بحث

الأخت آن فالولا من راهبات سلطانة الرسل الأخت آن فالولا من راهبات سلطانة الرسل  

ضعف المرسلات

مقتطف من حديث ألقته الأخت آن فالولا من راهبات سلطانة الرسل خلال الجمعيّة العامة لاتحاد مجلس الرئيسات العامات لعام ٢٠٢٢

الضعف هو صفة أساسية لكل رسالة مسيحية أصيلة، لأننا مدعوون لاتباع المسيح، "هو الذي في صورة الله لم يعد مساواته لله غنيمة. بل تجرد من ذاته متخذا صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان. فوضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب... (فيلبي ٢، ٦-٨). إنَّ إخلاء المسيح لذاته يجعل الضعف أسلوبًا للمرسلين، وكذلك أداة مهمة للرسالة.

إن دعوة البابا فرنسيس إلى المسيرة السينودسية هي في النهاية دعوة متجددة للرسالة، ولكن ليس من موقع الذي كانت تشغله حتى الآن القوة والسلطة.... لا يمكننا أن نبلغ هذا الهدف إذا لم نقبل ونعانق ضعفنا.  بالنسبة لنا، كمرسلات، يُشكِّل الضعف خيرًا ثمينًا للرسالة، وليس عبئًا نتحمله؛ وهذا الأمر صحيح، لأنه يسمح لنا بالوصول إلى الواقع الإنساني بشكل أعمق، من خلال مشاركتنا في ما هو ضعيف ومُخضع وفقير. عندما نعانق ضعفنا، نقترب من الذين يحتاجون إلى النور والتحرر…

يشار إلى إفريقيا أحيانًا باسم "حديقة الكنيسة في القرن العشرين"، بسبب النجاح الرائع للكنيسة داخل القارة الأفريقية .... فمن أساس يقوم على حوالي ٤ ملايين مؤمن اعتنق المسيحية في عام ١٩٠٠، نمت الجماعة المسيحية الأفريقية وبلغ عددها ٣٠٠ مليون مؤمن في عام ٢٠٠٠. ومن الآثار المترتبة على هذه الظاهرة أنه لم يعد هناك المزيد من الدول التي تقبل حصريًا بالإرساليات أو ترسلها... يشمل هذا التغيير أيضًا ديناميكيات السلطة... إنَّ جغرافية الرسالة قد تغيَّرت! وبفضل لله، قطعت الرسالة المسيحية الآن ارتباطها التاريخي بالاستعمار أو التغريب...

لطالما سُئلت عن سبب معانقة الأفارقة للرسالات التي تحملهم خارج قارتهم، نظرًا إلى الكم الهائل من المشاكل التي تُصيبهم. على هذا السؤال، أجيب أن الدعوة إلى الرسالة ليست سباقًا لتحقيق الاكتفاء الذاتي، يمكن فقط للذين ليس لديهم مشاكل أو للأقوياء أن يجيبوا عليها. يمثل هذه النزعة التفرديّة تمثِّل في الواقع مشكلة، لأنها تربط الرسالة بالسلطة والتأثير السياسي والغنى المادية والاستعمار والسيطرة. وبالتالي كمُرسِلة أفريقية، أرى نفسي مدعوة لتعديل هذه الرواية، ولكي أحمل الحداثة والبساطة والطاقة، بعيدًا عن أي قوة اقتصادية أو سياسية...

الأخت آن فالولا من راهبات سلطانة الرسل
الأخت آن فالولا من راهبات سلطانة الرسل

رغم أن الضعف هو ذو أهمية حيوية للرسالة، لكنّه يبقى مسألة صعبة.  لم يكن المرسلون الذين نشأت معهم عندما كنت طفلة يعتبرون رجالًا أو نساءً ضعفاء. لقد استوحيت رسالتي من المرسلين الأيرلنديين الذين أصبحوا، في البلد الذي ولدت فيه، روادًا في مجالات التعليم والصحة والحدود الراعوية والاجتماعية؛ لقد كانوا محبوبين ومحترمين. ومع ذلك، فإن حلمي في أن أصبح مرسلة بطولية، تحظى بإعجاب الجميع، تحطم فجأة!

عندما وجدت نفسي في عام ١٩٩٤ خارج إفريقيا، أدركت أنه لم يكن يتمُّ قبولي كمرسلة وإنما كان يُنظر إليَّ كعاملة مهاجرة، تبحث عن حياة أفضل. فاهتزت رغبتي في الإيثار والتضحية الكاملة، عندما أدركت بدهشة أنه وفقًا للرأي العام، ليس لإفريقيا الكثير لتقدمه. أدركت أنه بالنسبة للكثيرين، خارج إفريقيا، كانت هذه القارة مرتبطة بشكل فريد بالفقر والحروب والعنف والبلبلة والحياة البدائية والأمراض والصراع العرقي والاضطرابات السياسية والفساد. على الرغم من أنّه لا يمكننا انكار هذه الحقائق، فإن إفريقيا هي أيضًا أرض الوعد، وذلك بفضل حياتها النابضة بالحياة ومرونتها وشبابها وحبها للجماعة، للضيافة والسخاء والتديُّن.

لقد تعلمت أن أُعانق هذا الضعف الذي فرضته عليّ الأحكام المُسبقة، بينما أفترض بتواضع كرامة تغيير هذه الرواية. نحن جميعًا ضحايا متلازمة الرواية الحصريّة، التي تقوم على الأحكام المسبقة التي يُغذّيها الآخرون تجاهنا. نحمل جميعًا على أكتافنا عبء هوياتنا ويصبح هذا الأمر أكثر وضوحًا عندما نبتعد عن منازلنا ونصبح هدفًا لأحكام الآخرين. قدمت لنا الكاتبة النيجيرية شيماماندا نغوزي أديتشي هذا الوصف الرائع: "ليس الأمر أن الرواية الحصريّة ليست صحيحة، ولكن النقطة هي أنها ليست الرواية الوحيدة الموجودة"...

الأخت آن فالولا من راهبات سلطانة الرسل
الأخت آن فالولا من راهبات سلطانة الرسل

كمرسلين، نحن مدعوون لكي نبني الشركة ضمن هذا التنوع، ونعانق جماله وهشاشته. أود أن أتحدى نفسي وكل واحد منا لكي يعانق ضعفه. إنَّ ضعفي كامرأة داخل جماعة وكنيسة بطريركية؛ وكأفريقيّة في عالم صراعات عالميّة من أجل السلطة؛ وكراهبة في عالم يتميَّز بلامبالاة متزايدة وتعصب الدينيين؛ وكمرسلة في عالم يكره الأجانب، مدعو لكي يتوجّه إلى ضواحي العالم حيث المركز فقط هو المهم. وهذا الأمر يعني بالنسبة لي أن أعانق الضعف من الأعلى ومن الأسفل.

29 يوليو 2022, 08:49