البطريرك الماروني: هل من خيانة تجاه الوطن أكثر تعطيلا من تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية؟
قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في مستهل عظته "إنجيل الوزنات دعوة إلى المحاسبة: نحن نحاسب ذواتنا بفحص الضمير اليومي؛ الجماعات الكنسية تحاسب نفسها ومسؤوليها بالمجامع والرياضات الروحية؛ الشعب يحاسب نوابه بالانتخابات؛ مجلس النواب يحاسب الحكومة ويسائلها؛ الرئيس يحاسب الجميع على الأمانة للدستور والخير العام. والمسيح الفادي يحاسب جميع الناس والشعوب على نعم الخلق والفداء والتقديس". وأشار غبطته إلى أنه "يظهر من القصة الإنجيلية أن الوزنات هي مواهب الله وعطاياه المتنوعة، وتنطبق على المجتمع والكنيسة والسلطة السياسية"، وقال إن السلطة السياسية "مؤتمنة على موهبة تأمين الخير العام، بحيث تمكّن المواطنين والعائلات والمجموعات من تحقيق ذواتهم تحقيقًا أكمل، وتوفّر مجمل أوضاع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفنية التي تؤمّن لهم الخير العام (الكنيسة في عالم اليوم، 74). وأضاف غبطته أن "من مقتضيات العمل السياسي فضيلتان اجتماعيتان هما العدالة والتضامن. العدالة هي السعي إلى خلق أوضاع مساواة وتكافؤ فرص بين المواطنين، فتعطي كل ذي حق حقه، وتعمل على ألّا يصبح الأغنياء أكثر غنى، والفقراء أكثر فقرًا. والتضامن هو الشعور بأننا كلنا مسؤولون عن كلنا، والضمانة للانتصار على الأنانية، وللانفتاح على الخير العام، سواء على مستوى الأشخاص أم على مستوى الدول".
وأشار البطريرك الراعي إلى أن "مجلس النواب من جهته مؤتمن على أميز الوزنات، بموجب المادة 49 من الدستور، وهي انتخاب "رئيس الجمهورية الذي هو رأس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه". ونظرًا لأهمية موقع الرئيس الذي لا يقبل الشغور، اقتضت المادة 73 انتخابه قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر. فيا أيها السادة النواب والكتل النيابية الذين تتكلمون وتعملون من أجل الشغور أو الفراغ في سدة الرئاسة، قولوا لنا من أين تستنبطون هذا الحق، وتبررون مخالفتكم الخطيرة والسافرة للدستور؟ هل نيابتكم وكتلكم وُجدت للتعطيل؟ من يدقق في تحركات عدد من النواب أثناء الجلسات النيابية الأخيرة، يكتشف فورًا أنهم في مسرحية لا تخلو من المزاجية عوض أن يكونوا في احتفال سعيد يقدّمون من خلاله للبنان رئيسًا مقبولًا من اللبنانيين بعد طول أحزان وأزمات. قلت رئيسًا مقبولًا يكون رجل دولة، لا رجل سياسة لا تعنيه إلّا مصالحه الخاصة على حساب الخير العام".
وأضاف غبطته يقول "لقد كانت جلسة مجلسكم التي عقدت الخميس الماضي جلستين: جلسة انتخاب الرئيس داخل القاعة العامة، وجلسة تعطيل النصاب في الردهات المحيطة. كأن سوق التسويات والمساومات ينشط بين أعيان النواب لمعرفة ما إذا كانوا يدخلون القاعة ويصوتون أم يبقون في الردهات ويعطلون. لقد أصبحنا في ذروة الفساد السياسي الأكثر شرًا من الفساد المالي. وصرنا في واحة الخيانة الوطنية. فهل من خيانة تجاه الوطن أكثر تعطيلًا من تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية؟ وهل من طريق مصوّب نحو انقسام الوطن أكثر من الشغور الرئاسي؟ أهكذا تتجاوبون مع البيان الصادر عن مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان الصادر في الخامس من تشرين الأول الجاري، والداعي لانتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية، والكاشف أهميته ودوره في الداخل والخارج في الظروف الراهنة؟ فكيف وبأي حق، أيها السادة النواب والكتل النيابية، تبددون الوزنات التي ائتمنكم عليها الشعب اللبناني بموجب مقدمة الدستور (بند د)؟ أتدركون أن السير نحو الشغور الرئاسي يتم فيما تسعى بعض الدول إلى تغيير وجه لبنان ودوره، وصيغته وهويته من دون الرجوع إلى الشعب اللبناني ولا إلى مرجعياته. إن المؤتمر الدولي الخاص بلبنان الذي دعونا إليه يختلف كليًّا عن مشاريع المؤتمرات والندوات التي تبتدعها هذه الدول لا لخدمة لبنان، بل لتجميل علاقاتها ببعض دول المنطقة. إن مصير لبنان يقرره اللبنانيون بمساعدة الأمم المتحدة. نحن دعونا إلى مؤتمر من أجل تطبيق اتفاق الطائف نصًّا وروحًا، وسد الثغرات الناتجة في الدستور، وتصحيح اختلال النظام الديمقراطي في ممارسة الحكم، وإعلان المحافظة على حياد لبنان وتحييده، وإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين".
وفي ختام عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي "نرفع صلاتنا إلى الله كي يحمي لبنان وشعبه، فيواصل هذا الوطن تثمير وزنات رسالته في هذا الشرق وفي العالم، رافعين المجد للثالوث القدّوس الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".