بحث

البابا يستقبل أعضاء اللجنة الحبرية البيبلية ويحدثهم عن النظرة الإيمانية للمرض والألم في الكتاب المقدس البابا يستقبل أعضاء اللجنة الحبرية البيبلية ويحدثهم عن النظرة الإيمانية للمرض والألم في الكتاب المقدس 

البابا يستقبل أعضاء اللجنة الحبرية البيبلية ويحدثهم عن النظرة الإيمانية للمرض والألم في الكتاب المقدس

استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في الفاتيكان أعضاء اللجنة الحبرية البيبلية وسلمهم خطاباً تطرق فيه إلى موضوع المرض والألم لافتا إلى ضرورة أن يُعاش الألم كفرصة للنمو والتمييز بشأن ما هو مهم فعلا في الحياة وصولا إلى اللقاء مع الله. وأكد أن هذه هي نظرة الإيمان التي نجدها في الكتاب المقدس.

استهل الحبر الأعظم خطابه معرباً عن سروره بهذا اللقاء الذي يُعقد في ختام أعمال الجمعية العامة السنوية للجنة الحبرية البيبلية وعبر عن امتنانه للكاردينال لويس داداريا على الكلمة التي وجهها للبابا باسم الحاضرين، وعلى الشرح الذي قدمه حول الموضوع الذي تناوله المشاركون في الجمعية العامة ألا وهو: المرض والألم في الكتاب المقدس. ولفت فرنسيس إلى أن هذا الموضوع يعني الجميع، المؤمنين وغير المؤمنين على حد سواء، موضحا أن الطبيعة البشرية التي شوهتها الخطية، تحمل في طياتها واقع المحدودية والهشاشة والموت.

بعدها أكد البابا أن الموضوع الذي تم اختياره يتجاوب مع تخوّف لديه، مشيرا إلى أن المرض ومحدودية الإنسان يُنظر إليهما في الفكر المعاصر على أنهما نوع من الخسارة، أو الاستياء الذي ينبغي احتواءه ومواجهته وإزالته مهما كلف الأمر. ولا توجد رغبة في طرح التساؤلات حول معناهما، ربما لأن الأشخاص يخشون انعكاساتهما الخلقية والوجودية. ومع ذلك لا أحد يستطيع أن يتفادى البحث عن إجابة على تلك التساؤلات.

تابع الحبر الأعظم كلمته موضحا أن المؤمن أحياناً يمكن أن يتزعزع إزاء اختبار الألم الذي هو واقع مخيف، وعندما يصيب الإنسان يشعر هذا الأخير بالاضطراب وصولا إلى حد النيل من الإيمان. فيجد الشخص نفسه أمام مفترق طرق: يمكن أن يترك الألم يحمله على الانغلاق على نفسه، فيصل إلى اليأس والتمرد؛ أو يمكن أن يقبله كفرصة للنمو والتمييز بشأن ما هو مهم فعلا في الحياة، فيصل إلى اللقاء مع الله. وهذه هي نظرة الإيمان التي نجدها في الكتاب المقدس.

هذا ثم أكد البابا أن الإنسان في العهد القديم عاش المرض موجهاً فكره باستمرار نحو الله: فتوكل عليه في لحظات البكاء، وتضرع إليه طالباً منه الشفاء، ولجأ إليه في أوقات المحن والتجارب. أما في العهد الجديد فجاء الابن الذي كشف عن محبة الآب، وعن رحمته ومغفرته وبحثه الدائم عن الإنسان الخاطئ والضائع والمجروح. وليس من قبيل الصدفة أن نشاط المسيح العلني طُبع باللقاء مع المرضى، إذ إن الشفاءات العجائبية كانت ميزة أساسية من خدمته. فقد شفى البرص والمقعدين، وشفى حماة بطرس، وخادم قائد المائة، حرر الممسوسين بأرواح شريرة، وشفى جميع المرضى الذين لجأوا إليه.

مضى البابا إلى القول إن رأفة المسيح حيال هؤلاء والشفاءات العديدة التي صنعها شكلت علامة على أن الله افتقد شعبه، وعلى أن ملكوت السماوات بات قريباً، وقد كشفت عن هويته الإلهية، وعن رسالته المسيحانية، ومحبته حيال الضعفاء وصولا إلى حد التماهي معهم، عندما قال "كنت مريضا فزرتموني". وقد بلغ هذا التماهي ذروته في الآلام إذ أصبح صليب المسيح علامة لتضامن الله معنا وفي الوقت نفسه لإمكانية أن نتحد معه في عمله الخلاصي. وبعد القيامة، عندما أوكل الرب إلى تلاميذه مهمة متابعة عمله، طلب منهم أن يشفوا المرضى، واضعين أيديهم عليهم ومباركين إياهم باسمه.

بعدها لفت البابا فرنسيس إلى أن الكتاب المقدس لا يقدم لنا جواباً ساذجاً ويوطوبياً على التساؤلات بشأن المرض والموت، ولا يقدم جواباً قَدَرياً، إذ إن الإنسان في الكتاب المقدس يُدعى إلى التعامل مع الألم كفسحة للقاء مع قرب ورأفة الله، الأب الطيب، الذي يعتني بخليقته الجريحة برحمة لا متناهية، كي يشفيها، يرفعها ويخلصها. وبهذه الطريقة يتحول الألم مع المسيح إلى محبة وتصبح نهاية الأشياء في هذا العالم رجاءً في القيامة والخلاص. فالنسبة للمسيحي إن المرض هو عطية الشركة التي من خلالها يجعله الله مشاركاً في ملء الخير بواسطة اختبار الضعف.

وأشار فرنسيس في هذا السياق إلى أنه في العالم الذي نعيش فيه يحدثنا الألم عن إمكانية أن نُحِب ونُحَب، وعن قدرتنا على إعطاء معنى للأمور الوجودية في ضوء المحبة، وعن استعدادنا لقبوله كفرصة للنمو والخلاص. كما أن المرض يعلمنا كيف نعيش التضامن الإنساني والمسيحي، بحسب نمط الله الذي هو قربٌ، ورأفة وحنان. وهذا ما يذكرنا به مثل السامري الصالح في الإنجيل.

في ختام كلمته إلى أعضاء اللجنة الحبرية البيبلية عبر البابا عن امتنانه لضيوفه وشجعهم على متابعة عملهم خدمةً لكلمة الله من خلال البحث والتعليم، مذكراً بأنهم يلعبون دوراً هاماً في عملية انثقاف الإنجيل التي هي جزء لا يتجزأ من رسالة الكنيس، وأكد أن عملهم ينمو أكثر عندما يعرفون كيف يقبلون سر التجسد في حياتهم الإيمانية. وتمنى أن يأتي نشاطهم بالثمار المرجوة طالباً منهم أن يصلوا من أجله.

20 أبريل 2023, 12:32