البطريرك الماروني: نسأل الله أن يبارك المساعي الحسنة لمجده وخير لبنان واللبنانيين
في عظته مترئسا القداس الإلهي الأحد الحادي عشر من كانون الأول ديسمبر، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "قمنا الأسبوع الفائت بزيارة رسمية وراعوية إلى المملكة الأردنية الهاشمية بدعوة كريمة من جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، وقدّرنا كم أنّ وجود سلطة تقرر هو مصدر الإستقرار والنمو. لكن هذه السلطة غير موجودة في لبنان بسبب عدم تطبيق إتفاق الطائف بالنص والروح، وبسبب سوء تطبيق ما طُبّق. فنحيي جلالة الملك ونقدّر كيف أنه يرتفع بالمملكة وشعبها في التقدم والرقي. وشكرناه على الجهود التي يبذلها من أجل مساعدة لبنان، وعلى المساعدات المتنوعة التي أرسلها إلى الشعب اللبناني بعد تفجير مرفأ بيروت. ما يوطد العلاقة التاريخية بين المملكة ولبنان، وبينها وبين البطريركية المارونية. وسررنا برؤية رعيتنا المارونية تكبر وتتقدم في عمّان بفضل كاهنها الخوري جوزف سويد ولجنة إدارة الوقف والمجلس الراعوي، على كل من المستوى الروحي والإنمائي والتطوري".
"إننا نذكّر نواب الأمة عندنا ومتعاطي الشأن السياسي"، قال البطريرك الراعي في عظته،"أن أساس قيام لبنان سنة 1920 هو التعددية الثقافية والدينية في الوحدة؛ وأساسه إثر الاستقلال هو الميثاق الوطني بالعيش معًا في المساواة؛ وأساسه بعد اتفاق الطائف هو إعادة توزيع أدوار الطوائف، بحيث تقول مقدمة الدستور: "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". إن كل ما تقوم به الجماعة السياسية والنيابية يسري خلاف هذه الأُسس. فهي لا تحترم فكرة قيام لبنان، ولا الشراكة، ولا التعددية، ولا الاستقلال، ولا الميثاق الوطني، ولا الطائف ودستوره. هل الهدف من هذا السلوك المعيب هو القضاء على خصوصية لبنان وقيمه ونظامه؟ وهل يوجد قرار متَّخذ عن سابق تصور وتصميم لهدم لبنان القائم، والبناء على أطلاله مسودة دولة لا تنتمي إلى شعبها ولا إلى تاريخها ولا إلى محيطها؟ كيف يحكم النواب على ذواتهم وهم يجتمعون تسع مرات ولا ينتخبون رئيسًا للجمهورية؟ هذا يعني أنهم لا يريدون انتخاب رئيس، أو ليسوا أهلًا لانتخاب رئيس، وبالتالي يطعنون بوجود الجمهورية اللبنانية، ويفقدون ثقة الشعب واحترام الدول الشقيقة والصديقة التي تعمل على إنقاذ لبنان. أليست جلسات المجلس النيابي، كما هي قائمة، لإيهام الشعب والعالم بأنهم يجتمعون لإنتخاب الرئيس، وهم يخدعون ويموّهون؟".
وأضاف غبطته "من هنا ضرورة التوجه إلى الأمم المتحدة ودول القرار لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان. لا مناص من تدويل القضية اللبنانية بعد فشل كل الحلول الداخلية. واللافت أن الذين يفشِّلون الحلول الداخلية هم أولئك الذين يرفضون التدويل. وحين يتم تعطيل الحل الداخلي ويُرفَض التدويل يعني أن هؤلاء الأطراف لا يريدون أي حل للوضع اللبناني. إما يكون لبنان كما يريدون أو لا يكون. لكن يجب أن يعلم الجميع أن لبنان سيكون كما يريده جميع أبنائه المخلصين. لقد حصلت معارضة قوية لانعقاد اجتماع الحكومة الإثنين الماضي بالحد الأدنى من الوزراء وبالحد الأقصى من جدول الأعمال، ومن دون التوقف عند التمثيل الميثاقي في الجلسة. واتخذت المعارضة بُعدًا دستوريا وسياسيا وطائفيا خشينا حصوله قبل وقوعه ونبّهنا إليه. وتمنّينا على دولة رئيس الحكومة إعادة النظر في انعقاد الجلسة وتأجيلها من أجل مزيد من التشاور، ولتحديد صلاحيات حكومة مستقيلة وتُصرّف الأعمال في غياب رئيس الجمهورية، لكن الحكومة مع الأسف عقدت جلستها بمن حضر وكان ما كان من معارضة".
لذلك، قال البطريرك الراعي " نناشد الحكومة التأنّي في استعمال الصلاحيات حرصًا على الوحدة الوطنية ومنعًا لاستغلال البعض مثل هذه الاجتماعات لأغراض سياسية وطائفية. وأفضل ما يُمكن أن تقوم به الحكومة، لاسيما رئيسها، هو العمل على الصعيد العربي والدولي لتسريع انتخاب رئيس للجمهورية. هذا هو الحل فيما البلاد تتدهور. إن البطريركية المارونية لا تتوَّرط بالصراعات بين السياسيين والأحزاب. مواقفها تبقى فوق النزاعات والتنافس السياسي، ولا تنحاز إلا إلى الحق الوطني. وتلتزم المبادئ الوطنية الجامعة والثوابت التاريخية والدستور ببعده الميثاقي. وبالمناسبة ندعو الأحزاب إلى التعالي عن صراعاتها، لكي تخلق الظرف المناسب للقاءات ناجحة، وإلا لا قيمة لتكرار اجتماعات تذهب في مهب الريح كما هو حاصل منذ ثلاثة أشهر.
نسأل الله أن يبارك المساعي الحسنة لمجده وخير لبنان واللبنانيين، وله نرفع التسبيح والشكر، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".