البابا يترأس صلاة الغروب عشية الاحتفال بعيد القديسة مريم والدة الله البابا يترأس صلاة الغروب عشية الاحتفال بعيد القديسة مريم والدة الله 

البابا يترأس صلاة الغروب عشية الاحتفال بعيد القديسة مريم والدة الله

ترأس البابا فرنسيس عصر أمس الثلاثاء صلاة الغروب في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان عشيّة الاحتفال بعيد القديسة مريم والدة الله في الأول من كانون الثاني يناير 2020.

ألقى البابا عظة للمناسبة استهلها مشيراً إلى أن الابن الذي أرسله الآب وُلد في بيت لحم وعاش في الناصرة ومات منبوذاً في أورشليم، مصلوباً خارج أسوار المدينة. وأكد فرنسيس أن قرار الله واضحٌ: لكي يكشف عن محبته اختارَ المدينة الصغيرة والمنبوذة وعندما وصل إلى أورشليم انضم إلى الأشخاص الخطأة والمنبوذين. ولم يُدرك أحد من سكان المدينة أن ابن الله، الذي صار إنساناً، كان يسير في طرقاتها وهذا الأمر انطبق أيضاً على التلاميذ الذين فهموا السرّ الكامن في يسوع، مع القيامة.

بعدها لفت البابا إلى أن كلمات وعلامات الخلاص التي صدرت عن يسوع ولّدت دهشةً وحماسة موقتة لكنها لم تلقَ قبولاً كما يجب. إذ لم يعد الناس يتذكرونها عندما سألهم الحاكم إذا كانوا يريدون يسوع أم باراباس! فقد صُلب يسوع، خارج المدينة، على الجلجلة، كي يُحكم عليه أمام أعين جميع السكان وليسخر منه هؤلاء. لكن سرعان ما جذبت قوةُ الله الكلَّ إليها، انطلاقاً من الصليب، شجرةِ الحياة. ومن هناك أيضاً اتسعت أمومةُ والدة الله لتشمل جميع البشر، وأكد فرنسيس أن أمّ الله هي أم الكنيسة، وحنانُها الأمومي هذا يطال جميع الناس.

هذا ثم قال البابا إن الله نصب خيمته في المدينة، ولم يتركها إطلاقا! وعلينا أن نكتشف حضوره في المدينة، حتى في مدينة روما. لا بد أن نطلب من الله أن يمنحنا عيوناً جديدة، قادرةً على التأمل والنظر بإيمان كي نكتشف الله المقيم في بيوتها، وشوارعها وساحاتها (كما جاء في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل"). وذكّر فرنسيس في هذا السياق بأن الأنبياء حذّروا من تجربة ربط حضور الله في الهيكل وحسب. وأكد أن الله يسكن وسط شعبه، يسير معه ويقاسمه حياته. أمانته ملموسة وقريبة من الوجود اليومي لأبنائه. ولفت البابا إلى أن الله وعندما أراد أن يجدّد الأشياء كلَّها بواسطة ابنه لم يبدأ من الهيكل، بل من أحشاء امرأة صغيرة وفقيرة من نساء شعبه. إن الله لا يغيّر التاريخ من خلال الرجال الأقوياء، رجالِ المؤسسات المدنية والدينية، بل بواسطة امرأة من "ضواحي" الإمبراطورية، مثل مريم، ومن البطون العاقرة، شأن أليصابات.

تابع البابا عظته متوقفاً عند المزمور المائة والسابع والأربعين الذي قُرأ خلال الاحتفال الديني وقال إن صاحب المزامير يدعو فيه أورشليم لتمجيد الله لأنه "يرسل إلى الأرض كلمته فيسرع قوله في عَدْوه". وبواسطة روحه الذي يتكلم في قلب كل كائن بشري، يبارك الله أبناءَه ويشجعهم على العمل من أجل السلام في المدينة. وقال فرنسيس إنه يودّ أن ننظر إلى مدينة روما هذا المساء من وجهة نظر الله مشيراً إلى أن الرب يفرح عندما يرى أعمالَ الخير التي تُمارَس يوميا، والجهود العديدة الرامية إلى تعزيز الأخوّة والتضامن. وأضاف أن روما ليست فقط مدينة معقدة تعاني من مشاكل كثيرة ومن انعدام المساواة والفساد والتوترات الاجتماعية. روما مدينةٌ يرسل إليها الله كلمتَه التي تسكن بواسطة الروح القدس في قلوب سكانها وتحملهم على الإيمان والرجاء، بالرغم من كل شيء، وعلى المحبة والنضال من أجل خير الجميع.

بعدها قال البابا إن فكره يتجه إلى العديد من الأشخاص الشجعان، المؤمنين وغير المؤمنين على حد سواء، الذين التقى بهم في السنوات الماضية، وهم يمثّلون قلب روما النابض. ولفت إلى أن الله ما فتئ يبدّلُ التاريخ ووجهَ هذه المدينة من خلال الصغار والفقراء الذين يعيشون فيها: إنه يختارهم، يُلهمهم، ويحفّزهم على العمل، ويجعلهم متضامنين، ويحملهم على تفعيل الشبكات، وعلى بناء علاقات فضيلة وتشييد الجسور عوضاً عن الجدران. ومن خلال الآلاف من جداول مياه الروح الحية تُخصِب كلمة الله المدينةَ وتجعلها أماً فرحة بالبنين.

هذا ثم تساءل البابا عما يطلبه الرب من كنيسة روما وقال إنه يوكل إلينا كلمته ويحملنا على الاندفاع وسط الفوضى ولقاء السكان "كي يُسرع قوله في عدوه". وأضاف أننا مدعوون للقاء الآخرين والإصغاء لهم ولصرخة المساعدة، لافتاً إلى أن الإصغاء هو بحد ذاته فعلُ محبة! وخدمةُ المحبة التي تبدّل الواقع تتطلب تكريس وقت للآخرين والحوارَ معهم والتعرّفَ على حضور الله في حياتهم والشهادة، بالأفعال أكثر من الأقوال، للحياة الجديدة في الإنجيل. وهكذا تهبّ في المدينة وفي الكنيسة رياحٌ جديدة، ورغبةٌ في متابعة السير وتخطي منطق المواجهة القديم كي نتعاون معاً ونبني مدينةً أكثر عدلاً وأخوّة.

في ختام عظته أثناء صلاة الغروب في بازيليك القديس بطرس دعا البابا فرنسيس المؤمنين إلى عدم الخوف أو اعتبار أنفسهم غير ملائمين لهذه الرسالة الهامة. وقال إن الله لا يختارنا بسبب براعتنا، لكن لأننا صغار. لذا نشكره على نعمته التي كانت عضداً لنا خلال هذا العام ونرفع إليه بفرح أناشيدَ التسبيح!

01 يناير 2020, 13:43