البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في لقاء بعنوان "صناعة التعدين من أجل الخير العام" 3 أيار مايو 2019 البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في لقاء بعنوان "صناعة التعدين من أجل الخير العام" 3 أيار مايو 2019 

البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في لقاء بعنوان "صناعة التعدين من أجل الخير العام"

الحاجة إلى الحوار وتغيير أسلوب حياتنا، احترام الحقوق الإنسانية للجماعات المحلية، وجعل نشاط التعدين في خدمة الشخص البشري لا العكس، هذا ما شدد عليه قداسة البابا فرنسيس خلال استقباله ظهر اليوم في القصر الرسولي المشاركين في لقاء تنظمه الدائرة الفاتيكانية المعنية بخدمة التنمية البشرية المتكاملة بعنوان "صناعة التعدين من أجل الخير العام".

استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم في القصر الرسولي المشاركين في لقاء تنظمه الدائرة الفاتيكانية المعنية بخدمة التنمية البشرية المتكاملة بعنوان "صناعة التعدين من أجل الخير العام". وفي بداية كلمته إلى ضيوفه رحب قداسته بالجميع ووجه الشكر إلى عميد الدائرة الكاردينال بيتر توركسون على كلمته، وإلى الضيوف على مشاركتهم في هذا اللقاء. ذكّر قداسته بعد ذلك بتشديده في الرسالة العامة "كن مسبَّحًا"، وانطلاقا من الوضع المقلق للأرض، على الحاجة إلى "الدخول في حوار مع الجميع حول بيتنا المشترك" (3)، حوار يستجيب بشكل فعلي إلى صرخة الأرض وإلى صرخة الفقراء. وأعرب قداسته في هذا السياق عن تثمينه لاجتماع ممثلي الجماعات المتأثرة بصناعة التعدين ومسؤولي شركات التعدين في هذا اللقاء حول طاولة، وأكد البابا ضرورة تشجيع هذا الحوار ليصبح قاعدة لا استثناء.

وفي حديثه عن أوضاع الأرض، بيتنا المشترك، أشار الأب الأقدس إلى إن هذه الأوضاع هي في المقام الأول نتاج نموذج اقتصادي تم اتباعه لفترة طويلة، نموذج نهِم يسعى إلى الربح، محدود الأفق، يقوم على وهم نمو اقتصادي غير محدود. وبينما نشهد غالبا تأثيره الكارثي على الطبيعة وعلى حياة الأشخاص، فإننا لا نزال غير راغبين في التغيير. وعاد قداسته إلى الرسالة العامة "كن مسبَّحًا" مذكرا بما كتب: "تُوَاصل القوى الاقتصاديّة تبريرَ النّظام العالميّ الحاليّ، الذي تطغى فيه المضاربة والبحث عن الربح المالي، اللذان يميلان إلى غض النظر عن أي سياق محلّي وكذلك عن التأثيرات على الكرامة الإنسانية وعلى البيئة" (56). وأكد قداسته ما شدد عليه في الوثيقة المذكورة حول حاجتنا إلى تغيير نموذج النشاطات الاقتصادية كافة، بما في ذلك قطاع التعدين.

توقف البابا فرنسيس بعد ذلك عند عنوان اللقاء "صناعة التعدين من أجل الخير العام"، وذلك لتقديم بعض التأملات. وتحدث أولا عن ضرورة أن يكون التعدين، مثل أي نشاط اقتصادي، في خدمة الجماعة البشرية بكاملها. وذكّر هنا بحديث البابا القديس بولس السادس في الرسالة العامة "تَرَقي الشعوب" عن استفادة الجميع بالتساوي من خيور الخليقة، وأضاف البابا فرنسيس أن هذا هو أحد ركائز التعليم الاجتماعي للكنيسة. شدد قداسته بالتالي على أهمية إشراك الجماعات المحلية في كافة مراحل مشاريع نشاط التعدين، وهو ما كان قد أشار إليه في الرسالة العامة "كن مسبَّحًا" حيث كتب: "إنه من الضروري دائمًا التوصل إلى توافق في الآراء بين مختلف الجهات الفاعلة الاجتماعية، والتي باستطاعتها طرح وجهات نظر مختلفة وحلول وبدائل. لكن على طاولة النقاش يجب إعطاء مكان مميّز للسكّان المحليين الذين يتساءلون عما يتمنّونه لأنفسهم ولأولادهم، وبمقدورهم تقييم الأهداف التي تتجاوز المصالح الاقتصادية المباشرة" (183).

