خطاب البابا إلى المشاركين في الجمعية العامة لمجمع عقيدة الإيمان خطاب البابا إلى المشاركين في الجمعية العامة لمجمع عقيدة الإيمان 

خطاب البابا إلى المشاركين في الجمعية العامة لمجمع عقيدة الإيمان

استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس المشاركين في أعمال الجمعية العامة لمجمع عقيدة الإيمان ووجه لضيوفه خطابا استهله مرحبا بهم ومعربا عن سروره للقائهم وعبر عن امتنانه لعميد المجمع والقائمين عليه وجميع الأعضاء، على النشاط الذي يقومون به خدمةً للكنيسة الجامعة، وشكرهم على تعاونهم مع أسقف روما وأساقفة العالم كله في مجال الدفاع عن العقيدة الكاثوليكية.

أكد البابا فرنسيس أن العقيدة المسيحية ليست منظومة متصلّبة ومنغلقة على ذاتها، وليست أيضا أيديولوجية تتغيّر وتتبدّل مع مرور الوقت، إنها واقع ديناميكي، يبقى أميناً لأسسه وفي الوقت نفسه يتجدد من جيل إلى آخر، ويحمل وجهاً وجسماً واسما، ألا وهو يسوع المسيح القائم من الموت. بعدها لفت فرنسيس إلى أنه بفضل الرب القائم من الموت، يجعلنا الإيمان ننفتح على القريب وعلى احتياجاته، من أصغرها إلى أكبرها. لذا فإن نقل الإيمان يتطلب أن يؤخذ الآخر في عين الاعتبار، وأن نتعرف عليه ونحبّه. من هذا المنطلق لا بد أن يصب الاهتمام، خلال أعمال الجمعية العامة، على العناية بالشخص لاسيما في المراحل الخطرة والنهائية من حياته.

تابع البابا يقول إنه في السياق الاجتماعي والثقافي الراهن راح يتآكل تدريجياً الإدراك حيال ما يجعل الحياة البشرية ثمينة. وغالباً ما تُقيّم هذه الحياة وفقاً لإنتاجيتها وجدواها، فيصير من لا يتلاءمون مع هذه المعايير أشخاصا مقصيين ولا يستأهلون العيش. وهنا تغيب واجبات التضامن والأخوة البشرية والمسيحية. وشدد فرنسيس على أن المجتمع يُعتبر متحضراً إذا ما تمكن من تطوير "أجسام مضادة" لمواجهة ثقافة الإقصاء، وإذا ما أقرّ بالقيمة الحقيقية للحياة البشرية، وإذا ما مارس التضامن ودافع عنه كأساس للتعايش. وعندما يقرع المرض باب حياتنا، تنمو بداخلنا الحاجة لوجود شخص ما بقربنا، ينظر إلينا ويمسك بيدنا ويعبر عن حنانه ويعتني بنا على غرار السامري الصالح في الإنجيل.

وأكد البابا أن موضوع العناية بالمرضى يحث الكنيسة على إعادة النظر في طريقة اعتنائها بالشخص المتألم، لافتا إلى أن مثل السامري الصالح يعلمنا أنه من الضروري أن يرتد القلب لأنه يفتقر إلى الرأفة. فبدون الرأفة لا يشعر من ينظر إلى الآخر أن معاناته تعنيه. لذا لا بد من إنشاء منصّة بشرية من العلاقات تحيط بالمريض؛ توفّر له العلاج الطبي وتساعده على الانفتاح على الرجاء، خصوصا في الأوضاع التي يرافق فيها الألمَ الجسدي قلقٌ روحي. هذا وينبغي أيضا أن نتبنى مقاربة مع المريض ترتكز إلى العلاقات وتنظر إليه بكامل أبعاده وتفرض واجب عدم التخلي عن الأشخاص المصابين بأمراض غير قابلة للشفاء. فالحياة البشرية تحتفظ بقيمتها وكرامتها كاملتَين مهما كانت الظروف، وبالتالي إنها تستأهل أقصى الاهتمامات.

بعدها توقف فرنسيس عند الأم تيريزا دي كالكوتا التي عاشت نمط القُرب والمقاسة، ولم تتخل عن الإقرار بالكرامة البشرية واحترامها حتى الرمق الأخير. وكانت تقول: "من أضاء شعلة بسيطة في المراحل المظلمة من حياة الآخر لم تذهب حياته سدى". وقال البابا إن فكره يتجه نحو مراكز الرعاية التلطيفية، حيث يُرافق المرضى – خلال المراحل الأخيرة من حياتهم – برعاية طبية وسيكولوجية وروحية، كي يعيشوا بكرامة، يعزّيهم قرب أحبائهم. وتمنى أن تستمر هذه المراكز في معالجة كرامة الإنسان وتغذية حبّ الحياة واحترامها.

هذا ثم عبّر البابا عن امتنانه لضيوفه على الدراسة التي أعدوها بشأن إعادة النظر في الإجراءات المتعلقة بـ"الجرائم الخطيرة" أو delicta graviora وشجعهم على متابعة نشاطهم كي يقدموا إسهاماً في القضايا التي تعني الكنيسة وكي تتم حماية قدسية الأسرار والكرامة البشرية المنتهكة، خصوصا لدى الأطفال. في الختام شكر البابا الحاضرين على نشر وثيقة بشأن الأنتروبولوجيا البيبلية التي تقدم نظرة شاملة للمخطط الإلهي الذي بدأ مع الخلق ويكتمل في المسيح، الإنسان الجديد الذي يشكل مفتاح ومحور وهدف التاريخ البشري. ثم سأل الله أن يبارك ضيوفه وطلب منهم الصلاة من أجله.

30 يناير 2020, 12:42