الرسالة العامة Fratelli Tutti هي بوصلة لإيجاد السلام والحفاظ عليه
يؤكد الحبر الأعظم في رسالته العامة الأخيرة أن السلام هو مسار، مشيرا إلى الحاجة الملحة لمسارات من السلام في مناطق عدة حول العالم، تكون قادرة على تضميد الجراح، وهو يرى أيضا أن عالمنا المعذب يحتاج إلى أشخاص يصنعون السلام، ومستعدين لإطلاق مسيرات من الشفاء والتلاقي المتجدد، ويفعلون ذلك بإبداع وجرأة. ويشدد البابا فرنسيس على أن السلام هو التزام مستمر، ويسلط الضوء في هذا السياق على ما قاله أساقفة الكونغو الكاثوليك بشأن الصراع المسلح في بلادهم، إذ اعتبروا أن اتفاقات السلام، ليست كافية إذا بقيت حبراً على ورق إذ لا بد من الذهاب أبعد من ذلك، والبحث عن المسببات الكامنة وراء الأزمات والنزاعات، مؤكدين أن للشعب الحق في معرفة حقيقة ما جرى. كلمات الأساقفة تلك، والتي كررها الحبر الأعظم، تنطبق على سيناريوهات أخرى من الصراعات الدائرة حول العالم، ومن بينها الحرب التي تزرع الموت والدمار في أوكرانيا. يحدد البابا فرنسيس، في رسالته العامة Fratelli Tutti، ثلاثة شروط رئيسية للسلام ألا وهي: الحقيقة والعدالة والرحمة، ويشدد على أن السلام يتطلب بحثاً دؤوباً وصبوراً عن الحقيقة والعدالة، وهو عمل يأتي ليكرّم الضحايا، ويفتح الباب تدريجياً على الأمل المشترك الذي هو أقوى من الانتقام والأخذ بالثأر، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرحمة. ويؤكد البابا على أن هذه الشروط الثلاثة مجتمعة تسمح ببناء السلام. وتسلط الوثيقة البابوية الضوء على الحاجة الملحة – في مناسبات كثيرة – إلى التفاوض، من أجل إطلاق مسارات ملموسة للسلام. بيد أن صناعة السلام تبدأ من الشعوب، لأن كل شخص قادر على أن يساهم في هذا المسار من خلال نمط حياته اليومية. وهناك أيضا "هندسة" السلام، التي تشارك فيها أيضا مؤسسات المجتمع، كل منها بحسب اختصاصها وصلاحياتها، لكن من المؤكد أن صناعة السلام الحقيقي تتطلب مشاركة الجميع، من أجل البحث عن سبل لتحقيق السلام وتغليب لغة العقل على الميل إلى الأخذ بالثأر، والحفاظ على التناغم بين السياسة والحقوق. يؤكد البابا فرنسيس أن السلام ليس غياب الحرب وحسب، كما أن الحرب ليست شبحاً من الماضي لأنها تبقى تهديداً مستمراً. ويحذر أيضا من الظروف الراهنة التي توفر الأجواء الملائمة لنشوب الصراعات، مع العلم أن كل الحروب تقدم مبررات لها. في الواقع إن كل الحروب التي اندلعت خلال العقود الماضية، قدمت الذرائع والحجج، بدءا من السعي إلى منع تطوير الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية، ونتيجة للتطور التكنولوجي اكتسبت الأسلحة قوة تدميرية أكبر، وغالبا ما يقع ضحيتها المدنيون الأبرياء. ويحذّر البابا فرنسيس من مغبة الاستمرار في اعتبار الحرب حلاً للخلافات، خصوصا مع ارتفاع المخاطر التي تترتب عليها. وإزاء هذا الواقع بات من الصعب اليوم أن توضع المعايير لخوض ما يُسمى بـ"الحرب العادلة". ومن هذا المنطلق لا بد أن نقول "لا للحرب بعد اليوم". ويشير البابا إلى أن عالمنا يشهد حرباً ثالثة مجزّأة، لاسيما وأن مصائر البلدان باتت مترابطة فيما بينها. ويحرص هنا على التذكير بأن كل واحد منا مدعو لأن يكون صانعا للسلام، من خلال السعي إلى الوحدة والقضاء على الحقد، وفتح دروب للحوار عوضا عن بناء الجدران. |