البابا فرنسيس: الحكم القضائي الصحيح عليه أن يجمع بين العدالة والمحبة
لمناسبة افتتاح السنة القضائية الـ ٩٣ لمحكمة دولة حاضرة الفاتيكان استقبل قداسة البابا فرنسيس وفدا من المحكمة والعاملين في قطاع العدالة صباح اليوم السبت. وبعد ترحيبه بالجميع وتهنئتهم لهذه المناسبة وشكره إياهم على تفانيهم في العمل على إدارة القضاء، أشار الأب الأقدس إلى أهمية هذه المناسبة كفرصة للّقاء والحوار بين العاملين على صعيد المؤسسات وخاصة في مجال العدالة. كما وشدد البابا على أنه وفي لحظة صعبة بالنسبة للإنسانية مثل هذه تتعرض فيها فكرة الخير العامة لمصاعب، فإننا نتحدث عن نشاط شاق ومفعم بالمسؤولية، وذلك لأنه نشاط يتعلق بالقيم الأساسية لعيشنا المشترك ويتم القيام به في مجال يتميز باتفاق وتعاون بين المؤمنين وغير المؤمنين.
وواصل البابا فرنسيس مشيرا إلى رغبته في تقاسم بعض التأملات مع ضيوفه، وأولها ينطلق من المسيرة السينودسية التي نعيشها اليوم، لأن هذه المسيرة تسائل العدالة أيضا. وتابع الأب الأقدس أن السينودسية تعني في المقام الأول السير معا، ما يعني في مجال القضاء أن جميع المشاركين في المسيرة مع اختلاف الأدوار مدعوون إلى الإسهام في التأكد من الحقيقة من خلال المواجهة بين الأطراف ودراسة الأدلة. ويتطلب هذا حسب ما تابع البابا فرنسيس ممارسة الإصغاء والذي هو جزء من طبيعة المحاكمة العادلة. وإلى جانب الاستعداد للإصغاء، الذي يستدعي الوقت والصبر، فعلى كلٍّ من أعضاء الهيئة القضائية الانفتاح على أفكار الأعضاء الآخرين، وذلك للتوصل إلى حكم هو ثمرة تَريُّث وتَقاسَم. هناك إذن حاجة إلى التمييز من أجل بلوغ حكم عادل وتحقيق طبيعة وهدف المحاكمات، أي تطبيق العدالة وتصحيح للانسجام الاجتماعي يتطلع إلى المستقبل ويساعد على البدء مجددا.
تحدث البابا فرنسيس من جهة أخرى عن ضرورة مرافقة العدالة بالرحمة والتي تدعو إلى التوبة والمغفرة. وتابع قداسته مشددا على ضرورة السعي إلى توازن بين العدالة والرحمة مع الوعي بأنه وإن كان صحيحا أن الرحمة بلا عدالة تقود إلى تفكك النظام الاجتماعي، إلا أنه صحيح أيضا أن الرحمة هي ملء العدالة والإعلان المضيء عن حقيقة الله. ومن هذا المنطلق يصبح من الثمين اللجوء إلى التناسب، بمعنى العدالة في كل حالة منفردة، حسب ما تابع الأب الأقدس مشيرا إلى أنه ومع ثبات القوانين فإنه خلال تطبيقها يجب أخذ بعين الاعتبار احتياجات الحالة المحددة. وأضاف البابا أن هذا المبدأ ليس أمرا يتعلق بالقانون الكنسي فقط إلا أنه يجد فيه اعترافا وتثمينا في تماشٍ وثيق مع المحبة الإنجيلية والتي هي المبدأ الملهِم لعمل الكنيسة بكامله.
وفي حديثه عن القانون الكنسي قال قداسة البابا إن هذا القانون، ومع أخذ بعين الاعتبار طبيعة دولة حاضرة الفاتيكان، يُعتبر رسميا المصدر الأول للتشريع والمقياس الأول للتفسير. وتابع أنه في الحالات التي لا يشملها القانون الكنسي أو غيره من المصادر الأساسية يتم الانطلاق من القوانين الصادرة عن الدولة الإيطالية شرط عدم تناقضها مع المبادئ الأساسية للقانون الكنسي. كما وأشار البابا فرنسيس إلى موضوع اختيار القضاة حيث يفضَّل أن يكون من بين قضاة المحاكم قاضٍ واحد على الأقل خبير في القانون الكنسي.
وتابع الأب الأقدس أن عمل القضاة من أجل ضمان العدالة يقدم إسهاما ضروريا وشرعيا في حل مشاكل اجتماعية وجنائية تختلف عن تلك التي من صلاحية المحاكم الرسولية والكنسية. وأشار قداسته إلى أن هذا العمل سيتزايد في زمن إصلاح مثل ذلك الذي تم إطلاقه منذ فترة والذي استمر خلال العام الأخير أيضا من خلال بعض المستجدات الهامة سواء في المجال الاقتصادي والمالي أو القضائي. وأكد البابا أن هذا الإصلاح يريد الاستجابة إلى المعايير التي طورتها الجماعة الدولية في مجالات مختلفة من جهة، وإلى الحاجة الخاصة للكنيسة إلى جعل مؤسساتها متماشية بشكل متزايد دائما مع أسلوبٍ إنجيلي من جهة أخرى.
وفي ختام حديثه إلى ضيوفه لمناسبة افتتاح السنة القضائية الجديدة لمحكمة دولة حاضرة الفاتيكان شدد البابا فرنسيس على أن سير المحاكمات يجب أن يتمكن من استعادة النظام واتِّباع العدالة والتي تقود إلى أخوّة أكثر كمالا وفعالية، حيث يحصل الجميع على الحماية وخاصة أكثر الأشخاص ضعفا. كما وأكد قداسته على أن القانون والقاضي يجب أن يكونا دائما في خدمة الحق والعدالة، هذا إلى جانب خدمة فضيلة المحبة الإنجيلية. وذكَّر الأب الأقدس بحديث البابا القديس يوحنا بولس الثاني خلال التقديم الرسمي للقانون الكنسي الجديد حين شدد على أن القانون، وفي خدمة قضية العدالة، يجب أن يستلهم دائما من قانون ـ وصية المحبة. كما وأشار البابا فرنسيس إلى أن القانون الذي يقترحه يسوع المسيح ليس مجموعة من القواعد التي يجب تطبيقها بشكل تقني، بل هو بالأحرى توجيهات حياتية تقود مَن لديه مسؤولية وتتطلب عملا من أجل ارتداد شخصي واستعداد للقلب يجب التضرع من أجله وتغذيته بالصلاة، يمَكننا من تنفيذ واجباتنا جامعين بين صحة القوانين والمحبة والتي لا تعني إلغاءً للعدالة، بل هي كمال للشريعة حسب ما ذكر بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومة. ثم تمنى البابا فرنسيس لضيوفه أن يحفظوا دائما هذا الوعي خلال ممارستهم لمسؤوليتهم الهامة في خدمة العدالة، كما وشكرهم على عملهم السخي وباركهم مؤكدا صلاته من أجلهم سائلا إياهم ألا ينسوا أن يُصلوا من أجله.