رسالة البابا فرنسيس إلى المديرة العامة لليونيسكو لمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الأمية
حملت الرسالة البابوية توقيع أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين الذي كتب أنه لمناسبة اليوم الدولي لمحو الأمية ٢٠٢٢ كلفه البابا فرنسيس بأن يوجه تحية إلى الهيئة الأممية وكلمة تشجيع إلى جميع الأشخاص العاملين فيها والساعين إلى محو الأمية. كما تمنى الحبر الأعظم أن تتكلل بالنجاح اللقاءات والتأملات التي نُظمت في هذه المناسبة، كي تأتي بالثمار المرجوة من أجل خلق فضاءات أوسع للتعليم ومحو الأمية في العالم. بعدها لفت البابا في الرسالة إلى أن عالمنا يشهد تبدلات مستمرة، بالإضافة إلى العديد من الأزمات، وتحدث عن تحول ثقافي وأنتروبولوجي في الآن معاً، تحول يحمل في طياته لغة جديدة وينبذ – بدون أي تمييز – المعايير التي يقترحها علينا التاريخ. وشدد فرنسيس في هذا السياق على أن أي تحوّل يتطلب مساراً تربوياً يعني العالم كله، من هذا المنطلق لا بد من العمل على بناء "قرية التربية"، حيث يتقاسم الناس، ضمن الاختلافات والتنوع، الالتزام في خلق شبكة من العلاقات البشرية. ولفت البابا إلى المثل الأفريقي القائل: ثمة حاجة إلى قرية بكاملها من أجل تربية طفل واحد. في هذا السياق لا بد من التوقيع على اتفاق يعطي روحاً للعمليات التربوية الرسمية وغير الرسمية، مع الإدراك أن كل الأمور في هذا العالم مترابطة فيما بينها بشكل وثيق، كما ينبغي البحث عن سبل جديدة – وفقاً لنظرة أنتروبولوجية سليمة – من أجل فهم الاقتصاد والسياسة والنمو والتقدم. واعتبر الحبر الأعظم أنه في إطار مسار إيكولوجي متكامل، توضع القيمة الخاصة بكل مخلوق في مكانها الصحيح، وفي إطار العلاقة مع الأشخاص ومع الواقع المحيط بنا، ومع نمط حياة ينبذ ثقافة الإقصاء التي تُقترح علينا. بعدها ذكّر أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان بالخطاب الذي ألقاه البابا يوحنا بولس الثاني في مقر هيئة اليونيسكو في الثاني من حزيران يونيو ١٩٨٠، وأكد أن البابا فرنسيس يتابع السير اليوم في الخطى نفسها، ويدعو إلى إرساء أسس تربية يكون هدفها الرئيسي بناء عالم يليق بالإنسان، الذي هو الهدف الأساسي للتربية، وبالتالي لا بد من أن نأخذ في عين الاعتبار تطلعاته المادية والثقافية والروحية، في إطار علاقاته مع الآخرين ومع الجماعة والطبيعة والبيئة التي يعيش فيها. ولفت الكاردينال بارولين في رسالته إلى المديرة العامة لهيئة اليونيسكو إلى أن البابا فرنسيس يحثنا اليوم على إيجاد توافق عالمي من أجل قيام تربية تشمل كل مكونات الشخص المتعلقة بالدراسة والحياة والعلاقة بين الأجيال وبين الطلاب والمعلمين، وتأخذ في الاعتبار الأبعاد الفكرية والعلمية والفنية والرياضية والسياسية والتضامنية. كما ثمة حاجة إلى قيام تحالف بين سكان الأرض، التي هي بيتنا المشترك، والتي ينبغي أن نصونها ونحترمها، ولا بد أن يولّد هذا التحالف السلام والعدالة بالنسبة لجميع الشعوب التي تؤلف العائلة البشرية، هذا بالإضافة إلى الحوار بين الأديان. لم تخل رسالة البابا من الإشارة إلى زمن الجائحة والحرب الذي نعيشه اليوم، وأشار إلى أن التربية هي دائماً فعلُ رجاء يحث الأشخاص على المشاركة وتحويل منطق اللامبالاة العقيم إلى منطق قادر على قبول انتماءنا المشترك. وتساءل البابا أنه إذا تماشت الفضاءات التربوية اليوم مع منطق تكرار أخطاء الماضي، العاجز عن خلق فرص وآفاق جديدة حيث تبني الضيافة والتضامن بين الأجيال والقيمة المتسامية للإنسان ثقافة جديدة، ألا نضيع على أنفسنا هذه الفرصة التاريخية؟ هذا ثم أشار الكاردينال بارولين إلى أن الدراسات والتحاليل بشأن تأثيرات جائحة كوفيد ١٩ على تعليم البالغين ومحو الأمية أظهرت أنه في العديد من الدول ينتمي غالبا المربّون إلى قطاعات أخرى، مختلفة عن القطاع المدرسي، وهم غالباً من المتطوعين أو موظفون لا يتمتعون بعقود عمل ثابت، ما يساهم في جعل هذا القطاع غير جذاب لاسيما بالنسبة للشبان الذين يريدون ممارسة مهنة التعليم. في ختام رسالته إلى المديرة العامة لهيئة اليونيسكو لمناسبة اليوم الدولي لمحو الأمية عبر البابا فرنسيس عن أمنيته بأن تساهم التأملات والجهود الهادفة إلى محو الأمية في بناء حضارة تتميّز بالتناغم والوحدة والتضامن والأخوة والسلام الدائم. وكتب الكاردينال بارولين أن الحبر الأعظم يود الإفادة من هذه الفرصة ليمنح بركاته الرسولية السيدة أودري أزولاي، وجميع البلدان الأعضاء في هيئة اليونيسكو، وكل الأشخاص العاملين ضمنها والمتعاونين معها. |