بحث

البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في الجمعيّة العامة للأكاديمية الحبرية للعلوم    البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في الجمعيّة العامة للأكاديمية الحبرية للعلوم  

البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في الجمعيّة العامة للأكاديمية الحبرية للعلوم

"في هذه المرحلة من التاريخ، أطلب منكم تعزيز المعرفة التي تهدف إلى بناء السلام" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في الجمعيّة العامة للأكاديمية الحبرية للعلوم

استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في الجمعيّة العامة للأكاديمية الحبرية للعلوم وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال إنَّ موضوع جمعيّتكم العامة هو "العلوم الأساسية من أجل التنمية البشرية والسلام وصحة الكوكب". منظور يأخذ بعين الاعتبار القضايا الرئيسية التي تواجهها البشرية في هذه المرحلة من التاريخ.

ولكن أولاً تابع البابا فرنسيس يقول أريد أن أجيب على سؤال يطرحه كثيرون على أنفسهم: لماذا أراد الباباوات، بدءًا من عام ١٦٠٣ أن يكون لديهم أكاديمية للعلوم؟ لا توجد مؤسسة دينية أخرى لديها أكاديمية من هذا النوع، وقد اهتم العديد من القادة الدينيين بإنشاء واحدة مثلها. وإذ أترك إعادة بناء الأحداث التاريخية للآخرين، أود أن أفسر هذا الاختيار اليوم في أفق الحب والعناية بالبيت المشترك الذي وضعنا الله فيه لكي نعيش فيه. إنَّ الكنيسة تشارك وتعزز شغف البحث العلمي كتعبير عن حب للحقيقة، ومعرفة العالم، العالم الكبير والصغير، والحياة في سيمفونية أشكالها الرائعة. يؤكد القديس توما أن "هدف الكون كله هي الحقيقة". نحن جزء من هذا الكون، ولدينا مسؤولية فريدة تنبع من حقيقة أننا في مواجهة الواقع قادرون على الدهشة ونسأل أنفسنا "لماذا؟" وبالتالي هناك في الأساس هذا الموقف التأملي، وتكمّله مهمة الحفاظ على الخليقة. من هذا المنظور، أيها الأصدقاء الأعزاء، يبرز أيضًا موضوع جمعيّتكم العامة.

أضاف الأب الأقدس يقول بالنظر إلى السنوات الأخيرة، أتذكر بامتنان تصريحات الأكاديمية الحبرية للعلوم في مواجهة حالات الطوارئ المختلفة، سواء بالنسبة للأزمة الغذائية أو مكافحة الجوع - بالتعاون مع مؤتمر قمة الأمم المتحدة للأغذية – أو بالنسبة لصحة المحيطات والبحار، وتعزيز صمود الفقراء في حالة الصدمات المناخية. كان مهم أيضًا الالتزام بالمساعدة في إعادة بناء الأحياء الفقيرة بطريقة مستدامة من خلال تطبيق الاقتصاد الحيوي؛ بالإضافة إلى الإجراءات الموجهة نحو الإنصاف لمعالجة المشاكل الصحية التي سببتها جائحة فيروس الكورونا. لا يقل أهمية العمل من أجل وضع معايير دولية بشأن التبرع بالأعضاء وزرعها في مكافحة الاتجار بالبشر؛ وكذلك لتعزيز علم جديد لإعادة التأهيل الطبي للمسنين والفقراء. كذلك، أقدر بشكل خاص الجهود المبذولة لإشراك العلم والسياسة لمنع الحرب النووية وجرائم الحرب ضد السكان المدنيين.

تابع الحبر الأعظم يقول في هذه الجمعيّة العامة أنتم تسلّطون الضوء على "العلم الأساسي"، الذي يقدم لنا الكثير من المعارف الجديدة حول الأرض والكون ومكان الإنسان فيه. أهنئكم لأنكم تحافظون على هدف ربط العلوم الأساسية بحل التحديات الحالية؛ ربط علم الفلك والفيزياء والرياضيات والكيمياء الحيوية وعلوم المناخ بالفلسفة في خدمة التنمية البشرية والسلام وصحة الكوكب. إن نهج الربط هذا مهم جدًا لأنه فيما تزيد إنجازات العلوم من دهشتنا لجمال الطبيعة وتعقيدها، نشعر بحاجة متزايدة لدراسات متعددة الاختصاصات، ترتبط بالتفكير الفلسفي وتقود إلى توليفات جديدة. هذه الرؤية المتعددة الاختصاصات، إذا أخذت بعين الاعتبار أيضًا الوحي واللاهوت، يمكنها أن تساعد في تقديم إجابات على الأسئلة النهائية للإنسانية، التي تطرحها الأجيال الجديدة أيضًا، والتي تشعر بالحيرة أحيانًا.

