بحث

البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في المؤتمر الدولي للاهوت الأخلاقي البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في المؤتمر الدولي للاهوت الأخلاقي  

البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في المؤتمر الدولي للاهوت الأخلاقي

"ليصبح فرح الحب الذي يجد شهادة نموذجية في العائلة علامة فعالة لفرح الله الرحيم وفرح الذين ينالون هذه الرحمة كعطية!" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في المؤتمر الدولي للاهوت الأخلاقي

استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في المؤتمر الدولي للاهوت الأخلاقي الذي يُعقد في إطار سنة "عائلة فرح الحب" وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال إنَّ الإرشاد الرسولي "فرح الحب" يجمع ثمار الجمعيتين العامتين لسينودس الأساقفة حول العائلة، ثمار نضجت في الإصغاء إلى شعب الله، الذي يتألف بشكل كبير من العائلات، والتي هي المكان الأول الذي يعاش فيه الإيمان بيسوع المسيح والمحبة المتبادلة، ولذلك، من الجيد أن يستقي اللاهوت الأخلاقي من الروحانية الغنية التي تنبت في العائلة.

تابع البابا فرنسيس يقول إنَّ الحياة العائليّة تُمتحنُ اليوم بقوّة أكثر من أي وقت مضى. كذلك، تعاني العديد من العائلات من غياب العمل أو المسكن الكريم، أو الأرض حيث يمكنها أن تعيش بسلام في مرحلة تشهد تغيرات كبيرة وسريعة. إنَّ هذه الصعوبات تؤثر على الحياة العائليّة، وتولِّد مشاكل في العلاقات. هناك العديد من المواقف الصعبة والعائلات الجريحة. غالبًا ما تكون إمكانية تكوين عائلة اليوم أمرًا صعبًا ويجد الشباب صعوبة كبيرة في الزواج وإنجاب الأطفال. في الواقع، إنَّ التغييرات التاريخية التي نمر بها تجعل اللاهوت الأخلاقي يتصدى لتحديات عصرنا ويتحدث بلغة يفهمها المحاورون أيضًا - وليس الخبراء فقط -؛ فيساعد هكذا في التغلب على المحن والصراعات ويعزّز إبداعًا جديدًا لكي يعبِّر في التحديات الحالية عن القيم التي تكوِّننا كشعب في مجتمعاتنا وفي الكنيسة، شعب الله. وبهذا الصدد، تلعب العائلة اليوم دورًا حاسمًا في مسارات الارتداد الراعوي لجماعاتنا والتحوّل الرسولي للكنيسة. ولكي يحدث هذا، هناك حاجة لتأمّل لاهوتي - حتى على المستوى الأكاديمي - يكون منتبهًا حقًا لجراح البشريّة. وبطريقة خاصة، في هذا الصدد، أود أن أذكّر بالحاجة إلى التبادل بين الاختصاصات داخل اللاهوت، وكذلك بين اللاهوت والعلوم الإنسانية والفلسفة. لأن هذه الطريقة ستعزز تعميق التأملات اللاهوتية حول الزواج والعائلة.

