البابا فرنسيس: رسالتكم هي أن تشرحوا العالم، وتجعلوه أقل ظلمة!
استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الصحافيين المعتمدين في دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي وخلال اللقاء منح الأب الأقدس أوسمة شرف لاثنين منهما فالنتينا ألازراكي وفيل بوليلا وللمناسبة ألقى البابا فرنسيس كلمة قال فيها يسعدني أن أستقبلكم هنا، بعد أن التقينا مرات عديدة في ممر الطائرة، خلال المقابلات على ارتفاعات شاهقة، أو خلال الاحتفالات والمواعيد المختلفة لرحلات الحج الرسولي حول العالم. نحن رفقاء سفر! واليوم نحتفل بصحفيين خبيرين، تابعا على الدوام الباباوات، والمعلومات حول الكرسي الرسولي والكنيسة الكاثوليكية بشكل عام. أحدهما هي "عميدتكم"، فالنتينا ألازراكي، التي وفي سنٍّ مبكرة كانت على الطائرة التي نقلت القديس يوحنا بولس الثاني إلى بويبلا في عام ١٩٧٩ وأهدت البابا سمبريرو. والآخر هو "عميدكم" فيل بوليلا، وهو أيضًا رائد مخضرم ومعروف في أخبار الفاتيكان. كم من الخبرات المشتركة، وكم من الرحلات، وكم من الأحداث التي عشتموها بشكل مباشر ورويتموها لمشاهديكم وقرائكم!
تابع الأب الأقدس يقول مع التكريم الذي يُمنح لفالنتينا وفيل، أود اليوم أن أشيد بطريقة أو بأخرى بجماعة العمل خاصتكم بأسرها؛ لأقول لكم إن البابا يحبكم، ويتابعكم، ويقدركم، ويعتبركم ثمينين. لا يصبح المرء صحافيًّا من خلال اختيار مهنة معيّنة، وإنما من خلال الانطلاق في رسالة، تقريبًا مثل الطبيب، الذي يدرس ويعمل لكي تتمَّ معالجة الشر في العالم. رسالتكم هي أن تشرحوا العالم، وتجعلوه أقل ظلمة، وتعملوا لكي من يعيش فيه يخاف منه بشكل أقل وينظر إلى الآخرين بوعي أكبر، وكذلك بثقة أكبر. لذلك أشجعكم لكي تحافظوا على حسِّ الرسالة هذا وتعززوه لأنّه في أصل خياركم. وسأقوم بذلك بثلاثة أفعال أعتقد أنه يمكنها أن تميز الصحافة الجيدة: الاصغاء والتعمّق والسرد.
أضاف الحبر الأعظم يقول الاصغاء هو فعل يهمكم كصحفيين، ولكنّه يهمنا ككنيسة في كلِّ زمن، ولاسيما الآن بعد أن بدأت المسيرة السينودسية. إنَّ الإصغاء، بالنسبة للصحافي، يعني التحلي بالصبر لكي يلتقي وجهاً لوجه الأشخاص الذين يريد أن يجري معهم مقابلة، ورواد القصص التي يريد أن يسردها، والمصادر التي يستقي منها الأخبار. إنَّ الإصغاء يسير على الدوام جنبًا إلى جنب مع النظر، ومع التواجد في المكان: لا يمكن للصحافي أن ينقل بعض الفروق الدقيقة والأحاسيس والأوصاف بشكل كامل إلى القراء والمستمعين والمشاهدين إلا إذا كان قد أصغى ورأى شخصيًا.
تابع الأب الأقدس يقول التعمق، هو الفعل الثاني، إنّه نتيجة الاصغاء والنظر. كل خبر، وكل حقيقة نتحدث عنها، كل واقع نصفه يحتاج إلى تعمُّق. في الوقت الذي تتوفر فيه ملايين المعلومات عبر الإنترنت ويحصل العديد من الأشخاص على المعلومات ويكوِّنون آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يسود أحيانًا للأسف منطق التبسيط والتباين، فإن أهم مساهمة يمكن أن تقدمها الصحافة الجيدة هي التعمُّق. في الواقع، ما الذي يمكنكم أن تقدموه للذين يقرؤونكم أو يستمعون إليكم أكثر مما يمكنهم أن يجدوه على الانترنت؟ يمكنكم أن تقدّموا السياق، والسوابق، ومفاتيح القراءة التي تساعد في تحديد حقيقة ما حدث.
أضاف الحبر الأعظم يقول أخيرًا، الفعل الثالث، السرد: لا يجب أن أشرحه لكم أنتم الذين أصبحتم صحفيين لأنكم فضوليون لمعرفة الواقع وشغوفين في سرده. السرد يعني ألا يضع المرء نفسه في المقدمة، وألا يُنصِّب نفسه كقاضٍ، وإنما يعني أن نسمح للقصص التي نلتقي بها أن تؤثِّر فينا وأحيانًا أن تجرحنا، لكي نتمكن من سردها بتواضع لقرائنا. الواقع هو ترياق رائع للعديد من "الأمراض"، ونحن نحتاج اليوم جدًّا إلى صحافيين ومراسلين شغوفين بالواقع، قادرين على إيجاد الكنوز المخفيّة غالبًا في ثنايا مجتمعنا وسردها، وعلى السماح لنا بأن نتأثّر ونتعلّم ونوسِّع أذهاننا، ونفهم الجوانب التي لم نكن نعرفها من قبل. أنا ممتن لكم على الجهد الذي تبذلونه لكي تسردوا الحقيقة. أشكركم أيضًا على ما تسردونه حول ما هو خطأ في الكنيسة، وعلى مقدار مساعدتكم لنا على عدم إخفائه وعلى الصوت الذي أعطيتموه لضحايا الانتهاكات. أشكركم أيها الأصدقاء الأعزاء على هذا اللقاء. شكرًا وتهانينا لـ "عميدَينا"، شكرًا لكم جميعا على العمل الذي تقومون به. شكراً لبحثكم عن الحقيقة، لأنّ الحقيقة وحدها هي التي تُحرِّرنا.