خطاب البابا فرنسيس إلى أعضاء السلك الدبلوماسي لمناسبة تبادل التهاني بحلول العام الجديد خطاب البابا فرنسيس إلى أعضاء السلك الدبلوماسي لمناسبة تبادل التهاني بحلول العام الجديد 

خطاب البابا فرنسيس إلى أعضاء السلك الدبلوماسي لمناسبة تبادل التهاني بحلول العام الجديد

استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الاثنين في القصر الرسولي بالفاتيكان أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي لتبادل التهاني بحلول العام الجديد، وقام البابا في خطابه المسهب، كما جرت العادة مطلع كل سنة، بجولة أفق استعرض خلالها آخر التطورات الراهنة على الساحة الدولية.

استهل البابا فرنسيس كلمته معربا عن امتنانه للسفراء على التزامهم اليومي لصالح تعزيز العلاقات بين الدول التي يمثلونها والكرسي الرسولي، وأكد أنه يتطلع إلى استئناف زياراته الرسولية بدءا من العراق في آذار مارس المقبل، مذكرا بأهمية الحوار بين الأديان في زماننا الراهن، كأساس للتلاقي بين الشعوب والثقافات. وتوقف أيضا عند أهمية الاتفاقات الدولية، التي تسمح بترسيخ علاقات الثقة المتبادلة وتفسح المجال أمام الكنيسة كي تتعاون لصالح الرخاء الروحي والاجتماعي في مختلف البلدان.

بعدها تحدث البابا عن جائحة كورونا التي طبعت العام الفائت، وذكر بأنه شاء أن تُشكل اللجنة الفاتيكانية كوفيد 19 بهدف العمل على تنسيق تجاوب الكرسي الرسولي والكنيسة الكاثوليكية مع نداءات الإغاثة الواردة من مختلف الأبرشيات. ولفت إلى أن الجائحة أظهرت لنا وجه عالم مريض بسبب الوضع البيئي والمسارات الاقتصادية والسياسية ونتيجة العلاقات البشرية أيضا. كما سلطت الضوء على المخاطر التي تترتب على عالم تسوده الأنانية وثقافة الإقصاء، ووضعتنا أمام خيار: إما متابعة السير في الدرب نفسها أو تغيير المسار.

وأشارالأب الاقدس إلى البعد الصحي لهذه الجائحة مذكراً بأن كل كائن بشري يتمتع بالحق في العلاج وبضرورة الدفاع عن حياة الإنسان وكرامته، منذ تكوينه وحتى موته الطبيعي. وعاد ليشجع دول العالم كافة على توحيد الجهود من أجل توفير اللقاحات للجميع لاسيما للأشخاص الأشد عوزا. كما لا بد أن ترافِقَ عملياتِ التلقيح تصرفاتٌ مسؤولة من قبل الجميع بغية السعي إلى الحد من انتشار الوباء. وبعد أن تطرق البابا إلى الأزمات البيئية التي يواجهها العالم والكوارث الطبيعية لفت إلى الأوضاع الإنسانية الصعبة في العديد من البلدان الأفريقية، موضحا أن ملايين الأشخاص يعانون من الجوع في بوركينا فاسو، مالي والنيجر، فضلا عن جنوب السودان الذي يواجه خطر المجاعة.

وتناول البابا أيضا الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها عالمنا اليوم، منددا بالاقتصاد الذي يرتكز إلى استغلال الأشخاص وإقصائهم. وقال إن الناس نسوا قيم الاقتصاد السليم الذي ينبغي أن يضع نفسه في خدمة التنمية البشرية المتكاملة، عوضا عن المصالح الخاصة. واعتبر أن الأزمات التي نمر بها اليوم تشكل فرصة ملائمة لإعادة التفكير بالعلاقة القائمة بين الشخص والاقتصاد، لافتا إلى ضرورة إطلاق مبادرات مشتركة ومتقاسمة على الصعيد الدولي من أجل ضمان أماكن العمل ومساعدة الشرائح الفقيرة من السكان.

