البابا فرنسيس: كونوا على الدوام جديرين بالثقة وشجعانًا
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في الجمعية العامة لدائرة الاتصالات تحت عنوان "السينودس والتواصل: مسيرة علينا أن ننمِّيها" وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وسلّمهم نص الكلمة التي كان قد أعدها لهذه المناسبة وجاء فيه إذا أردنا، ككنيسة، أن نعرف إرادة الله في أن نجعل نور الإنجيل آنيًّا في عصرنا، فعلينا أن نعود إلى الإدراك بأنها لا تُعطى أبدًا للفرد، وإنما دائمًا للكنيسة بكاملها. لأننا فقط في النسيج الحي لعلاقاتنا الكنسية نصبح قادرين على الإصغاء إلى الرب الذي يخاطبنا وفهمه. بدون "السير معًا"، يمكننا أن نصبح ببساطة مؤسسة دينية، فقدت قدرتها على جعل نور رسالة معلِّمها يسطع وفقدت القدرة على إضفاء نكهة على أحداث العالم المختلفة. هذا هو السبب في أن البعد السينودسي هو بُعد تأسيسي للكنيسة، والتفكير الذي يلزمنا في هذه السنوات يهدف إلى أن يبرز بقوّة ما تؤمن به الكنيسة ضمنيًا على الدوام.
تابع الأب الأقدس يقول إنَّ الكتاب المقدس مليء بقصص رجال ونساء نتصورهم بشكل خاطئ أحيانًا كأبطال منفردين. على سبيل المثال، إبراهيم، أول من يوجّه له الله كلمته، هو ليس شخصًا وحيدًا ينطلق في رحلة، ولكنه رجل يأخذ على محمل الجد صوت الله الذي يدعوه إلى ترك أرضه، وقد قام بذلك مع عائلته. وبالتالي فإنَّ قصة إبراهيم هي قصة روابط إبراهيم. كذلك موسى، محرر إسرائيل، لم يكن بإمكانه أن يُتمِّم مهمته إلا بمساعدة أخيه هارون وأخته مريم، وحماه يترو، ومجموعة من الرجال والنساء الآخرين الذين ساعدوه في الاصغاء إلى كلمة الرب وتطبيقها من أجل خير الجميع. إنه رجل جريح في تاريخه الشخصي، كما أنه لم يكن رجل كلام بل كان ثقيل الفم وثقيل اللسان أيضًا. وبالتالي يمكننا أن نقول تقريبًا إنه رجل يجد صعوبة في التواصل، لكنّ الذين كانوا بقربه كانوا يعوِّضون عن عدم كفاءته هذا. كذلك لم يكن بإمكان مريم العذراء أن تنشد نشيدها بدون حضور صداقة نسيبتها أليصابات، ولم تكن لتتمكن من الدفاع عن الطفل يسوع من كراهية الذين أرادوا قتله لو لم يكن يوسف معها. يسوع أيضًا جعل من نفسه معوزًا للعلاقات والروابط، وعندما تعين عليه أن يواجه المعركة الحاسمة لرسالته في أورشليم، في ليلة القبض عليه، أحضر معه أصدقائه بطرس ويعقوب ويوحنا إلى بستان الجتسماني.
أضاف الحبر الأعظم يقول إن مساهمة الاتصالات هي جعل هذا البعد الجماعي ممكنًا، إنها هذه القدرة العلائقية وهذه الدعوة إلى العلاقات والروابط. وبالتالي فإننا نفهم كيف أن مهمة الاتصالات هي تعزيز القرب، وإعطاء صوت للمهمّشين، ولفت الانتباه إلى ما نهمِّشه ونتجاهله عادة. إنَّ التواصل، إذا جاز التعبير، هو حرفة الروابط، التي يتردد فيها صدى صوت الله ويجعل نفسه مسموعًا. ولذلك أريد أن أقدم لكم ثلاثة أمور كسُبل ممكنة لمسار مستقبلي للتأمّل في هذا المجال. على المهمة الأولى للتواصل أن تكون جعل الأشخاص أقل عزلة. من أجل تحقيق هذه المهمة، من الأهمية بمكان أن يكون واضحًا لدينا أن الشخص لا يشعر بالوحدة عندما يدرك أن الأسئلة والآمال والمصاعب التي يحملها داخله تجد تعبيرًا لها في الخارج. وحدها الكنيسة المنغمسة في الواقع هي التي تعرف حقًا ما يوجد في قلب الإنسان المعاصر. لذلك، فإن كل تواصل حقيقي يتكوّن بشكل خاص من الاصغاء الملموس، ويتكون من اللقاءات والوجوه والقصص. وبالتالي إذا كنا لا نعرف كيف نبقى في الواقع، فسنقتصر فقط على الإشارة إلى اتجاهات من علو لن يُصغي إليها أحد.
