بحث

2023.03.06 Messa Patriarca Maronita Domenica 5 marzo 2023- Bkerke-Libano

البطريرك الماروني: نزيف القيم الأخلاقية والإنسانية ظاهر في مجتمعنا في المسلك والكلام والتعاطي

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي يوم الأحد الخامس من آذار مارس في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة بعنوان "يا ابنتي إيمانك شفاكِ ... لا تخف، آمن فقط وابنتك تحيا" (لو 8: 18 و50)، في أحد شفاء النازفة.

قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته مترئسا قداس الأحد "اللقاء بيسوع يشفي، عندما يكون لقاء إيمان بقدرة الله الشافية، كإيمان المرأة النازفة؛ ولقاء رجاء ثابت كالصخر بأن الله لا يخيّب، مثل إيمان يائيروس. إننا نلتمس من الله اليوم أن يحيي فينا الإيمان، ويثبتنا في الرجاء. لسنا شعب التشكيك، بل شعب الإيمان. ولسنا شعب اليأس بل شعب الرجاء. بالإيمان والرجاء نؤكد أن الله هو سيد التاريخ وحده، فيتدخل ساعة وكيفما وعندما يشاء. فإن أمهل، لا يهمل".

وأشار غبطته إلى أن "نزيف تلك المرأة الدموي يرمز إلى نزيف القيم الأخلاقية والإنسانية، ونزيف السياسة من مضمونها النبيل، ونزيف خزينة الدولة من مالها العام، ونزيف المؤسسات الدستورية من فاعليتها. نزيف القيم الأخلاقية والإنسانية ظاهر في مجتمعنا في المسلك والكلام والتعاطي. فالكل يُجمع على فقدان القيم والشعور الإنساني. ومردّ ذلك إلى عدم الرجوع إلى الله ووصاياه ورسومه، وإلى خنق صوت الضمير، الذي هو "صوت الله في أعماق الإنسان" (الدستور الراعويّ: الكنيسة في عالم اليوم، 16). فلنفكر مثلًا في التلاعب بأسعار المواد الغذائية والأدوية، فيما الشعب يتضوّر جوعًا، وأولاد يُحرمون الغذاء اللازم لنموهم، ومرضى يموتون لعدم إمكانية توفير دوائهم. فصرنا أشبه بالسمك الصغير الذي يأكله السمك الكبير. ونزيف السياسة من مضمونها النبيل كفن لتأمين الخير العام، الذي يوفّر الخير لجميع المواطنين ولكل مواطن. فإذا بنا أمام جماعة سياسية خالية من أية مسؤولية، وتمارس السياسة من أجل مصالحها الخاصة والفئوية فقط، بل تبيد الخير العام غير آبهة بالشعب الذي أوكل إليها هذه المسؤولية العامة بموجب مقدمة الدستور (عدد "د"). ومن المؤلم حقا غياب رجال دولة عندنا، والبرهان أن لا أحد من السياسيين والأحزاب أو الكتل النيابية، يقدّم مشروعًا واحدًا جديًا لإنهاض لبنان من انهياره الكامل. فإن تكلم بعضهم فاهوا بالكيدية والحقد والذهنية الميليشياوية والإساءة الشخصية وبث سم التفرقة والإنقسامات والعداوة، الأمر الذي يزرع الأشواك والألغام على طريق انتخاب رئيس للجمهورية".

وأضاف البطريرك الراعي "ونزيف خزينة الدولة من مالها العام، بالسرقات والهدر وغياب المحاسبة، وسد ينابيع الدخل للدولة بالتعطيل عن العمل والإضرابات المفتوحة، وايقاف أجهزة المراقبة إهمالًا وربما تواطؤًا، وعدم السيطرة على الجمارك في المرافئ البحرية، والمطار، وإيقاف التهريب بضبط الحدود خروجًا ودخولًا، وسوء الحوكمة باستئجار الدولة مباني إداراتها بالدولار، وإيجار ممتلكاتها بالليرة اللبنانية، والتهرب من دفع ضرائب الماء والكهرباء، واعتماد سياسة الريع بدلًا من سياسة الإنتاج، وإهمال مكمن الخسارة في الفرق الشاسع بين قيمة الإستصدار وقيمة التصدير. ونزيف المؤسسات الدستورية من فاعليتها، إذ بعدم انتخاب رئيس للجمهورية، يتوقف المجلس النيابي عن صلاحية التشريع، وحكومة تصريف الأعمال عن صلاحية إصدار القرارات التنفيذية وإجراء التعيينات في الإدارات العامة، فتتعطل مسيرة الدولة، ويتحكم بها النافذون والمتمردون والمدعومون، ويستبيح السياسيون التدخل في الإدارة والقضاء، وتسود الفوضى ويُمارس الظلم والاستبداد من هذا وذاك من المسؤولين، ومن وزير تجاه المدير العام لأغراض مذهبية وطائفية وحزبية، متجاوزًا هكذا إطار صلاحياته".

وأشار غبطته إلى أنه "يتعثر انتخاب رئيس للجمهورية، لأنه، وبكل اسف يدور الخلاف حول إنتمائه إما لفئة الممانعة، كما يسمى، وإما لفئة السيادة. والحل الوحيد هو في الخروج من هذه المعادلة، والعمل من قبل الشعب على انتخاب رئيس وطني متحرر من كل إرتباط وانحياز وفئة ومحور. هذا هو الرئيس الذي يحتاجه لبنان لكي يكسب ثقة الجميع في الداخل، وثقة كل الدول في الخارج، ولكي يتمكن هذا الرئيس من قيادة الإصلاحات اللازمة والمطلوبة من أجل نيل المساعدات الدولية والإقليمية". "هذه هي أولوية الأولويات والضرورات التي يذكّر بها النائبان المعتصمان في المجلس النيابي زملاءهم النواب منذ ثلاثين يومًا. أما السعي إلى تمديد الشغور الرئاسي من أجل أهداف مبطنة منافية للهوية اللبنانية، فهو الإمعان في تكبير حجم الجريمة: بهدم مؤسسات الدولة، واضطهاد المواطنين اللبنانيين بافقارهم وتهجيرهم من وطنهم، وحرمانهم من تحقيق ذواتهم على أرض الوطن، ومن المساهمة في بنيانه، مثلما يفعلون في بلدان أخرى استضافتهم".

"من واجب من يتعاطى الشأن السياسي"، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته مترئسا قداس الأحد، "العمل الجدي على تجديد العقد الإجتماعي الضامن للتنوع الثقافي والديني بين اللبنانيين على أسس من الحداثة وإزالة الخوف المتبادل. فيتطلع الجميع، أفرادًا وجماعات، إلى مستقبلهم الوطني بأمل وثقة، ويتشاركون بروح المسؤولية في صياغة دور ريادي للبنان في العقود المقبلة، مستثمرين ما يملكه من خصوصيات وميزات تفاضلية وقيم حضارية". "إننا بالإيمان والرجاء نصمد بوجه المصاعب ونعمل متضامنين على إزالتها بقوة النعمة الإلهية. والله وحده والثالوث نسبّح ونشكر الآن وإلى الأبد، آمين".

06 مارس 2023, 13:03