أضاف الحبر الأعظم يقول تُبنى الكنيسة السينودسيّة على الإصغاء المتبادل بين الذين يكوِنون شعب الله. في هذه الحالة، كيف كان من الممكن أن نتحدّث عن العائلة بدون أن نسائل العائلات، ونصغي إلى أفراحها وآمالها وآلامها ومخاوفها.  لهذا السبب بالتحديد، تظهر حاجة ماسة للحوار: بالتأكيد ليس كموقف تكتيكي محض، وإنما كضرورة جوهرية لكي نختبر بشكل جماعي فرح الحقيقة ونعمِّق معناها ومقتضياتها العملية". ما أعظم غنى الخير الموجود في حياة العديد من العائلات في جميع أنحاء العالم! إنَّ عطية الإنجيل، بالإضافة إلى المعطي، تفترض مسبقًا أن يؤخّذ المتلقي على محمل الجد وأن يتمَّ الإصغاء إليه. وبالتالي يمكن للزواج والعائلة أن يشكلا فرصة مناسبة للاهوت الأخلاقي، من أجل إعادة التفكير في التصنيفات التفسيرية للخبرة الأخلاقية في ضوء ما يحدث في البيئة العائليّة. كذلك بين اللاهوت والعمل الرعوي، من الضروري، أن تقام مجدّدًا دائرة فاضلة. إذ لا يمكن استنتاج الممارسة الرعوية من المبادئ اللاهوتية المجردة، كما أنّه لا يمكن للتأمُّل اللاهوتي أن يقتصر على إعادة التأكيد على الممارسة. كم من مرة يتم تقديم الزواج كعبء يتحمله المرء طوال حياته بدلاً من مسيرة ديناميكيّة للنمو وتحقيق الذات. هذا لا يعني أن الأخلاق الإنجيلية تتخلى عن إعلان عطيّة الله، التي ينبعث منها الواجب والتفاني. يقوم اللاهوت بوظيفة حاسمة في فهم الإيمان، لكن تأمّله ينطلق من الخبرة الحيّة وحسُّ شعب الله. بهذه الطريقة فقط يؤدي الفهم اللاهوتي للإيمان خدمته الضرورية للكنيسة. ولهذا السبب بالتحديد، تصبح ممارسة التمييز ضرورية أكثر من أي وقت مضى، مما يفتح المجال لضمير المؤمنين، الذين يجيبون في كثير من الأحيان على أفضل وجه ممكن على الإنجيل وسط محدوديّتهم ويمكنهم أن يسيروا قدمًا بتمييزهم الشخصي إزاء مواقف يتم فيها كسر جميع المخططات.

تابع البابا يقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، في محور التزامنا، كرعاة وكلاهوتيين، هناك الاعتراف بالعلاقة التي لا تنفصم، على الرغم من مآسي الحياة ومصاعبها، بين الضمير والخير. إنَّ الأخلاق الإنجيلية هي بعيدة كل البعد عن تطبيق الأحكام الأخلاقيّة، التي تجعل التقيد الحرفي بالقواعد ضمانًا لعدالة الفرد أمام الله، وعن المثالية التي، باسم خير مثالي، تثبط العزيمة وتبعد عن الخير الممكن. في محور الحياة المسيحية هناك نعمة الروح القدس التي ننالها في الإيمان المعاش الذي يولِّد أعمال المحبة. ولذلك يُطلب منكم جميعًا اليوم أن تعيدوا التفكير في تصنيفات اللاهوت الأخلاقي، وفي رباطها المتبادل: العلاقة بين النعمة والحرية، بين الضمير والخير والفضائل والقواعد، والفطرة الأرسطية، والحكمة والتمييز الروحي، والعلاقة بين الطبيعة والثقافة، بين تعدد اللغات وفرادة المحبّة. بهذه الطريقة سنساعد العائلات على إعادة اكتشاف معنى الحب، كلمة غالبًا ما تبدو اليوم مشوهة: لأن الحب ليس مجرد شعور، بل هو الخيار الذي يقرر فيه كل فرد أن يصنع الخير بطريقة وفيرة، دون قياس، دون المطالبة بمكافآت، وإنما من أجل فرح العطاء والخدمة. إن الخبرة المعاشة للعائلات هي مدرسة استثنائية للحياة الصالحة. لذلك أدعوكم، أيها اللاهوتيون واللاهوتيات الأخلاقيون، إلى مواصلة عملكم الدقيق والثمين بأمانة خلاقة للإنجيل ولخبرة رجال ونساء عصرنا، ولا سيما لخبرة المؤمنين الحيّة.

وخلص البابا فرنسيس إلى القول ليصبح فرح الحب الذي يجد شهادة نموذجية في العائلة علامة فعالة لفرح الله الرحيم وفرح الذين ينالون هذه الرحمة كعطية! شكرًا لكم، ورجاء لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي.

13 مايو 2022, 13:01