بحث

أمهات الحياة الرهبانيَّة المصرية: سارة وثيودورا وسينكليتيكا أمهات الحياة الرهبانيَّة المصرية: سارة وثيودورا وسينكليتيكا  SistersProject

أمهات الحياة الرهبانيَّة المصرية: سارة وثيودورا وسينكليتيكا

نجد في بداية الحياة الرهبانية ثلاث نساء مميّزات تركنَ لنا إرثًا روحيًا وهنَّ: سينكليتيكا وسارا وثيودورا. لم تكن أمومتهنَّ الروحية موجهة فقط للنساء، عذارى أو متزوجات، بل كانت موجهة أيضًا إلى الرهبان، والآباء، والكهنة وحتى إلى الأساقفة، وكذلك إلى المؤمنين العلمانيين

"كيف علينا أن نخلُص؟"

كان هذا هو السؤال الذي كان يُوجّه إلى الأمهات والآباء الروحيين في صحراء مصر القديمة للإشارة إلى "ما يجب فعله" بشكل ملموس في "الحياة العملية" من أجل تحقيق الخلاص. ما هي الدرب التي يجب اتباعها، وما هي تمارين الزهد التي يجب القيام بها، وما هي الفضائل التي يجب تحقيقها، وكيف نتغلب على هجمات الشيطان وإغراءاته: عمليًا، كيف نعيش، هنا والآن، لكي ننال الحياة الأبدية.

إنَّ كلمات التشجيع والتعليم التي نطق بها هؤلاء الآباء والأمهات للحياة الرهبانيّة المصريّة القديمة لكي يساعدوا تلاميذهم وتلميذاتهنَّ – الرهبان والعلمانيين – قد جُمعت في سلسلة متنوعة من أقوال الآباء، والتي من أهمها تلك التي جُمعت بحسب أحرف الأبجدية، التي تمَّ جمعها بحسب المؤلِّف ورُتِّبت بحسب الترتيب الأبجدي لأسمائهم؛ وتلك التي عُرفَت بالنظاميّة، والتي تعرض في داخلها أقوال الآباء بحسب المواضيع، مثل: التواضع، والطاعة، والمحبّة، وعدم الحكم على الآخر.

في السلسة الأبجديّة نجد لائحة بـمائة وثلاثة وثلاثين أبٍ روحي وثلاث أمهات روحيات: أما سارة وثيودورا وسينكليتيكا. وعلى الرغم من أن عددهنَّ قليل جدًا مقارنة بعدد الآباء، إلا أنهنَّ لم يكُنَّ أقل أهمية. وأقوالهنَّ هي شهادة مهمة على الشهرة التي تمتّعنَ بها، والتعليم والدور الذي لعبنَهنَّ. ولكن من هن هؤلاء الأمهات اللواتي جعلن اتباع القائم من بين الأموات الهدف الوحيد لحياتهن؟

لقد كُن نساءً كرّسنَ حياتهنَّ للحياة الرهبانية منذ شبابهنَّ، في منزلهن وفي عزلة قبر، مثل سينكليتيكا، أو في مساكن انفرادية، مثل سارة، أو في الدير، مثل ثيودورا، لكي ينطلقنَ في مسيرة تقشُّف جديّة وشاقة قادتهنَّ، بإرشاد الروح القدس، إلى أعلى قمم الفضيلة. لقد منحتهنَّ هذه المسيرة الروحية أيضًا موهبة الإرشاد الروحي، أي القدرة على معرفة إرشاد الذين كانوا يأتون إليهنَّ لكي يطلبوا منهنَّ كلمات تقودهم إلى الخلاص، من خلال تمييز الكلمة المستنيرة.

