البابا فرنسيس يستقبل مجموعة من الخبراء المتعاونين مع مجلس أساقفة فرنسا في مجال الإيكولوجيا 3 آب أغسطس 2020 البابا فرنسيس يستقبل مجموعة من الخبراء المتعاونين مع مجلس أساقفة فرنسا في مجال الإيكولوجيا 3 آب أغسطس 2020 

البابا فرنسيس يؤكد الحاجة إلى ارتداد إيكولوجي وشفاء قلب الإنسان

جدد البابا فرنسيس اليوم، خلال لقائه مجموعة من الخبراء المتعاونين مع مجلس أساقفة فرنسا في مجال الإيكولوجيا، على الحاجة إلى ارتداد إيكولوجي، مؤكدا أنه بشفاء قلب الإنسان يمكن الرجاء في شفاء العالم من مشاكله الاجتماعية والبيئية.

استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الخميس 3 آب أغسطس في القصر الرسولي مجموعة من الخبراء المتعاونين مع مجلس أساقفة فرنسا في مجال الإيكولوجيا. وسلَّم قداسته الحضور كلمة لهذه المناسبة رحب في بدايتها بالجميع موجها الشكر إلى المطران دو مولان بوفور على مبادرة الزيارة هذه والتي تأتي في إطار تأمل المجلس حول الرسالة العامة "كن مسبَّحاً". ثم تحدث البابا فرنسيس عن أننا أعضاء في عائلة بشرية واحدة مدعوون إلى العيش في بيت مشترك نشهد ترديه بشكل مقلق. وتابع أن الأزمة الصحية الحالية تُذكرنا بضعفنا، كما وتحدث عن إدراكنا لارتباطنا بعضنا ببعض في عالم نتقاسم مستقبله، عالم لا يمكن لسوء معاملتنا له إلا أن يؤدي إلى تبعات خطيرة لا فقط بيئية بل وأيضا اجتماعية وإنسانية. أشار الأب الأقدس أيضا إلى إدراك منتشر لخطورة الوضع وتزايد الاهتمام بالإيكولوجيا ما بدأ في التأثير على الاختيارات السياسية والاقتصادية، إلا أن هناك الكثير مما يجب القيام به كما وأننا نشهد بطءاً بل وتراجعا في هذا المجال في بعض الدول. وأكد في هذا السياق نية الكنيسة الكاثوليكية المشاركة بشكل كامل في الالتزام من أجل حماية البيت المشترك، مضيفا أن الكنيسة ليست لديها حلول جاهزة ولا تتجاهل المصاعب المتعلقة بالقضاية التقنية والاقتصادية والسياسية والجهود التي يتطلبها مثل هذا الالتزام، لكنها تريد العمل بشكل ملموس حيثما أمكن ذلك، وترغب في المقام الأول في تشكيل وعي من أجل ارتداد إيكولوجي عميق ودائم هو وحده القادر على الإجابة على التحديات الهامة التي علينا مواجهتها.

وتوقف الأب الأقدس عند الارتداد الإيكولوجي متحدثا عما يقدمه الإيمان للمسيحيين من تحفيز كبير على حماية الطبيعة وأيضا حماية الأخوة والأخوات الأكثر ضعفا. وأعرب عن ثقته في إمكانية أن يطور العلم والإيمان، اللذان يقدمان مقاربات مختلفة للواقع، حوارا مكثفا ومثمرا (راجع "كن مسبَّحاً" 62). وتابع قداسته متحدثا عن أن الكتاب المقدس يعلمنا أن العالم لم يولد من الفوضى أو بالصدفة، بل برغبة من الله الذي يحب العالم. وواصل قداسته مشيرا إلى تمتع كل مخلوق بعطف الآب الذي يمنحه مكانا في العالم، وأضاف أنه لا يمكن للمسيحي إلا أن يحترم ما أوكله إليه الآب كجنة ليفلحها ويحرسها وينميها بقدر إمكانياته. إلا أن الإنسان لا يمكنه حسب ما واصل البابا فرنسيس أن يعتبر نفسه مالك الطبيعة، والكائنات البشرية هي مدعوة إلى العيش في تناغم، في العدالة والسلام والأخوّة، وحين يعتبر الإنسان الطبيعة موضوع ربح ومصالح فإن هذا التناغم ينكسر وتحدث لامساوة وظلم ومعاناة خطيرة.

وعاد قداسة البابا للحديث عن ترابط كل شيء مذكرا بما كتب البابا القديس يوحنا بولس الثاني في الرسالة العامة "السنة المئة": "فاللّه قد جاد بالأرض على الإنسان ليستخدمها مع مراعاة النيّة الأصليّة التي لأجلها أعطيت له رزقاً حسناً، ولكن اللّه قد وهب الإنسان لذاته أيضاً، وعليه بالتالي، أن يحترم ما جهّزه به من بنية طبيعيّة وأدبيّة" (38). وواصل البابا فرنسيس أن اللامبالاة والأنانية، الجشع والميل نحو اعتبار نفسه سيد العالم والمتحكم فيه هي ما تجعل الإنسان يدمر من جهة الأنواع وينهب الموارد الطبيعية، ويستغل من جهة أخرى الفقر وعمل النساء والأطفال، ويقلب قوانين الخلية العائلية، ولا يحترم حق الحياة البشرية منذ الحبل بها وحتى النهاية الطبيعية.   

ثم تابع الأب الأقدس حديثه مذكرا بما كتب في الرسالة العامة "كن مسبَّحاً": "فإذا كانت الأزمة الإيكولوجية هي الظهور أو التعبير الخارجي عن الأزمة الأخلاقية والثقافية والروحية للحداثة، فإنه لا يمكننا أن نتوقع إعادة بناءِ علاقتنا مع الطبيعة ومع البيئة دون معالجة جميع العلاقات الإنسانية الأساسية" (119). وأضاف أنه لن تكون هناك بالتالي علاقة جديدة مع الطبيعة بدون كائن بشري جديد، وأنه من خلال شفاء قلب الإنسان يمكن الرجاء في شفاء العالم من اعتلالاته الاجتماعية والبيئية.

وفي ختام الكلمة التي سلمها إلى مجموعة من الخبراء المتعاونين مع مجلس أساقفة فرنسا في مجال الإيكولوجيا في إطار تأمل المجلس حول الرسالة العامة "كن مسبَّحاً"، والذين استقبلهم ظهر اليوم في القصر الرسولي، جدد قداسة البابا فرنسيس تشجيعه لجهودهم من أجل حماية البيئة. وتابع أنه وبينما يمكن أن تبدو أوضاع كوكب الأرض كارثية، بل وتبدو بعض الحالات غير قابلة للإصلاح، فإننا كمسيحيين لا نفقد الرجاء لأن نظرنا موجه إلى يسوع المسيح، الله المتجسد الذي أتى ليشفينا ويجعلنا نجد مجددا التناغم مع الأخوة ومع الطبيعة الذي فقدناه. وختم قداسته "فهو لا يتخلّى عنا، ولا يتركنا بمفردنا، لأنه اتّحد نهائيًّا بأرضِنا، وحبّه يحملنا دائمًا إلى إيجادِ طرقٍ جديدة" ("كن مسبَّحاً" 245).

03 سبتمبر 2020, 14:01