البطريرك الماروني: نصلّي الى الله كي يحافظ كل انسان ما زرع له في قلبه من رحمة تجمّل إنسانيته
قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة قداس الأحد "في مساء اليوم الاول من قيامته ظهر يسوع للتلاميذ، والابواب موصدة، و"اراهم يديه ورجليه"(يو 20:20). وهي علامة ذبيحة ذاته بالحب الاعظم لفداء خطايا البشرية جمعاء، وعلامة انتصاره بالقيامة على الخطيئة والموت لبثّ الحياة الالهية في كل مؤمن ومؤمنة. هذه العلامة المزدوجة تدلّ الى استمرارية موته وقيامته في ذبيحة القداس، لفداء الخطايا والحياة الابدية، بفيض من الرحمة الإلهية. أجل، من ذبيحة المسيح المقدسة تنبع الرحمة الالهية التي تحتفل الكنيسة بعيدها اليوم. وقد حدّده القديس البابا يوحنا بولس الثاني الحاضر معنا بذخائره في الأحد الجديد من كل سنة، كما اراد الرب يسوع ذلك وكشفه للقديسة الراهبة فوستينا، الحاضرة هي ايضًا من خلال ذخائرها".
في عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك الراعي "إن تجلّي الرحمة الالهية يخاطب ضمير الانسان الذي يسعى الى القضاء على فكرة الرحمة، واستئصالها من قلبه. ولهذا يتخبّط في أزماته الروحية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. لا يستطيع الانسان وبخاصة المسؤول أن يخنق صوت الله في داخله، وهو الضمير، الداعي الى الرحمة، كأساس لمعاملة الله لنا بالرحمة: "طوبى للرحماء، فانهم يُرحمون" (متى 7:5). وأضاف غبطته يقول "كيف تخنقون صوت الله في ضمائركم؟ أنتم الذين تعرقلون التحقيق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت؟ ومعه تغيير المحققين العدليين الواحد تلو الآخر؟ والتعيينات القضائية؟ ولماذا اغتيال أشخاص يملكون معلومات وصورًا؟ ولماذا يوجد متّهمون فارّون من وجه العدالة؟ إذا كان الانفجار قضاءً وقدرًا، لماذا أنتم خائفون من التحقيق؟ كيف تخنقون صوت الله في ضمائركم؟ أيها القضاة الذين تفبركون الملفات بناءً على طلب النافدين، وتُوقعون الظلم وتشوّهون وجه القضاء، وتقوّضون أساس الملك؟ وأنتم أيها المسؤولون الذين تحرمون أهالي الشهداء والمتضررين من التعويضات الواجبة؟ وتُبقون نصف العاصمة مدمّرًا، وتكتفون بإعلان عجزكم عن اعادة اعمارها، فتظل ممتلكاتها المتضررة سائبة وعرضة للبيع لأطراف مجهولي الهوية؟".
وتطرق البطريرك الراعي إلى الانتخابات النيابية القادمة وقال" فيما يقترب موعد الانتخابات النيابية، ندعو الشعب الى انتخاب ما يلبّي حاجته الى مجلس جديد يكون على مستوى التحديات التي تنتظره، وفي مقدّمتها انتخاب رئيس جديد للجمهورية في موعده الدستوري. بحيث يعمل على تحديث علاقات المكونات الميثاقية في ظل دولة قادرة على استيعاب التعددية واحتضان الجميع في نظام لامركزي موسع. ويعمل ساعيًا على أن يتوحّد الولاء، ويُلتزَم بالحياد، وتُطوى جميع المشاريع الدخيلة على وطننا ومجتمعنا، وتتساوى النظرة إلى لبنان، وينظر الأفرقاء إلى بعضهم البعض كشركاء واخوة، لا كأعداء وإقصائيين. ويصبّ الرئيس الجديد قواه على تعزيز استقلال لبنان وسيادته وهويته الأصيلة من خلال شرعية ملتزمة بالدستور والميثاق. انطلاقًا من هذا الوعي، يكون واجب المواطنين أن يختاروا من يرون فيهم القدرة الوطنية والمعرفية، ومن يثبتون على مواقفهم اللبنانية فلا يتلوّنون ولا يخافون ولا يساومون ولا يقايضون على الثوابت من أجل بلوغ المناصب".
وتابع غبطته يقول "اما الموضوع الذي يشغل بال المواطنين ويقلقهم انما هو اموالهم المودعة والارباك الناشىء حول مشروع "الكابيتال كونترول"، فمن واجب الحكومة أن توضح للناس مصير أموالـهم وانعكاس أيّ تشريع جديد على حرية التصرف بها. وبالمناسبة ليست كل معارضة بشعبوية وليس كل تأييد بموضوعي. من حق الناس والقوى السياسية أن تعارض كل ما هو ضبابي وغامض وملتبس ومشبوه ويَمس بحقوق الشعب وبالنظام الاقتصادي اللبناني الحرّ وبقواعد العمل المصرفي. فإذا كان التفاهم مع صندوق النقد الدولي أمرًا مستحسنًا، فالحفاظ على حقوق الناس وأموالهم أمر مقدّس". وأضاف غبطته "لقد آلمنا بالأمس غرق زورق قبالة ساحل مدينة طرابلس، كان ركابه يحاولون الهرب بطريقة غير شرعية من واقع مرير بعيشونه. فإننا اذ نهنئ الناجين بالسلامة آملين نجاة من لم يزالوا مفقودين، نعزّي عائلات قضوا في هذا الحادث المريع سائلين الله أن يرحمهم ويعزي قلوب عائلاتهم".
وفي ختام عظته مترئسا القداس الإلهي في عيد الرحمة الإلهية، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "نصلّي الى الله كي يحافظ كل انسان ما زرع له في قلبه من رحمة، تجمّل انسانيته، وتجعله حقًا على صورة الله ومثاله. للإله الغني بالرحمة كل مجد وتسبيح الآن والى الابد، آمين".