لقد كُنَّ على استعداد دائمًا لتقديم المشورة، والتشجيع، والتعزية، والمرافقة بقساوة وحنان، وغمرنَ أبناءهنَّ وبناتهنَّ بصلواتهنَّ، لكي وإذ تغلّبوا على جميع فخاخ الشرير، ينتعشوا بالروح القدس ويتحوّلوا. لم تكن أمومتهنَّ الروحية موجهة فقط للنساء، عذارى أو متزوجات، بل كانت موجهة أيضًا إلى الرهبان، والآباء، والكهنة وحتى إلى الأساقفة، وكذلك إلى المؤمنين العلمانيين. في الواقع، لم يكن الإرشاد الروحي مرتبطًا بالعوامل الجنسانية، وإنما بالمسيرة التي كان الأشخاص يقومون بها في الروح، لكونهنَّ "نساء الله" و"حاملات للروح القدس"، الأمر الذي جعلهُنَّ قادرات على "إرساء السفينة في ميناء الخلاص، متمسِّكات بالإيمان بالله كمرساة أكيدة" (حياة سينكليتيكا ١٩). لذلك كانت هذه الأمهات نقطة مرجعية للجماعة الرهبانيّة والكنسيّة بأسرها.

لا تزال محفوظة إلى اليوم أقوال عديدة لسارة وثيودورا وسينكليتيكا تحدد مسيرة روحيّة بسيطة وإنما أكيدة.

فسارة، على سبيل المثال، تولي اهتمامًا خاصًا للتواصل بطريقة حقيقية وبناءة مع الإخوة، من خلال حرية وطهارة الروح، دون أن تتأثّر بالرغبة في أن يتمَّ قبولنا أو الحكم علينا: "إذا صلّيتُ إلى الله لكي يكون جميع البشر راضين تمامًا عني، فسوف أجد نفسي أقوم بالتكفير عن الذنب عند باب كلِّ واحد منهم. لكنني سأُصلّي لكي يكون قلبي نقيًا مع الجميع" (سارة ٥).

من ناحية أخرى، تُصر ثيودورا على تحمل الآلام وجميع المعاكسات لكي "تربح زمن الحياة وتفتديه" (تيودورا ١). في الواقع، يمكن للآلام والتجارب أن تجعلنا ننمو ونتقدم، وتقودنا إلى الحياة الأبدية: "كما بالنسبة للأشجار إذا لم تمرُّ عبر الشتاء والأمطار فلا يمكنها أن تثمر. وكذلك أيضًا بالنسبة لنا، فالقرن الحالي هو الشتاء. وبالتالي من خلال العديد من الآلام والتجارب فقط يمكننا أن نصبح ورثة ملكوت السماوات" (ثيودورا ٢).

أما سينكليتيكا فهي تُعمِّق موضوع الدعوة العالمية، لأنها ثمرة الالتزام الشخصي والإيمان بالله الذي يعمل فينا. وإذ تُخاطب الذين كرسوا أنفسهم لله، تُحذِّرهم بقولها: "يبدو لنا أننا ذاهبون إلى الجانب الهادئ من البحر، بينما يعيش الذين في العالم بين الأخطار. نحن نسير في النهار تقودنا شمس العدل، أما هؤلاء فيسيرون في الليل، يقودهم الجهل. ولكن غالبًا ما يحدث أن يتمكن أولئك الذين في العالم، إذ يجدون أنفسهم في ليلة عاصفة، بالصُراخ والسهر، من أن ينقذوا السفينة، بينما وبسبب إهمالنا نغرق نحن في البحر الهادئ لأننا تركنا دفَّة العدالة" (سينكليتيكا ٢٦).

هذه الشخصيات، هذه الأمهات الروحيات، قد بقيت لفترة طويلة غير معروفة بشكل كافٍ ومقدّرة من خلال البحث، الأكاديمي واللاهوتي، ويجب علينا اليوم أن نكتشفها مجدّدًا من أجل تثمين دور المرأة في تاريخ الكنيسة.

 

الأخت ماريا لوتشيانا تارتاليا

معهد القديس أنسلموس الحبري

23 مايو 2022, 12:00