أضاف الأب الأقدس يقول في الواقع، يجب لاحتياجات الأخوَّة والعدالة والسلام أن توجّه الإنجازات العلمية لهذا القرن دائمًا، لكي تساهم في حل التحديات الكبرى التي تواجهها البشرية وبيئتها. وبهذا المعنى أيضًا، تعتبر الأكاديمية الحبرية للعلوم فريدة من نوعها في هيكليتها وتكوينها وأهدافها، الموجّهة دائمًا إلى مشاركة فوائد العلم والتكنولوجيا مع أكبر عدد من الأشخاص، ولاسيما الأشدّ عوزًا وفقرًا؛ ولذا فهي تهدف أيضًا إلى التحرر من جميع أشكال العبودية، مثل العمل القسري والبغاء والاتجار بالأعضاء.

تابع الحبر الأعظم يقول يا أعضاء الأكاديمية الأعزاء، في هذه المرحلة من التاريخ، أطلب منكم تعزيز المعرفة التي تهدف إلى بناء السلام. بعد الحربين العالميتين المأساويتين، بدا أن العالم قد تعلم التحرك تدريجياً نحو احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي ومختلف أشكال التعاون. لكن لسوء الحظ، يظهر التاريخ بوادر تراجع. لم يقتصر الأمر على تكثيف صراعات لا تتناسب مع العصر فحسب، بل عادت إلى الظهور قوميات منغلقة وعدوانية، بالإضافة إلى حروب هيمنة جديدة تؤثر على المدنيين والمسنين والأطفال والمرضى وتسبب الدمار في كل مكان. إنَّ النزاعات المسلحة العديدة الجارية تشكل مصدر قلق بالغ. إنها حرب عالمية ثالثة "تُشنُّ على أجزاء"، والمخاطر التي يتعرض لها الأشخاص والكوكب هي أكبر من أي وقت مضى. لذلك من الضروري حشد جميع المعارف التي تقوم على العلم والخبرة من أجل التغلّب على البؤس والفقر والعبوديات الجديدة وتجنب الحروب. من خلال رفض بعض الأبحاث، الموجهة حتمًا، في ظروف تاريخية ملموسة، إلى الموت، يمكن للعلماء في جميع أنحاء العالم أن يتحدوا في استعداد مشترك لنزع سلاح العلم وتشكيل قوة من أجل السلام. باسم الله الذي خلق جميع البشر من أجل مصير سعادة مشترك، نحن مدعوون اليوم لكي نشهد على جوهرنا الأخوي المتمثل في الحرية والعدالة والحوار واللقاء المتبادل والحب والسلام، ونتجنب تغذية الكراهية والاستياء والانقسام. والعنف والحرب. باسم الله الذي أعطانا الكوكب لكي نحافظ عليه ونطوّره، نحن مدعوون اليوم إلى ارتداد إيكولوجي لكي ننقذ بيتنا المشترك وحياتنا وحياة الأجيال القادمة، بدلاً من أن نزيد التفاوتات والاستغلال والدمار.

وخلص البابا فرنسيس إلى القول أيها الأكاديميون الأعزاء، وأيها الأصدقاء الأعزاء، أشجعكم على مواصلة العمل من أجل الحقيقة والحرية والحوار والعدالة والسلام. إنَّ الكنيسة الكاثوليكية هي اليوم أكثر من أي وقت مضى حليف للعلماء الذين يتبعون هذا الإلهام، وهي كذلك أيضًا بفضلكم! أؤكد لكم صلواتي، وأستمطر بركة الله على كلِّ فرد منكم.

10 سبتمبر 2022, 12:43