تابع البابا فرنسيس يقول أريد أن أضيف تحديًا آخر مرتبطًا بهذا التحدي الأول: إعطاء صوت لمن لا صوت لهم. غالبًا ما نرى أنظمة اتصالات تهمش وتفرض الرقابة على ما يزعجنا وما لا نريد رؤيته. إنَّ الكنيسة، بفضل الروح القدس، تعلم جيدًا أنه من واجبها أن تكون مع الأخيرين، وأن موطنها الطبيعي هو الضواحي الوجوديّة. لكن الضواحي الوجودية ليست فقط أولئك الذين، ولأسباب اقتصادية، يجدون أنفسهم على هامش المجتمع، وإنما أيضًا أولئك الذين يمتلئون بالخبز ولكنهم فارغون من المعنى، هم أيضًا أولئك الذين يعيشون في حالات التهميش بسبب بعض الخيارات، أو الفشل العائلي، أو بسبب أحداث شخصية طبعت تاريخهم بشكل لا يمحى. إنَّ يسوع لم يخًف أبدًا من الأبرص والفقير والغريب، حتى لو كان هؤلاء الأشخاص قد طُبعوا بوصمة عار أخلاقية. إنَّ يسوع لم يتجاهل أبدًا الأشخاص غير النظاميين من أي نوع. وبالتالي أتساءل عما إذا كنا ككنيسة نعرف أيضًا كيف نعطي صوتًا لهؤلاء الإخوة والأخوات، وإذا كنا نعرف كيف نصغي إليهم، وإذا كنا نعرف كيف نميز إرادة الله معهم، فنوجه هكذا لهم كلمةً تخلِّص.
ختامًا أضاف الحبر الأعظم يقول التحدي الثالث للاتصالات الذي أريد أن أتركه لكم هو تربية ذواتنا على تعب التواصل. ليس من باب الصدفة أن يكون هناك أيضًا سوء فهم في الإنجيل، وبطء في فهم كلمات يسوع، أو سوء فهم يتحول أحيانًا إلى مآسي حقيقية، كما حدث ليهوذا الإسخريوطي، الذي خلط بين رسالة المسيح والمسيحانية السياسية. لذلك، يجب علينا أيضًا أن نقبل هذا البعد من "التعب" في الاتصالات. غالبًا ما يشعر الذين ينظرون إلى الكنيسة من الخارج بالحيرة بسبب التوترات المختلفة الموجودة فيها. ولكن الذي يعرف أسلوب عمل الروح القدس يعرف جيدًا أنه يحب أن يخلق الشركة بين الاختلافات ويخلق الانسجام من الارتباك. إنَّ الشركة ليست أبدًا تطابقًا، ولكنها القدرة على الجمع بين حقائق مختلفة تمامًا. أعتقد أنه علينا أن نكون قادرين أيضًا على أن ننقل هذا الجهد أيضًا بدون أن نتظاهر بحله أو إخفائه. إنَّ المعارضة ليست بالضرورة موقف انقسام، ولكن يمكنها أن تكون أحد مكونات الشركة. لذلك على التواصل أن يجعل أيضًا تنوع الآراء ممكنًا، فيما يحاول دائمًا أن يحافظ على الوحدة والحقيقة، ويحارب الافتراء والعنف اللفظي والتطرف، جميع تلك الأمور التي، بحجة الأمانة للحقيقة، لا تنشر سوى الانقسام والخلاف. وبالتالي إذا استسلمت الاتصالات لهذه الانحرافات بدلاً من أن تصنع الخير فسينتهي بها الأمر إلى إحداث الكثير من الضرر.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، الأعزاء، إن عمل هذه الدائرة ليس تقنيًا فحسب. إن دعوتكم، كما رأينا تلمس بشكل مباشر أسلوب كوننا كنيسة. شكرًا على ما تقومون به. أشجعكم على المضي قدما بطريقة نبوية وحاسمة. إنَّ خدمة الكنيسة تعني أن نكون جديرين بالثقة وشجعانًا أيضًا في اتخاذ مسارات جديدة جريئة. بهذا المعنى، كونوا على الدوام جديرين بالثقة وشجعانًا. أبارككم جميعا من كل قلبي. ورجاء لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي.