البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في مؤتمر الجمعية الدولية لقانون العقوبات 15 تشرين الثاني نوفمبر 2019 البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في مؤتمر الجمعية الدولية لقانون العقوبات 15 تشرين الثاني نوفمبر 2019 

البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في مؤتمر الجمعية الدولية لقانون العقوبات

تطرق قداسة البابا فرنسيس اليوم الجمعة إلى عدد من المواضيع خلال استقباله المشاركين في المؤتمر العشرين للجمعية الدولية لقانون العقوبات، ومن بينها الجرائم الاقتصادية وحماية القانون للبيئة وتماشي القوانين مع الواقع الملموس للحالات والأشخاص وغيرها.

استقبل قداسة البابا فرنسيس اليوم في القصر الرسولي المشاركين في المؤتمر العشرين للجمعية الدولية لقانون العقوبات. وفي كلمته إليهم رحب الأب الأقدس بالجميع مثمنا ما يقدمون من خدمة للمجتمع وإسهامهم من أجل عدالة تحترم كرامة وحقوق الشخص البشري. وتابع قداسته مشيرا إلى رغبته في تقاسم بعض التأملات التي تهم الكنيسة أيضا، فتحدث أولا عن عجز قانون العقوبات رغم ما حقق من انفتاح عن تفادي المخاطر التي تهدد الديمقراطية ودولة القانون. وتوقف قداسته عند ما وصفهما بنقطتين هامتين في الإطار الحالي، وكانت الأولى تأليه السوق الذي يجعل من مصالح السوق القواعد المطلقة. وواصل الأب الأقدس متحدثا عن التركيز على الأرباح بعيدا عن أية معايير أخرى ما يقود إلى نموذج إقصاء يصيب بعنف مَن يتحملون اليوم التبعات الاجتماعية والاقتصادية، بينما يحكم على أجيال المستقبل بتحمل التبعات البيئية. وقال البابا فرنسيس إن التساؤل الأول الذي يجب على رجال القانون طرحه هو ماذا يمكن عمله بما لديهم من معرفة لمواجهة هذه الظاهرة التي تهدد المؤسسات الديمقراطية والتنمية البشرية. ثم أشار قداسته إلى التحديات أمام القانون الجنائي اليوم مثل لاعقلانية العقوبات التي تأخذ شكل الإيقاف الجماعي والاكتظاظ والتعذيب في السجون، تعديات قوى الأمن، تجريم الاحتجاجات الاجتماعية وانتهاك الضمانات الجنائية والقضائية الأساسية وغيرها.

أما النقطة الثانية التي تحدث عنها الأب الأقدس فهي مخاطر الرؤية المثالية للعقوبة والتي يشكل تجاوزها أحد أكبر التحديات اليوم، وأضاف قداسته أنه لا يمكن لفرض عقوبة أن يبرَّر أخلاقيا بحجة تعزيز الثقة في نظام القواعد، وتابع أن قانون العقوبات لا يمكنه تجاهل الواقع الذي يبرز أيضا في كيفية تطبيق العقوبات.

ثم انتقل البابا فرنسيس إلى الحديث عن الجرائم الاقتصادية وما تسفر عنه من أضرار اجتماعية فأشار إلى الجرائم التي تُلحق الضرر بالممتلكات وأيضا بالأشخاص وبالبيئة، وأضاف أن قانون العقوبات لا يمكنه التغافل عن أفعال مَن يستغل وضع هيمنة على سبيل المثال على حساب الخير العام، وقال إن الأفعال التي تقود إلى الجوع أو الفقر أو الهجرة القسرية، الموت بسبب أمراض يمكن تفاديها أو الكوارث الطبيعية أو إبادة شعوب أصلية هي جرائم تساوي في خطورتها الجرائم ضد الإنسانية.

هذا وخصص البابا فرنسيس جزءً من كلمته الطويلة إلى المشاركين في المؤتمر العشرين للجمعية الدولية لقانون العقوبات لموضوع أهمية الحماية القانونية للبيئة، فشدد على ضرورة معاقبة القانون الجنائي لتصرفات مثل تلويث الهواء وموارد التربة والمياه والتدمير الواسع للنباتات والحيوانات، وكل الأفعال التي يمكنها أن تؤدي إلى كوارث بيئية أو تدمير نظام بيئي. وذكّر في هذا السياق باقتراح آباء السينودس خلال سينودس الأساقفة الأخير من أجل منطقة الأمازون إدراج الخطيئة الإيكولوجية. كما ووجه الأب الأقدس نداءً إلى المسؤولين جميعا في مجال قانون العقوبات للإسهام بجهودهم من أجل ضمان حماية قانونية لبيتنا المشترك.

وفي حديثه عن بعض الجوانب التي ازدادت حدة منذ لقائه السابق مع العاملين في قطاع قانون العقوبات أعطى قداسة البابا أمثلة من بينها الاستخدام غير الصحيح للاحتجاز الاحتياطي والحث غير المقصود على العنف عبر قوانين الدفاع الشرعي عن النفس مثلا، أو تبرير جرائم يرتكبها عناصر الأمن بكونها وقعت في إطار مهام عملهم. تحدث البابا فرنسيس أيضا عن ثقافة الإقصاء والتي تكشف مع غيرها من ظواهر في المجتمعات الغنية عن توجه نحو ثقافة كراهية. كما ولفت قداسته الأنظار إلى قضايا أخرى مثل توجيه اتهامات زائفة للقادة السياسيين وغيرها.            

وجه قداسة البابا فرنسيس بعد ذلك نداءً إلى العاملين في قطاع قانون العقوبات حاثا إياهم على المسؤولية، وذلك انطلاقا من تأثير عمل هذا القطاع على الجماعة. وشدد على ضرورة الجمع بين احترام القانون من جهة وتطبيقه من أجل الخير الفعلي للأشخاص من جهة أخرى، وأشار إلى التكييف الضروري والصعب للقانون مع الواقع الملموس للحالات وللأشخاص وذلك كي لا يكون عمل هذا القطاع مجرد آلية غير مكترثة. ثم ختم البابا فرنسيس كلمته إلى المشاركين في المؤتمر العشرين للجمعية الدولية لقانون العقوبات الذين استقبلهم اليوم في القصر الرسولي مذكرا بأن ارتكاب شر لا يبرِّر فرض شر آخر كرد، وأضاف أن نموذج العدالة في الرؤية المسيحية يتجسد بشكل تام في حياة يسوع الذي، وبعد أن عومل بازدراء وعنف وصولا إلى الموت، حمل في النهاية بقيامته رسالة سلام ومغفرة ومصالحة. ثم شدد قداسته على أهمية جعل السجون أماكن لها نوافذ، آفاق، قادرة على زرع الرجاء وإعادة دمج السجناء، كما ودعا إلى إعادة النظر جديا في السجن المؤبد. وتابع قداسته أن مجتمعاتنا مدعوة إلى بلوغ نموذج عدالة يقوم على الحوار واللقاء، وذلك من أجل استعادة الروابط التي أثرت فيها الجريمة المرتكبة وإصلاح الضرر حيثما أمكن. ولا أعتقد أن هذه يوتوبيا، قال قداسته، بل بالتأكيد تحدٍ كبير علينا مواجهته.  

15 نوفمبر 2019, 15:42