هذا ثم تحدث البابا عن إقفال الحدود بين الدول بسبب الجائحة مشيرا إلى النتائج الإنسانية التي ترتبت على تلك الإجراءات لاسيما فيما يتعلق باللاجئين والمهاجرين. وقال إن فكره يتجه إلى الأشخاص الفارين من النزاع في إقليم تيغراي الأثيوبي، ومن منطقة كابو ديل غادو بموزمبيق. وأكد أنه يفكر أيضا باليمن وسورية حيث يعاني السكان من انعدام الأمن الغذائي، لافتا في هذا السياق إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على بعض الدول والتي تزيد من معاناة السكان.

وبعد أن توقف البابا عند أهمية الممرات الإنسانية التي تساهم في حل العديد من المشاكل، فيما يتعلق بالمهاجرين واللاجئين، عبر عن دعم الكرسي الرسولي للجهود التي تبذلها المنظمة العالمية للهجرات والمنظمات الدولية الأخرى مذكرا بأن العالم لم يشهد هذا العدد الهائل من اللاجئين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

تابع البابا متوقفا عند بعض الأزمات السياسية، وأشار إلى أهمية أن ترتكز الديمقراطية إلى الاحترام المتبادل وإفساح المجال للجميع كي يعملوا لصالح الخير العام، مع الأخذ في عين الاعتبار الاختلافات في وجهات النظر. ثم تطرق إلى مسألة حظر الأسلحة النووية ومنع انتشارها، لافتا إلى ضرورة أن ينطبق هذا المبدأ على الأسلحة الكيميائية وتلك التقليدية أيضا.

هذا ثم تمنى البابا فرنسيس أن يشهد العام الجاري نهاية الصراع السوري، معتبرا أن هذا الأمر يتطلب اهتماما متجددا من قبل الجماعة الدولية المدعوة إلى معالجة مسببات النزاع والبحث عن حلول له. وانتقل بعدها إلى الحديث عن الأرض المقدسة، مشددا على ضرورة استئناف حوار مباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين يرتكز إلى الثقة المتبادلة، وشجع الجماعة الدولية على دعم هذا الحوار.

فيما يتعلق بلبنان عبر البابا فرنسيس عن أمنيته بأن يشهد التزاما سياسيا، وطنيا ودوليا، يساهم في تعزيز الاستقرار في بلد يواجه خطر فقدان هويته الوطنية والانغماس داخل التجاذبات والتوترات الإقليمية. وشدد على ضرورة أن تحافظ بلاد الأرز على هويتها الفريدة من أجل ضمان شرق أوسط تعددي متسامح ومتنوع، يقدم فيه الحضور المسيحي إسهامه ولا يقتصر على كونه أقلية وحسب. وأكد فرنسيس أن إضعاف المكوّن المسيحي في لبنان يهدد بالقضاء على التوازن الداخلي، لافتا أيضا إلى أهمية معالجة المشاكل المرتبطة بحضور النازحين السوريين والفلسطينيين، كما حذر من مغبة انهيار البلاد اقتصادياً. ودعا الزعماء السياسيين والدينيين إلى وضع مصالحهم الخاصة جانباً والالتزام في تحقيق العدالة وتطبيق الإصلاحات، والعمل بطريقة شفافة وتحمّل نتائج أفعالهم.

تابع البابا خطابه معربا عن أمنيته بأن يفسح منتدى الحوار السياسي الليبي المجال أمام إطلاق عملية المصالحة في البلاد. وبعد أن توقف عند الأوضاع الصعبة التي تعيشها بعض الدول الأفريقية والأمريكية الجنوبية ومنطقة القوقاز، تحدث فرنسيس عن آفة الإهارب التي يعاني منها العالم والتي تفاقمت خلال السنوات العشرين الماضية، لاسيما في أفريقيا وآسيا وأوروبا. وقال إن فكره يتجه إلى الضحايا وعائلاتهم، مذكرا بأن نسبة كبيرة من الاعتداءات الإرهابية تقع في دور العبادة وتستهدف المصلين، لذا لا بد أن تحظى هذه الأماكن بالحماية الأمنية.

في ختام كلمته شدد البابا فرنسيس على أهمية الإفادة من العام الجاري من خلال التعاون بسخاء مؤكدا أن الأخوّة هي الدواء الشافي من الجائحة وشرور كثيرة وقال: العالم يحتاج اليوم إلى الأخوة والأمل تماما كحاجته إلى اللقاحات. 

08 فبراير 2021, 11:44