ثم واصل البابا فرنسيس حديثه مشيرا إلى سينودس الأساقفة القادم حول منطقة الامازون مشددا في هذا السياق على نقطة أخرى أشار إليها في الرسالة العامة، وهي ضرورة "إعارة اهتمام خاص لجماعات السكان الأصليين ولعاداتهم الثقافية. فهم ليسوا أقلية بسيطة بين غيرها من الأقليات، وإنما يجب أن يصبحوا الشركاء الرئيسيين، وبالأخص حين نطوِّر مشاريع كبيرة ستؤثر على أراضيهم" (146). وواصل الأب الأقدس متحدثا عن الكثير الذي يمكن لهذه الجماعات الضعيفة أن تُعلِّمنا، مثل اعتبارها الأرض هبة لا ثروة اقتصادية، كما أشار إلى تعرض هذه الجماعات إلى ضغوط للرحيل عن أراضيها لتركها لمشاريع لا تعير انتباها إلى تردي الطبيعة والثقافة. ودعا البابا بالتالي الجميع إلى احترام الحقوق الإنسانية الأساسية لهذه الجماعات وأصوات أبنائها.

شدد الحبر الأعظم بعج ذلك على ضرورة أن يكون نشاط التعدين في خدمة الشخص البشري لا العكس، وذكّر هنا بما كتب البابا الفخري بندكتس السادس عشر في الرسالة العامة "المحبة في الحقيقة": "ينبغي أن تخضعَ عملياتُ التنميةِ لمبدأ مَركزيَّةِ الشخصِ البشري، فهو الفاعلُ الذي يجبُ عليهِ أن يَضطَّلِعَ في المقامِ الأول بواجبِ التنمية" (47). وتابع البابا فرنسيس أنه، وللاهتمام بحماية وخير الأشخاص المتأثرين بنشاط التعدين ولاحترام الحقوق الإنسانية الأساسية للجماعات المحلية، لا تكفي المسؤولية الاجتماعية للشركات، بل يجب ضمان أن يقود التعدين إلى تنمية بشرية متكاملة لكل شخص وللجماعة بكاملها.

تأمُّل آخر للأب الأقدس كان حول ضرورة تشجيع ما يُعرف بالاقتصاد الدائري وخاصة في مجال التعدين، وذكّر قداسته برسالة رعوية لأساقفة أمريكا اللاتينية حول نشاط التعدين أشارت إلى استخراج المعادن كتوجه لتحويل خيور الطبيعة إلى رأسمال يقود إلى منتجات وخدمات يتم استهلاكها وما يترتب على دائرة الاستهلاك هذه من تبعات على الأرض في شكل نفايات ملوِّثة. ودعا البابا فرنسيس إلى إدانة وتفادي ثقافة الإقصاء هذه، وأشار قداسته إلى تماشي تشجيع اقتصاد دائري مع أحد أهداف التنمية المستدامة، أي ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة. وذكر الحبر الأعظم في هذا السياق بكلمات يسوع "طوبى لِلوُدَعاء فإِنَّهم يرِثونَ الأَرض".

وفي ختام كلمته إلى المشاركين في لقاء تنظمه الدائرة الفاتيكانية المعنية بخدمة التنمية البشرية المتكاملة بعنوان "صناعة التعدين من أجل الخير العام"، والذين استقبلهم ظهر اليوم في القصر الرسولي، أشاد قداسة البابا فرنسيس بمشاركة ممثلي كنائس وجماعات مؤمنين من العالم بأسره، وتمنى أن يكون القاء لحظة تمييز وأن يقود إلى أفعال ملموسة، مشددا على أهمية التأمل في تغيير أسلوب حياتنا. ودعا قداسته من جهة أخرى إلى عدم تجاهل نقطة هامة، وهي وكما كتب في الرسالة العامة "كن مسبَّحًا" أنه "من الضروري أن نعي أن ما يتعرض للخطر هو كرامتنا بالذات. فنحن أنفسنا أول المنتفعين من ترك كوكب صالح للسكن للبشرية التي ستخلفنا. إنها مأساة تمسنا نحن أنفسنا، لأنها تمس معنى مرورِنا على هذه الأرض" (160). ثم منح قداسة البابا البركة لضيوفه وعائلاتهم وجماعاتهم، راجيا منهم أن يصلوا من أجله. 

03 مايو 2019, 13:11