عن الواجب الأول أننأ مدعوون الى مدّ يد الصداقة لكل انسان، ويدِ العون الى كل محتاج وضعيف. وتكون المساعدة على أساس الحاجة، لا انطلاقا من اعتبارات أخرى، كالعِرق والدين والطائفة.

ما أسعى اليه في مداخلتي هو تناولُ موضوع المساواة والعدالة انطلاقا من الأخوّة الإنسانية. ولكن علي، قبل هذا، أن أهنئ مُنظمي هذا اللقاء، وأنْ أشكرَهم على دعوتي للمشاركة فيه. تجد المساواةُ بين الناس أساسَها في عدلِ الله وطيبته وحكمته. وإذا تأمّلنا في الواقع الانساني، فإننا نجد هذه المساواةِ راسخةً في مشروع الله نحونا بني البشر: فكلّنا يلد لرجل وامرأة، ويرى النور باكيا، وغالبا ما يُغلق عينيه عن هذه الدنيا آسفا أو مُكْرَهًا، ويحتاج الى الرعاية والطعام والشراب والمأوى والدواء، وكذلك الى من يُحبّه ويُشْعرُه بقيمته.

ومن الأهمية بمكان أن ندركَ أن حُسنَ تصرّفِ الانسان او سُوأه لا يُخرجه من مِظلّة العناية الإلهية. وقد أكّد السيد المسيح، في هذا الخصوص، على أن الله تعالى يُطلع شمسَه، كما يمطرُ مطرَه، على الأشرار والاخيار، دون تمييز. ويجب ألا يُفهم من هذا انه تعالى لا يدعو من خَرج عن سَواء السبيل الى التوبة، بل الأمر على العكس؛ فموجر بشارةِ السيدِ له المجد أنْ "قد اقتربَ ملكوتُ الله فتوبوا وآمنوا بالبشارة". وإذا كنا متفقين على تساوي الناس في الكرامة والحقوق المتأتية عنها، فإننا نلاحظ، ليس فقط كثيرا من التفاوت بين الناس، بل غيابَ العدل في كثير من الأحيان. فقلّةٌ من البشر تستأثر بمعظم ثروات الأرض. وهناك من يعاني من السُمنة، بينما لا يجد غيرُه ما يسُدّ به رَمَقه. وهناك من ينعم بالأمان والدفء، بينما يعيش آخرون في الخوف والقلق ومخيمات اللاجئين حيث ينقصهم الكثير مما يلزم لعيش كريم. وهناك من يتنعم بحقوق تضاف اليها امتيازاتٌ بسبب العرق أو الدين أو الطائفة، وغيرهم ممن يعاني من الظلم والتهميش والاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو طائفته. ولا ننسَ صانعي الاسلحة وتجّارها ومهرّبيها، الذين يصفهم البابا فرنسيس بأنهم يغمِسون لُقمَتَهم في دِماء اخوتهم. ونتساءل: من أين يأتي غيابُ العدلِ، وبالتالي عدمُ المساواةِ بين الناس الذي خلقهم الله إخوة وأخوات؟ الخيرُ كما الشر مصدرُه قلبُ الانسانː الأنانية، والجشع، وقَسوةُ القلب -قَلْبُ الحجر، بحسب تعبير حِزقيال النبي-، قلّة الرحمة أو غيابُها، ما يعني خلعُ الحسّ الانساني الذي كرّمنا الله به.

وإذا كان هذا الداء، فما هو الدواء؟

إيقاظ الضمائر النائمة واحياءُ تلك التي ماتت

استبدالُ قلبِ الحجر بقلبٍ من لحم

الاصغاء الى استغاثة الفقراء وإلى صراخ الأرض، بحسب تعبير البابا فرنسيس

الاقتناعُ بأنّه لا يمكن أن يستتب السلام دون مساواة فعلية وعدل

اكتشافُ فرحِ العطاء، فقد أكّد السيدُ المسيح على أنّ "السعادةَ الكبرى هي في العطاءِ لا في الأخذ"؛

الاعتبارُ بما ورد في التعاليم الدينية عن تَذكُّر الآخرةِ والعواقب -سيُكال لنا بما كنُّا قد كِلنا به- والدعوةُ الى التصرّف كالسامري الشفيق

أن نكونَ حكماءَ في وعي تغيّر الأحوال وعدمِ دوامها، فالدنيا دوّارة، كما نقول في العامية، وأمّا الشاعر فقال: هي الدنيا تقول بملء فيها حَذارِ حَذارِ من بطشي وفتكي

ألا نكونَ من الفاسدين، بل، على العكس، من محاربي هذه الآفة، ومن ممارسي الأمانةِ ومعززيها، ومن الذين يقدّمون الصالحَ العام على المصلحةِ الخاصّة

أن نعملَ على دعم المبادرات والتشريعات الهادفة الى سَنِّ قوانينَ عادلة تعملُ على ترسيخِ مفهوم المواطنة المتساوية والكاملة لكل مكوّنات المجتمع، بصرف النظر عن العرق والدين والثقافة. ومن المؤكّد أنّ الدولةَ المدنية التي تفصل بين الدين والدولة أقربُ الى المساواة والعدل من تلك التي تزاوج بين ما هو لله وما هو لقيصر. وكما صرّح الرئيس التونسي قيس سعيّد، والمعروفُ بتمسّكه بأهدابِ الدين، فإن الدولةَ هيئة ٌ اعتباريةٌ لا دينَ لها.

أنْ نحترمَ الأخوّة العابرةَ لكلّ الحدود وأن نحتفلَ بها، وأن نربّي أبناءَنا وبناتِنا على الأخوّة تجاه جميع الناس.

ولكم، يا أبناءَ لبنانَ وبناتَه، أكرّر ما قاله القديس البابا يوحنا بولس الثاني: وطنُكم رسالةٌ للشرق وللعالم. وهو أمانة في عُنُق كلٍّ منكم. ولكي تتمكنوا من حمل الأمانة، عليكم أن تكونوا -أو تعودوا- إخوة وأخوات.

11 فبراير 2021, 14:44